المقدمـــة
الحمد لله الأول قبل
الإنشاء والإحياء
والآخر بعد فناء
الأشياء ، وأتم
الصلاة وأكمل السلام
على سراج الأنبياء
والمرسلين محمد
الأمين وعلى آله
الأخيار الميامين.
يُعدّ أسلوب الانزياح
من الأساليب المهمة
في الدراسات
الأسلوبية والدراسات
الألسنية الحديثة.
يقوم هذا الأسلوب على
الخروج عن اللغة
المألوفة والعادية
لخلق جمال أدبي
إبداعي يجمل الشاعر
به نصّه ويزيد رونقه،
وبه تظهر جمالية
النصّ وبيان إمكانية
الشاعر وقدراته في
انزياح ألفاظه، مما
يبعث المتلقي على
التأمل والتأويل في
كشف المعنى المجازي،
إذ يحتاج إلى كد
الذهن والمماطلة في
ترصد المعنى الآخر
وهنا يلعب السياق
دوره
.
وإن الانزياح في أبسط
مفهوم له هو ((المروق
عن المألوف في نسج
الأسلوب بخرق
التقاليد المُتواضع
عليها بين مستعملي
اللغة ))(1)، وإن
الغاية من تحريف
النصّ هو خلق جمال
وإيثار أسلوبي ينتجه
ذلك اللعب
بالألفاظ(2)، فيترك
بذلك أثرا في متلقيه،
إذ إن ((الفن لا يكون
فناً حتى يتنفس من
تسلط المعيار، وحتى
تعج بنيته بانتهاك
النظام وخرق الأعراف
))(3)، وقد تعددت
مسميات مصطلح
الانزياح وجميعها
تحمل المعنى نفسه ،
وهي عدول ، شذوذ ،
انتهاك، الفارق
اتساع، مجاوزة، إذ
تعددت الدوال المعبرة
والمعنى واحد(4) ،
هذا ما مد نصوص
الشعراء بجمال أدبي
دلالي أسلوبي
.
ولهذا الأسلوب أهميته
في النقد الحديث
بصورة عامة، وفي
الشعر العربي بصورة
خاصة ، وقد حاز هذا
الأسلوب حضوراً في
شعر أديب كمال الدين
.
حياته:
شاعر
عراقي حلّق بالشعر في
عالم الخيال
والإبداع، مترجم
وصحفي ولد في مدينة
بابل عام 1953 ، لهُ
نتاج شعري ترك بصماته
في نفس متلقيه، أغلب
أشعاره ترجمة لما كمن
في دواخله من ألم
الفراق ولوعة الغربة،
قارئ شعره يلمح سباكة
النصوص وجمالها
وسلاسة اللفظ مع
الميل إلى كد الذهن
في الوصول إلى المعنى
الواضح أحياناً ، يحس
القارئ بالتفاعل مع
النصّ والانجذاب له،
فاز بجائزة الإبداع
الكبرى للشعر في
بغداد عام 1999، كما
اخْتِيرتْ بعض قصائده
كقصيدتيّ (أرق)
و(ثمّة خطأ) من أفضل
القصائد الأسترالية
لعامي 2007 و 2012
على التوالي، تُرجمت
قصائده إلى
الإنكليزية،
والايطالية،
والفرنسية ،
والاسبانية ،
والكردية، والفارسية
، والأوردية ، يقيم
في أستراليا حالياً
.
للشاعر دراسات عدة
تناولها كبار
الباحثين والنقاد،
وقد حظي شعره بمكانة
مرموقة وسط ساحة
الشعر العراقي
.
-
انزياح الصورة في
شعره
:
تمثّل في:
1-
الانزياح الاستعاري
2-
الانزياح الكنائي
3-
الانزياح المجازي
-1
الانزياح الاستعاري:
شكل الانزياح في
أسلوب الأستعارة
حيزاً مهماً في شعر
أديب كمال الدين،
فأظهر عنايته
واهتمامه به ، إذ نال
الأسلوب الاستعاري
أعلى مراتب الجمال
والإبداع في شعره ،
فهو لون وفن خيالي
مبالغ فيه ؛ لأنه
يسوق فكر المتلقي إلى
آفاق الخيال فيأنسن
الطبيعة ، ويُنطق
الجماد ، ويُحرّك
الساكن ، ويبثّ
الحياة فيما لا حياة
له، وهذا ما دفع جان
كوهين إلى أن يطلق
عليه: (( انزياح
استبدالي ))(5)، فضلا
عما يتركه هذا
الأسلوب من دهشة في
فكر المتلقي ، فهو
بحاجة إلى تفكر
ونباهة لاكتشافه(6) .
