التحمت روح
الشاعر العراقي أديب كمال الدين بالحروف إلى الحد الذي
زخر بها شعره ، وفاضت بها لغته فيضاً صوفياً نورانياً
التحم بالحياة والموت والعالم الآخر والماء والنار
والدم والضياء ، كما فاضت بجرح الإنسان في صراعه مع
الذات ، وفي تأملاته للزمن إذ يفتتح قصيدته "الغراب
والحمامة"* بظرف الزمان "حين" ألذي يمتد أمدّه في
القصيدة إلى الزمن الموغل بعداً وهو الطوفان. تأخذنا
القصيدة مع الغراب إلى ملحمة الجريمة الأولى في تاريخ
الإنسان وهي مقتل هابيل بيد أخيه قابيل، تلك الجريمة
التي لم يُكفّر عنها بالتوبة إلى الآن.
جاء الغراب في
القصيدة رمزا للجريمة ونذيراً للشر. يسرد الشاعر
بالفعل الماضي الناقص "كنتُ" الذي انصهر بـ كينونته ،
وتأمله من خلال الانصهار الحميم للفعل "كان" بضمير
الرفع "التاء" موظفا مفردة "وحدي" التي تتكرر في
القصيدة للتعبير عن رؤية ثاقبة في صورة تسبح في فضاء
المأساة ، لأن الطوفان يتحوّل إلى رؤية فلسفية عميقة ،
أوصِدتْ فيها أبواب الأمل والضياء ، لأنها لا تُبشّر
بالتغيير نحو حياة أفضل وإنسان يتسم بخلق أرقى، بل
بإنسان يسير نحو مستقبل دموي. الفعل" طار" جاء في
القصيدة لينبئ بالكارثة ، والفاعل " الغراب" يجسد فعل
الأذى الذي هيمن على الأرض على مر العصور واشتد في
عصرنا هذا ، تؤكده الجملة المنفية " حين طار الغراب
ولم يرجع " ، فعدم رجوعه يوحي بأنه ينشر ويحفر وينبش
الفتنة فـ الواو للعطف و " لم " حرف نفي وجزم وقلب
تقلب معنى المضارع الذي يليها من الحال إلى الزمن
الماضي فالجملة المنفية " لم يرجع " تعني وما رجع :
حينَ طارَ
الغرابُ ولم يرجعْ
صرخَ الناسُ وسطَ
سفينةِ نوح مذعورين .
ربط الشاعر
الشر ربطا جازما بكتلة كونية سوداء تتجلى بصورة
الغراب، والهلع والصراخ الجماعي الكثيف الذي يثير
الريبة والقلق والشك والتساؤل في مكان آمن هو" وسط
السفينة " وقد جاء الفعل" كنتُ " مسبوقا بـ واو العطف
وحرف التحقيق " قد " التي تؤكد الفعل الماضي والحزن
المطلق الذي لازم الطفولة الإنسانية التي تمقت الشر في
فطرتها الأولى، فالطفولة تسكن فينا ولا تموت أبدا ،
وهي كما يقول الفيلسوف الفرنسي كاستون باشلار كنز من
الكنوز التي لا تنفك تُغنينا، وتؤكدها رؤية الشاعر
الحادة ، وبصيرته الثاقبة التي تستشرف المستقبل وما
يخفيه من وجع أسود وشر يحوم ويُحلق فوق رأس الإنسان
يُؤكده الفعل " رأيتُ " الذي لا يقتصر فقط على رؤية
العين الفيزيائية التي تستقبل الضياء وترى الواقع من
العالم المرئي ، بل الرؤية الحقيقية التي تخترق ما
يخفيه الواقع من أسرار تنبئ بالشؤم :
وحدي – وقد كنتُ
طفلاً صغيراً-
رأيتُ جناحَ الغراب
يُعزز الشاعر
الرؤية الثاقبة لنوايا الشر المركّزية الخفية المشحونة
بالسواد الكثيف "سواد الجناح" بالفعلين "أعني"
و"رأيتُ" "أعني رأيتُ سواد الجناح". إن أديب كمال
الدين ينظر إلى الشر وكأنه فاحشة وخطيئة إذ يقرنه با
لزنى بمعناه الواسع: "فرميتُ الغراب بحجر" إشارة لقول
المسيح للمكتظين على المرأة " من كان منكم بلا خطيئة
فليرمها بحجر" وجاءت الفاء في الفعل " رميتُ " دالة
على السبب أي أن رميَ الغراب بالحجر كان بسبب الخوف من
الشر المتفاقم مما أضفى على القصيدة تناغما نصيّا
وتلاحما إذ عبّرت عن التحام الحجر بنبوءة الشاعر الذي
يريد أن يقتل الشر ويصيبه في المواطن التي تودي
بالحياة كالرأس والقلب ، مؤكدة أن الحجر الذي رمى به
الشاعر الغراب هو حجر الحكمة والفلسفة ، وهو العمل
الفني الذي يحارب به الشر ، فالحجر هنا فيه نفحة
إنسانية خالصة لأن الهدف من رميه هو إطفاء نار
الفتنة...
