ملاحظات في مجموعة الشاعر أديب كمال الدين: "أربعون قصيدة عن الحرف"
|
|
للحروف قامات أيضاً
عبد الغني فوزي - المغرب
وأنا أقرأ الديوان الأخير: ”أربعون قصيدة عن الحرف” للشاعر العراقي المقيم في أستراليا أديب كمال الدين، حضرتني الكثير من الملاحظات المتداخلة، تداخل هذه التجربة الإبداعية والإنسانية الشائكة التكوين والهادئة الملمح، منها:
ــ كون هذا الشاعر ظل وفياً للحرف والنقطة، بهما يكتب أليافه الشعرية في ذاك الماء الإنساني الموصل، طبعا يكتب بالحرف كأداة بحث في الحياة والوجود، ليس بشكل اعتباطي؛ بل استنادا على مرجعيات عدة: صوفية، تشكيلية، شعرية.. فغدت الحروف طبقات من التشكيل، بناء على بحث وتجربة إنسانية . وقد كان الكتاب الذي أعده وقدمه للنشر الناقد مقداد رحيم سنة 2007 ” الحروفي : 33 ناقدا يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية ”، محاولة جادة لإنصاف هذا الشاعر الذي لا يسند ترسانةً ولا كرسياً.. فتعددت القراءات في أعمال أديب كمال الدين من زوايا ورؤى مختلفة؛ لكنها كلها تجمع أن الشاعر انفرد ببصمة خاصة، وهو يقلب الحروف إلى أن تحولت إلى أدراج لا تنتهي في ذاك السفر الحياتي، ضدا على الموت وأشكاله المتعددة. هنا ترى الحروف تتقافز وتتلون، تتقمص أدوارا ووضعيات، تمتد كفضاءات للإقامة العصية التكوين بين الجدارات الخانقة. الحروف بهذا المعنى رئة أخرى يسندها الشاعر بين الاختناقات. يقول الشاعر في نفس الديوان في قصيدة بعنوان ”المبحر منفرداً“:
نعم ،
ذلك مجدك أيها الحرف
فالقراصنةُ كلّهم يجيدون كراهيتك
لأنكَ اقترحتَ نقطةً للجمال والحب
ــ الملاحظة الثانية أن هذا الديوان على مسحة سادرة من الموت بنغمات مختلفة، بما في ذلك أشكال الغربة التي يحياها الشاعر هناك في المهجر، وفي القصيدة التي تحولت إلى سلاح رمزي ضد الكوارث المقيمة في عالم الإنسان. وأيقنتُ في حوار رتبته معه مؤخراً، أن الموت والحياة في جدل دائم في ذاته وأفقه الشعري، لأنه عاش في طفولته إلى جانب مقبرة ” السلام ” في مدينة النجف بالعراق؛ بل الناس يحيون إلى جنب القبور في بيوتهم؛ والذي ملأ كأس هذا الشاعر الأعزل وفاة أبيه بين يديه وهو لم يتجاوز بعد سن الرابعة عشرة. طبعاً الشعر يعمق هذا الملمح، ويفتحه من جديد على الحياة والوجود.
ــ الملاحظة الأخيرة: إضافة إلى هذا الموت المركب، فقد عايش الشاعر الحرب العراقية ـ الإيرانية عن قرب في الثمانينات من القرن السالف.. وبعد تراه لا يمسك على غير الحرف في عزلته، وفي عزلة الشعر ضمن عالم يجري دون عمق الإنسان. ترى الحرف المتخلق هنا، أي اعتماده على حروفية في الكتابة الشعرية تتغذى على مرجعيات عدة تراثية ومعاصرة، لكنها تهدف إلى نوع من الأسطرة الخاصة في الشعر وبه ، دون التخلي عن مساحة الحياة التي يتم نفضها في الداخل، لتغدو لامعة. تقول المجموعة نفسها في قصيدة ”اعتذار“:
حين ذاب ثلج شتاء القصيدة
فاضت الورقة البيضاء
بالحروف والنقاط.
هنا ترى الشاعر يعارك اعوجاج العالم كما يقول أحدهم، متمرداً على الأنساق الجاهزة التي تنمط وتمنطق السائد المتعفن. والجميل أن الشاعر خاض ويخوض تجربة فردية في الحياة والكتابة، مؤسساً لحرية وتوق بمعناه الواسع الذي لا يليق إلا بالشعر الذي يحول أي شيء إلى سفر يحمل حنينه وحزنه وأمله كما المجرى الذي ينبسط لسرير العمق. فكثير من الشعراء العرب الذين تركوا أوطانهم في المفترق، ظلوا يجمعون تفتتا في قصائدهم التي تحولت إلى حقائب حياة، تعصم البعيدين من الانفصال عن الجذور والمسام، بل عن الإنسانية. هنا يمكن الحديث عن قامات للحروف، ولكل سقفه طبعاً .
××××××××××××××××××××××××××××××××
أربعون قصيدة عن الحرف" - شعر: أديب كمال الدين – منشورات دار أزمنة – عمّان – الأردن 2009
عبد الغني فوزي – شاعر وكاتب من المغرب
نُشرت في مواقع دروب وكتابات والمثقف - 27 - 12- 2009