يحتاج
شعر
أديب
كمال
الدين
إلى
تأمل
طويل، ووقفات
نقدية
مستفيضة، واشتغال
نقدي
في
كل
صغيرة
وكبيرة، فهو
شعر
يحمل
في
طياته
دلالات
تنتقل
على
أكثر
من
وجه،
وقراءة،
وتستدعي أمورا
لا
حصر
لها من التأملات والتأويلات،
ومن
المعلوم
بالاتفاق
أن
دلالة
النص
الشعري
-ولا
سيما
اذا
كانت
ذات
حمولة كلامية
مكثفة
-
تؤثر
في
العملية
التأويلية
التي
يمكن
من
خلالها الكشف
عن
مجموعة
العلاقات
التي
يتبناها
النص.
لقد
استطاع
الشاعر
أديب
كمال
الدين
أن
يوظف
العلامات
السيميائيّة
بطابعها
الاشاري
التأويلي،
توظيفا
موفقا
،
بدءا
من
العنوان،
ومرورا
ببقية
فقرات
الديوان
التي تمتلك سياقات تضمر في داخلها
اكثر من دلالة.
فالعنوان
في
أيّ
عمل
أدبي
يمثل
الوجه
الاخر
للمؤلف،
فهو
نص
ثاني
له
دلالته
الضمنية
في
الخطاب
أيّ
كان
نوعه،
وعنوان
الشيء
دليله
ومفتاحه،
فهو
اذن
علامة
سيميائية
مكانها
مفتتح
العمل
الأدبي،
فضلا عن أنه
يساعد
في
كشف
غرض
المؤلف
بما يحمل من دلالات.
والعنوان
في
هذا
الديوان
تموضع
على
صفحة
الغلاف
باللون
الابيض
الدال
على
التفاؤل
الذي
يوحي
به
التركيب
الدلالي
للعنوان
من
خلال
عملية
الايحاء
التي
تحيل
على
عملية
الكشف
والاكتشاف،
فالحرف
والغراب
يمثلان
علامة
سيميائية
دالة
ذات
مرجعية
ترتكز
على
حقلين
دلاليين
متصلين،
إذ
أنّ
من
معاني
الحرف
الكشف،
وهذا
المعنى
نفسه
موجود
في
لفظة
الغراب
لأنّ
من
المعروف
قديما
أن
الغراب
يلعب
دور
الكاشف
لكنوز
العلم،
وهو
كما
يقول
أهل
المعرفة
قادر
على
رؤية
الماء
تحت
الأرض،
وبهذا
الجمع
نجح
الشاعر
في
عملية
التداخل
الدلالي
الحاصل
بين
الحرف
والغراب، واستطاعت
العنونة
بما
تمتلكه
من
إشارات
موحية
ذات
طبيعة
سيميائية
أن
تأخذ
بذهن
المتلقي
من
ظاهر
الديوان
إلى
متنه.
من
جانب
آخر
فإن
الشاعر
وهو
يحاول
تقريب
صورة
الموت
إلى
المتلقي،
لم
يستخدم
فقط
الصورة
الادميّة
بشخوصها
التاريخية
والفنية
والأدبية،
بل
لجأ
إلى
الرمز
الطيري
مجسداً إياه
عبر
الغراب
والحمامة
كما
في إحدى
قصائد
الديوان، فمن
يكون
الغراب
هذا
الذي
له
كل
هذه
السيادة
والهيمنة
في
الديوان،
بدءا
من
غلاف الديوان
الأسود،
ومرورا
باللوحة
التي
رسمها
الفنان
نور
الدين
أمين،
ثم
وقوفا
عند
عنوانه
الغرائبي):
الحرف
والغراب)؟
ثم
من
تكون
الحمامة؟
ذلك
الطائر
الذي
كتب
عنه
الشاعر
العديد
من
القصائد.
كما
في
قصيدة:
(الغراب
والحمامة)
التي
يؤكد
فيها
النص
على
مفردتين
متباينتين،
فالغراب
يشير
إلى
الشؤم
والدمار،
والحمامة
تشير
إلى
السلام
والوداعة
والنقاء.