إن تراكم الجمل
الاستفهامية والمنفية المنسوجة بلوعة وألم عصي الإدراك
والتصور لا ترتكز في رؤية الشاعر على دعائم قوية تحميه
من الشك والوسواس والقلق والترقب ، ولا تنتشله من عتمة
التأمل القاتم ، لأن الاستفهام والنفي امتدا نحو
المجهول المطلق فلا جواب لهما يأخذ بيده إلى بر اليقين
والسكينة والهدوء ، بل عبّرا عن تمزّق نفسي حاد في
خِضم هذا الألم بالرغم من أن الاستفهام والنفي أضفيا
على النص سمة من سمات الجمال الفني للتكرار المتناغم
كأنه موسيقى تنساب بحزن عميق ينبثق من صميم وجدان
الشاعر وهو يبكي عذاب الإنسان وقلقه ولا أدريته ،
والشكوك التي تساوره وتشتبك مع مشاكل الوجود والحياة
والموت هذا التشابك الغامض الذي يُبعد عنه الشعور
بالسلام والأمان :
هل أصبته ؟
لا أدري .
هل أصبتُ منه
مَقْتَلاً ؟
لا أدري .
لماذا كنتُ وحدي
الذي رأى
سوادَ الغراب
ولم يره الناس؟
لا أدري .
**
في
المحور الثاني من القصيدة يُشرق ضوء الحياة بصرخة
الفرح التي يطلقها الناس في وسط السفينة بعودة الحمامة
التي ترمز باللون الأبيض إلى سمو الفطرة الإنسانية
وخاصة فيما يتعلق بالغريزة النقية من الشر والجشع...
كما أن صرخة الناس في وسط السفينة هي صرخة النجاة
وبداية حياة يسودها التوازن، الذي يبني حضارة إنسانية
راقية ، غير مبنية على السخرية والخُيَلاء ، والعُجب
والابتذال ، والزهو الذي هو السلاح التدميري ، في
عصرنا الذي استبدت به أمريكا ، بل على أسس السلام ،
الذي رمز إليه الشاعر بـ غصن الزيتون وتأثيره في النفس
وكأنه فردوس أرضي ، لكن هذا السلام سرعان ما انقلب إلى
عتمة كثيفة وسواد داكن بعودة الغراب لأن حضور " لكنّ "
في القصيدة أحدث إنعطافا حادا وكثيفا نحو الشر
والعدوان ، فالغراب عاد بصورة المعتدي الأكثر ضراوة ،
المعتدي الأثيم ، عدو السلام الذي لا يريد للخير أن
يمكث على الأرض ، بل يريد أن يحجب الضياء عن الإنسان
ويمنعه من رؤية الحق . إن اقتراب الغراب لم يكن
اقترابا حميما بل كان عدوانيا شرسا ودمويا صارخا يرمز
إلى قصدية القوى الخفية التي هدفها الأذى ، ومواراة
الضياء ، لأنه ضربَ العين التي لها في الجسد الإنساني
دور الشمس الكونية في الحياة ، فالضربة على العين جاءت
رمزا لتشويش الضياء وحجبِه . وصف الشاعر صوت الغراب
بأنه صوت " أجش" أي أن الغراب رجع بصورة الغازي
الصخّاب ، الصيّاح لأن ضربته اقترنت بالظلم والظلام ،
