حاء لأديب كمال الدين:
سفرة على جناح الحرف
وديع العبيدي
أديب كمال الدين (1953) من جيل السبعينات في الشعرية العراقية والعربية، عمل منذ البداية على اختطاط لغة أسلوبية مميزة في التعامل مع المفردة منقلباً على المذهب الصوري الذي سكن ديوان الشعر العربي منذ القديم:
هي ذي مدن لا معنى فيها
وأخرى لا شمس فيها
وأخرى لا ماء فيها
وحين نصل الى الشيخوخة
نصل الى مدن لا هواء فيها
ص50
التركيز على الحرف والنقطة والفارزة هي في الأساس نزعة تجريدية واحتجاج على واقع محدد أو تمرد على تراكم معرفي متوارث، وهو جزء من تجربة السبعينيين في نسف الأنماط اللغوية والشعرية السائدة والبحث عن أدوات اتصال جديدة، فمثلت تجاربهم في كثير أو قليل مستويات متباينة على هذا الطريق منها ما تراجع ليسقط في النمطية ومنا ما قدم تجارب جادة ولكنها انتهت الى الجمود لأسباب كثيرة لعل من أبرزها غياب الدور النقدي الذي يشحذ التجربة. ما يميز أديب كمال الدين هو تطويع الحدث الشخصي -الوطني الراهن ضمن أدواته الشعرية وعدم الخلود الى نمطية ( تنميط) التجربة التي قصمت ظهر تجارب أخرى:
كان يوماً سعيداً
ذلك الذي جلبتُ فيه رغيف الخبز
لأطفالي المنفيين في أقاصي الحلم
دون أن أحرق بغداد في حروب هولاكو
ولا أقتل البسطاء العزل في حروب تمورلنك
ولا أسلب الجواري في حروب جنكيزخان
دون أن أركع لفرعون العصر
دون أن أرفع علم البرابرة
دون أن أحشر أنفي
في حروب المدن الكسيحة
كان رغيفاً حاراً
خبزته بحلم الحرف الطيّب
والنقطة السماوية التي فرعها ثابت
وقلبها في السماء
لكنّ اللصوص كانوا بانتظاري
لصوص الفراعنة
ولصوص البرابرة
و لصوص هولاكو
ولصوص تيمورلنك
و لصوص جنكيزخان
ولصوص المدن الكسيحة
فسرقوني في وضح النهار
قطعوا يدي وأطفأوا عيني
سرقوا رغيفي الحار
فما الذي سأقوله لأطفالي؟
ما الذي سأقوله الليلة لقلبي؟
وما الذي سأقوله الليلة لحرفي ونقطتي؟
ص 59-61
حاء أديب كمال الدين حياة وحلقوم وحدقة وحب وحرب وحقد وحمحمة وحفل وحقل وحصاد وحكم وحكيم وحجر وحفرة وحران وحبيب وحسرة وحلم .... سفرة على جناح الحرف الى معاني الحياة الهاربة كحلم.
*****************************************
حاء : شعر: أديب كمال الدين- منشورات المؤسسة العربية للنشر - ص 180 – بيروت 2002