راح
يفتش في هذا العالم المضطرب عن ذاته بعدة أسئلة، وهو
يؤكد ضرورة الكفاح من أجل رقصة “حرفه الأخيرة“ التي لا
تنطفئ ضد محترفي جرائم الحرب والإبادة ومعتقلي السلام،
وهو في مطارحة مع الذات والآخر حول مفاهيم عديدة تبثها
قصيدته “ التأملية” الصادرة من
شاعر
مستنير الفكر والقلب والضمير.
وكما يقول “
دوبريه “ ثورة في ثورة “ وهو يعصف بالقناعات الكسولة
الملتذة باجترار ما كان، حيث ينبغي أن تكون الممارسة
الإبداعية كذلك. وها هو من خلال “رقصة حرفه الأخيرة “
يبعث لنا رسائل عديدة منها مشاعر إنسانٍ مهموم مكدود،
ويشير العنوان إلى “صدمة“ مغلقة بالتساؤلات من جراء
الواقع المعاش بالنسبة لنا وكذلك للشاعر، يطالبنا
باتخاذِ موقفٍ ضد دعاة مشوّهي الإنسانية وأبطال
المجازر البشرية بلا هوادة:
جلسَ الشاعرُ خلفَ القضبان
فأخذَ يدمدمُ على الفور
بحروفِ قصيدته الموشومةِ بالأسى والأنين. ص 33
لقد أدخلت المناهج الحديثة ثلاثة عناصر إلى فضاء
القراءة، وبدونها يظل النص الإبداعي مسيّجا بأشباح
الصمت، ونعني بهذه العناصر الذات الكاتبة، والنص،
والقارئ، وهنا في هذه المجموعة الشعرية الفلسفية، التي
تبثّ العديد من القيم عبر تساؤلات مختفية
ومخنوقة معتمدة على استعارات من سبقوه، وفيها من الهوس
الفكري والفلسفي الكثير:
حينَ انتحرَ همنغواي
أورثني البندقيةَ التي انتحرَ بها.
فاحترتُ ماذا أفعلُ بها.
ثمَّ خطرَ ببالي أنْ أجرّبَ إطلاقَ النار
على رأسي
كما فعلَ همنغواي
قبْلي.
لكنّي حزنتُ
بل بكيتُ بكاءً مُرّاً
حين وجدتُ البدقيّةَ
خاليةً من الطلقات. ص 26
ليقول لنا تدخلنا في لواعج الإنسان همُّه على قدر
همّته ، وهو يقول لنا وفي هذا الوقت الصعب، ما دور
الشاعر المعاصر، وهو المشلول، وهو الذي وضعوه في
زنزانة؟ وبمعنى تجميد دور الواعي والمثقف في عصر
العولمة، ها هو يبسط لسانه بضمير قلبه، ومن هذه
الأسئلة الشعرية التي جاءت بلغة مبسطة وفيها الكثير من
الدلالات المعمّقة والإشارات المفعمة بالثورة ضد كل
ماهو قائم، والتي تأخذك مفردات قصائده الحزينة، وأنت
تقلب صفحات الديوان “رقصة الحرف الأخيرة “ ببطء كي
تتنفس أحرفها حرفاً حرفاً، ويقشعر جسدك حينما تلامسك
مفرادته غير خانعة للسلطة معينة، وكأنّه يريد أن يقول
للشعراء الأحرار “ما أكثر حروبكَ يا حرفي” أي هذا
التحدي الواضح، وكأنّه ينهض من مفرداته الشعرية المشعة
بالأمل ، ليقول لي “ ليت لي أن أنشط بحرية لأمارس هذا
الذي أفكر فيه“ سيروا على خطاي ، ألا تتنفسوا برثاء
الايدلوجيات التي أثقلت كواهلنا، بل سيروا على خطى
الفلاسفة
والشعراء كما ذكرهم في مجموعته الشعرية ومنهم “
تَد هيوز، شارلي شابلن، دانتي، لوركا، محمود البريكان،
جان دمّو، التوحيدي، كلكامش.
وسيصرُّ على أنَّ اسمها الحياة،
الطاغيةُ الأرعن.
وهو يدري أو لا يدري
أنَّ الحياةَ عنده الكُرسيّ،
الكُرسيّ المُحاط بالقتَلَةِ والجَلّادين
والكلاب،
الكُرسيّ الذي تقومُ أرجلُه
على مربعِ السجنِ والرعبِ والموتِ والظلام. ص
102
يقول عنه الناقد “د. سامان جليل ابراهيم “ العنوان
الذي تحمله المجموعة الشعرية، يطوّق وجهاً للشاعر،
يمهّد لمعاناته النفسية التي تحبس شخصيته وتعذبه، وفي
مقابل هذه الضغوط النفسية للذات نتساءل هنا: وجهَ من
هو العنوان، “رقصة الحروف الأخيرة “ أتراه وجه توريث
اليأس من الحياة
؟
والشاعر أديب كمال الدين يعبّر عن وجدانه وهمومه
واهتماماته بعفوية وصدق، دون مواربة أو تزييف للحقائق
التي يختلجها في صدره المعذب، ولهذا تجد ومن خلال
المجموعة “رقصة الحرف الأخيرة“ وقد احتوت على 19
قصيدة، وتنوّعت اشتغالاته الفنية وأساليب تعبيره بما
فيها توظيفه للاستعارات القرآنية، وكانت مصائبه
الماضية والحاضرة لائحة في سيميائه عبر شريط صوري
متقن، وهذا يذكرني بقول أحد الشعراء وهو يقول:
ما عسى يأمل الحزين بقومٍ
لا يبالون بالأديبِ فيبقى
أبداً يسقطُ المهذّبُ فيهم
والمرائي ينالُ خيراً فيرقى
بقي أن نذكر هذه المجموعة من القطع المتوسط وتقع في
155 صفحة ، والصادرة عن دار ضفاف ، الطبعة الأولى 2015
.
****************************************
نُشرت في جريدة الزمان بتاريخ 7 تموز - يوليو
2015 العدد 5148
|