صوتهما ثخين وقبيح يُثير في الفضاء النفسي الارتباك ،
والعتمة التي يصاحبها شعور مملوء بالدوار والغثيان ،
والتوتر المصحوب بالخوف ، كما أن نداء الغراب كان
مشحونا بالقسوة والبغضاء ، خدشَ حلم الطفولة بالحب
والأمان، وجثم على صدر الإنسان، لأنه نادى الشاعر بهذه
اللغة الجافة العدوانية الخشنة "أيّهذا الشقيّ" :
حينَ عادت
الحمامةُ بغصنِ الزيتون
صرخَ الناسُ وسطَ
السفينةِ فرحين،
لكنَّ الغراب
سرعانَ ما عاد
ليصيحَ بي بصوتٍ
أجشّ
أيّهذا الشقيّ لِمَ
رميتني بالحجر؟
اقتربَ الغرابُ
منّي
وضربني على عيني
إن ضربة الغراب مثقلة بالدم ومأساوية الدم التي
تتنافى مع وظيفته في الجسد الإنساني ، لأنه يرمز إلى
كل ما هو جميل ونبيل وهو رمز للحياة والحركية والضياء
، لكنه جاء في القصيدة رمزا ناريا بلغة العالم
المعاصر، لغة الدم والنار والشيطان ، وقد وظّف الشاعر
الدلالة توظيفا إبداعيا إذ ربط الدم بشعلة الإلهام
وكأنّ القصيدة تتدفق من عالم الملكوت في تصويره
للإبداع بهذا الغلو والنزف الفكري العميق ، كما ربط
تجدد الزمن الإبداعي ومقاومة الاغتراب بشلال لا يُفصح
أديب كمال الدين عن كنهه ، أهو شلّال عطر أم حبّ أم
ماء أم شلّال ضياء يتدفق من مركز عالٍ من السماء ، فكل
حرف هو تجدد زمني ككل قطرة ماء تتجدد في هذا الفيض
التدفقي للفكر النقي ، كالماء المتواصل الجريان بقوة ،
فالحروف تنبثق من بؤرة الدماغ الذي تحويه الجمجمة وفيه
تُختزن كنوز المعرفة والأسرار التي لا يحوزها الشاعر
إلا بالحفر النفسي العنيف والنزف ، وهي المشرط
الجِراحي الذي يتدفق به الدم ومع انبثاقه تنبثق الفكرة
التي هي ركيزة الحياة والتجدد ، ولهذا ربط الشاعر
الفعل "ينقر" بالنقر على الجمجمة التي هي حافظة الدماغ
، ومستودع الفكرة المركزية للحق واللغة والضياء ،
والتاريخ والذكريات ، كما جاءت الجمجمة رمزا للقبر
كعلامة مادية للجسد الذي يتحول بعد الموت إلى روح ،
ورمزا للكتابة التي يجد فيها الشاعر المكان والمأوى
الذي يعطي للحياة معنى أكثر قدسية وعذرية من عالمنا ،
فالفعل " ينقر" تتزاحم فيه دلالات الهم والغم والإبداع
والموت ، والتبكيت والتأنيب ، وفكرة الخلود الذي ظل
الإنسان يبحث عنه في الفن هربا من فكرة الزوال والفناء
والعدم :
فظهرت الحروفُ على
جبيني
عنيفةً، مليئةً
بالغموضِ والأسرار.
ثُمَّ نقرَ جمجمتي
فانبثقَ الدمُ
عنيفاً كشلّال.
