دأب الشاعر السبعيني المغترب أديب
كمال الدين طوال مسيرته الإبداعية على
استثمار الحمولات التشكيلية والشعرية
والإيقاعية والدلالية والعرفانية
لبؤرتي الحرف والنقطة. ويندر أن تجد
عناوين لمجموعاته تخلو من مفردة
الحرف، أو أسماء حروف بحد ذاتها.
لا نشك أن هاجس التوظيف المتكرر للحرف
هو هاجس مقلق لشاعر دؤوب مثل كمال
الدين، خشية وقوعه في النمطية، مثلما
هو معني بأن تكون له بصماته الخاصة
في المشهد الشعري العراقي المعاصر،
إذاً هو تحدي الاستمرارية في التجديد
الذي يشغل بال الشاعر المخلص للشعر
وحده، فيقول كمال الدين:
"أنْ تُطلقَ النارَ على رأسِك
أهون مِن أنْ تكتبَ القصيدةَ ذاتها
ألفَ مَرّة
بحرفٍ واحد
ونقطةٍ واحدة."
تحدي
التجديد
/ الحذر من الوقوع في النمطية مرتبطان
بتحوّلات الشاعر على مستوى الحياة،
وعامل الزمن له دور كبير هنا، فضلا عن
الجانب المعرفي، والرياضة التأملية
التي هي صنو الشعر والعرفانية، ومن ثم
تفجير شعرية الهم العراقي وهو مناجم
من الواقعية الغرائبية لا تنفد.
مناسبة هذا الحديث صدور مجموعته «في
مرآة الحرف» مطلع هذا العام، وفيها
يواصل اشتغاله الحروفي لمناطق لم
يسبرها من قبل، مثلا «أغنية إلى
الإنسان» يستخدم فيها حرفي الـ «حاء»
والـ «باء»، أو تبادل الأدوار بين
الحرف والنقطة، فتارة يكون أحدهما
كليا وأخرى جزئيا، كما في قصيدة
(إذا):
"إذا كانت النقطةُ هي الموت،
فَمَن يكون الحرف:
أهو التابوت
أم القبر
أم الميّت الذي أُهِيلَ عليه التراب؟
"
دليل ثان على انهمام أديب كمال الدين
بشأن عدم الوقوع في فخاخ النمطية
والاستهلاك والمراوحة كتابته نصوصا
ذات بؤر شعرية مختلفة تنأى عن الحرف
والنقطة، مثلا السخرية السوداء، في
هجاء الطغاة
وهوسهم بالحروب في قصيدة «هوايات
مابعد الحروب»، أو الكتابة عن الكتابة
ذاتها كما في نص «تسع وصايا لكتابة
القصيدة»، القصص القرآني أو الشخصيات
الأدبية والتاريخية كما في قصيدة «بعد
أن»، وبؤر أخرى تثبت أن تحدي التجديد
يجب أن يكون ماثلا في ذهن الشاعر كلما
شرع بكتابة نص آخر
.
************************
*
في مرآة الحرف
: شعر: أديب كمال الدين،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016
*
نُشرت في جريدة الصباح
بتأريخ 9 شباط - فبراير 2016
باقر صاحب - العراق
|