يبدو
أنّ
هذا
النص
قد
انبنى
على
ما
يشبه
المثلث
السيميائي
العلاماتي
اذ
يمثل
الغراب
والحمامة
قاعدته
الأساس،
في
حين
تمثل
السفينة
ونوح
الضلعين
وعلامة
النجاة
هي
نقطة
التلاقي
.فالغراب
والحمامة
هما
الموضع
السيميائي
الذي
استندت
اليه
الرؤية
البصرية
في
معرفة
النتائج
النهائية،
لهذا
نرى
عمق
التأكيد
على
بنية
السواد
في
النص،
حتى
غدت
علامة
سيميائية
مهيمنة
:
حين طارَ الغرابُ ولم يرجعْ
صرخَ الناسُ وسط سفينة نوح
مرعوبين.
وحدي – وقد كنتُ طفلاً صغيراً-
رأيتُ جناحَ الغراب،
أعني رأيتُ سوادَ الجناح،
فرميتُ الغرابَ بحجر.
هل أصبتُه؟
لا أدري.
هل أصبتُ منه مَقْتَلاً؟
لا أدري.
لماذا كنتُ وحدي الذي رأى
سوادَ الغراب
ولم يره الناس؟
لا أدري.
2.
حين عادت الحمامةُ بغصنِ الزيتون
صرخَ الناسُ وسط السفينةِ فرحين.
لكنَّ الغراب سرعان ما عاد
ليصيحَ بي بصوتٍ أجشّ:
أيّهذا الشقيّ لِمَ رميتني
بالحجر؟
اقترب الغرابُ منّي
وضربني على عيني
فظهرت الحروفُ على جبيني
عنيفةً، مليئةً بالغموضِ
والأسرار.
ثُمَّ نقرَ جمجمتي
فانبثقَ الدمُ عنيفاً كشلال.
3.
نزلَ الناسُ من السفينةِ فرحين
مسرورين،
يتقدّمهم نوح الوقور
وهو يتأمّلُ في هولِ ما قد جرى.
حاولتُ أنْ أوقفَ
شلالَ الدمِ الذي غطّى رأسي
ووجهي.
فاقتربت الحمامةُ منّي
ووضعتْ على رأسي حفنةَ رماد:
حفنةً صغيرة،
مليئةً بالغموضِ والأسرار.
4.
هكذا أنا على هذه الحال
منذ ألف ألف عام:
الغرابُ ينقرُ جمجمتي
فينبثقُ الدمُ عنيفاً كشلال.
والحمامةُ تضعُ فوق جمجمتي،
دون جدوى،
حفنةَ رماد!
لقد
بدأ
الشاعر
مجموعته
هذه
بقصيدة
):
الغراب
والحمامة
(
ليعلن
من
خلالها
تلك
الفكرة
العامة
للمجموعة
،
فهو
يريد
أنّ
يقول
إن
الإنسان
هو
الإنسان،
منذ
أقدم
العصور
،
منذ
عصر
الطوفان
حتى
يومنا
هذا
يتطور
،
وتنمو ذاكرته، وتزداد شجون
حياته
التي
تتطور
معه،
فضلا عن
أفراحه
، لكنّ أحزانه
تكبر
أيضا.
********************
* أُلقيتْ هذه القراءة النقدية في
الأمسية التي أقامها الاتحاد
العام للأدباء والكتاب في محافظة
ديالى بالتعاون مع قسم اللغة
العربيّة في كليّة التربية للعلوم
الإنسانيّة في جامعة ديالى
للاحتفاء بصدور مجموعة الشاعر
أديب كمال الدين: (الحرف والغراب)
في 10/10/ 2013، وتحدّث
فيها عدد من أساتذة القسم وهم:
- د. وسن عبد المنعم الزبيدي التي
كانت ورقتها بعنوان (أديب كمال
الدين في الحرف والغراب).
- د. نوافل يونس الحمداني التي
كانت ورقتها بعنوان (المضمر
النسقي ورمزيّته في الحرف
والغراب).
-
د. علي متعب العبيدي الذي كانت
ورقته بعنوان ( حينما يذبل عود
الياسمين: تصورات عن الحرف
والغراب).
- د. فاضل التميمي الذي كانت
ورقته بعنوان (حمامة الشاعر
وغرابه: قراءة في مجموعة الحرف
والغراب). وقد أدار الأمسية التي
حضرها جمهور الاتحاد وقدّم لها
الناقد د. فاضل التميمي.
* الحرف والغراب: شعر: أديب كمال
الدين، الدار العربية للعلوم
ناشرون، بيروت 2013
|