في المحور
الثالث من القصيدة يرمز الشاعر بـ " نوح الوقور" إلى
القائد الرزين ، الثابت والحليم الذي يدير بحكمة دفة
السفينة في طوفان الحياة ، وفي المحن والأزمات الشديدة
، وهي صورة تزخر بالدلالات الكثيفة التي تعبّر عن
الحاضر الراهن الذي غابت فيه الحكمة ، وتجلّى فيه
التهور في الحروب والاحتلال غير الشرعي للأمم والدول
وطرد الإنسان من وطنه وتشريده ، لهذا جاءت مفردة " هول
" للتعبير عن الطوفان ليس فقط بمعناه اللغوي باجتياح
الماء بقوة كارثية هائلة للمدن والسكان ، بل عن كل
الكوارث الحربية ، والصراعات التي اكتسحت الأرض
وغطّتها بالدم :
نزلَ الناسُ من
السفينةِ مسرورين،
يتقدّمهم نوح
الوقور
وهو يتأمّل في هولِ
ما قد جرى.
يؤكد الشاعر
ماهية الشر والصراع الدموي على الأرض الذي يُعمّق جرح
الإنسان النازف بالتعتيم على الحقيقة وحجبها ، فتتحول
الحمامة إلى رمز للقصيدة التي تطلق صرخة الإنسان
العالية ، وتداوي جرحه النازف ، وتنتشله من الحفرة
العميقة التي غار فيها حين ضاعت كينونته ، وجوهر قيمته
في الحياة بالصمت عن الحق ، مثلما غابت هويته وملامح
وجهه المُضرّج بالدم ، لأنّ حركة الشر حركة سلبية
هدّامة ، والسكون والخنوع أمامه هو أيضا حالة سلبية
تعبر عن الذل والمهانة ، بالرغم من محاولات الشاعر
التي لا تنفكّ تبحث عن السلام:
حاولتُ أنْ أوقف
شلّالَ الدمِ الذي
غطّى رأسي ووجهي .
يُعمِّق الشاعر
ديمومة القلق الوجودي بانعطافات غيبية تسبح في تأمله
العميق للاغتراب الذي يلازم الإنسان حتى في العالم
الآخر في صورة مشحونة بألوانٍ ضبابية رمادية معقدة ،
تحفها الحيرة والأسرار والغموض والحزن ، وتتجلّى قيمة
الإنسان العظمى في الحياة بالفعل الإيجابي المبدع ،
كما يوظِّف الشاعر فكرة الفناء توظيفا ترميزيا عميق
المأساة بـمفردة " رماد " إذ يشير إلى التهافت
والصراعات المادية ، وجشع الطغاة الذي لا يعدو إلا
هباءَ أمام عدمية الحياة ، كما جاء الرماد رمزا لقلب
الشاعر الحكيم التي لا تخمد اشتعالا ته الفكرية إلا
بنور القصيدة التي تنتشله من وخزات الألم إلى النور
والحقيقة ، تزيح الحُجب، وتكشف له الأسرار ، وتغمره
بالسلام :
فاقتربت
الحمامةُ منّي
ووضعتْ على رأسي
حفنةَ رماد :
حفنةً صغيرة ،
مليئةً بالغموضِ
والأسرار.
في المحور
الرابع من القصيدة يغور الشاعر أكثر وأكثر في حفرة
الزمن المسكونة بغربة الإنسان ، فـ ظرف الزمان " منذ "
والرقم " ألف ألف " ومفردة " عام " تعبر عن حالة روحية
مأزومة ، لا ترمز لديمومة السعادة الأبدية بل إلى
الشقاء السرمدي الذي يعكس صوت الشاعر المجروح بالغيب .
إن اللغة الشعرية
عبّرت بفيض من الأنين ، انبثق ليس فقط من صوت الشاعر
والإنسان بل أيضا من أرض القصيدة التي اتشحت بالرماد
والسواد والدم ، تستهجن الإنسان الذي يرضخ للعبودية ،
التي لا تخرج به إلى النور والحرية ، بل تسجنه في حفرة
العذاب ، لذا وظّف الشاعر اسم الإشارة " هكذا "
بمقاطعها الهاء والكاف والذال والألف للإشارة إلى حالة
مستديمة من الألم الحاد والانكسار والخشونة والتخريب
والقطع والحفر ، عبّر عنها بالفعل المضارع المتكرر "
ينقر" الذي له إيقاعه السمعي القوي والتخريبي ، لأنه
يخربش ويحفر في بؤرة الفكر ، يرمز إلى سطوة الشر التي
تسعى إلى تشويه الهوية العربية الإنسانية، وتاريخها
المزدهر، وتخلق حالة من النزف واليأس والكدر، والتعمية
.فالغراب جاء في القصيدة رمزا للفتنة ولكل ما يجعل
الناس في حالة من الطحن ، يتقاتلون في اضطراب وتهور
وبلبلة ، فالفتنة امتحان عسير :
هكذا أنا على
هذه الحال
منذ ألف ألف عام:
الغرابُ ينقرُ
جمجمتي
فينبثقُ الدمُ
عميقاً كشلّال،
والحمامةُ تضعُ
فوقَ جمجمتي،
دونَ جدوى،
حفنةَ رماد !
تتميز لغة النص
بأنها مخصّبة بالصور والألوان والأفكار المنسابة
بموسيقى وتماسك نصي يتخلل العبور من محور إلى آخر في
تناغم منسجم ، رغم المنعطفات الحادة والخطيرة التي
تسبح في فضاء القصيدة من تضاد ما بين حركة وسكون ،
أبيض وأسود ، غرق ونجاة ، حمامة وغراب ، خير وشر ، فرح
وصراخ ، وبين قديم وحديث، وفي خضم هذا التشابك نسمع
صوت الشاعر يدعو إلى إزالة الحجاب التقليدي من الموروث
القديم ، واستنهاضه ، وتوظيفه نحو الارتقاء والضياء ،
ومواكبة مسيرة الإنسان الحضارية وتطهيرها من الدم
والشر بروح شفافة عبّرت عن قلق الإنسان وعذابه وصراعه
الذاتي مع الماضي، والمستقبل والمجهول.
إن قصيدة " الغراب والحمامة " ذات طابع فلسفي ،
مبنية على العلاقات القاسية، والخشونة التي يتصارع
فيها الأضداد ، تسبح في كينونة الإنسان ، وصوته
المقبور، لتعبّر عن التجربة المعاصرة الدموية القهرية
، والظلم الداخلي والخارجي الذي يُباغت عالمنا العربي
، والعالم بأسره ، بصوت قبيح علا فيه صوت الشر والدم
والدبابات على صوت الخير والحب والسلام ، لذا تدعونا
القصيدة إلى خلق مجتمع إنساني ، تتوحد فيه الأخلاق ،
والسلوك الذي ينزع إلى الخير ، من أجل النهوض ،
والخروج من حفرة السكون والاستسلام والعبودية والزهد ،
والشعوذة ، والدجل الذي يرمز إليه الشاعر بـ "حفنة
رماد " ، فهل تداوي حفنة الرماد نزف الإنسان وانكساره
؟ هذا هو الاستفهام الوجودي الذي تضخه القصيدة خوفا
وترقّبا، ودماً لا توقفه إلا الثورات العظيمة التي
تصدح بصوت الحق النقي من الضغائن والحقد ، وتتصدى
للظلم والاضطرابات السياسية والدكتاتوريات العربية
والعالمية ، والقمع الفكري ، والنزف ، فالشاعر يعدّ
الصمت عن الحق، خنوعا وجهلا وذلا ، وينظر إليه كطغيان
على الماهية الإنسانية وجوهرها الأصيل ، فالسكون أمام
العدوان والظلم هو موت وبلاء وفضيحة ، أما التصدّي
للشر فهو الفعل الكوني الحُر، وهنا تتجلى ماهية الصراع
الداخلي المكبوت في ذات الشاعر/ الإنسان ، صراع نازف
في داخله، وعاجز عن مواجهة سطوة الزمن التي يجب أن
يكون للإنسان فيها القدرة على مواجهة محنتين شديدتين،
محنة الموت، ومحنة الصراع المادي الدموي في عالم يسوده
القهر والخشونة والتعدي.
***************
• الحرف والغراب ،
أديب كمال الدين ، 9- 11 ، الدار العربية للعلوم،
ناشرون، بيروت ، 2013 .
|