بإمكاننا أن نتقصى
الانزياح الاستعاري
في نصوص شعر كمال
أديب الدين ، وكيف
تمكن وبجدارة
لغوية إبداعية أن
يحقق قيما دلالية
أنتجها انزياح النصّ،
تمثّل ذلك في
قوله
عسى
أنْ ألتقي
نقطتي فألتقط منها
طلسماً
للحُبّ والطمأنينة
وألتقي هلالي
فأراهُ يركض نحو
العيد (7)
في نصّ الشاعر صورة
استعارية يبدو عليها
الانزياح واضحاً
وجلياً عن طريق
تلاعبه بدلالات
الألفاظ ، إذ نلمح
استعارة فذة أنزاح
بها اللفظ من المألوف
اللغوي المتعارف عليه
، ولعباً جميلاً
بالألفاظ مع صياغة
أدبية محكمة بها كمن
جمال العمل الإبداعي
، فقد استعار إلى
(الهلال) وهو أمر
معنوي (الركض) وهو
أمر حسي ، إذ إن
الهلال في حقيقته لا
يركض ، فلعبت
الانزياحات الجميلة
دورها الأسلوبي
، إذ شبّه (الهلال)
بالإنسان الذي يركض
على سبيل الاستعارة ،
في هذه اللوحة
الأدبية عمل التشخيص
والانزياح في اللفظ
إلى مماطلة مع الفكر
للوصول إلى المعنى
الدلالي ، عبّر
بوساطته الشاعر عن
شوقه لحبيبته وتلهفه
إلى رؤياها ،
فضلاً عن لجوء الشاعر
إلى الرمز حيث رمز
إلى حبيبته بالهلال
في طلّتها وجمالها
وفي بعدها عنهُ ، هذا
ما كسب النصّ بعداً
دلالياً جمالياً
.
وقوله
:
مدّ الطبيبُ يده ذات
القفازات البيض
إلى الضحية
فأبعدها الموتُ برفق.
كانَ الموتُ يبكي على
الضحيّةِ بدموعٍ سود.
(8)
انبثقت الرؤية
الجمالية في نصّ
الشاعر بوساطة هذه
الصورة الأستعارية ،
فكانت صورة دقيقة
نوعاً ما نقلت تجربته
إلى السامع ، إذ
انزاحت العبارات من
معانيها الحقيقة ممّا
منحه قيمة دلالية
جملت بنية النصّ،
فضلا عن لفته انتباه
القارئ وشدّه إليه،
ففي قوله: (كانَ
الموتُ يبكي على
الضحيّةِ بدموعٍ سود)
انزياح استعاري ،
فقد أضفى على الأمور
المعنوية المجردة
صفات تتعلق بالإنسان،
إذ استعار الشاعر
للموت البكاء كأن
الموت كائنا حيا يبكي
على سبيل التخييل،
فالاستعارة في النصّ
مكنية حيث صرح
بالمستعار له ( الموت
) وحذف المستعار منه
وأبقى صفة من صفاته
وهي ( البكاء )، إذ
وظّف هذا على
سبيل الإنحراف
الأسلوبي مما
أدى إلى إثارة الدهشة
عند القارئ في قدرة
الشاعر على الجمع بين
المعنوي والحسي
وتشخيصهما في صورة
استعارية انمازت
بتقنية كثفت المعنى
الإيحائي وعبّرت عن
شعور داخلي بأسلوب
استعاري مذهل اتضحت
به نفسية الشاعر
المتعبة.
وقوله
:
نعم يا بغداد
ستضيئين الدنيا
ثانيةً
بثيابِ الشمس
لا بثيابِ الدم
فأنتِ العنقاء وأنتِ
الشمس. (9)
بجدارة فائقة وسبك
نصّي متماسك استطاع
الشاعر أن يبحر في
لفظه في عالم الخيال
وبأسلوب دلالي جمالي
مذهل ، إذ استعار
الشاعر (للشمس والدم)
لفظ (ثياب) في قوله:
(بثيابِ الشمس ،
بثيابِ الدم) على
سبيل التخييل ، كأنما
الشمس والدم
كائنات حية ترتدي
الثياب ، هذا الجمال
النصّي أنتجه انزياح
النصّ الذي ترك جماله
في نفس قارئه إذ حوّل
الشاعر المعنى
المعنوي إلى محسوس
بصورة استعارية
بوساطة التخييل، إذ
انزاح النصّ من
المعنى الظاهر إلى
معنى مجازي على سبيل
الاستعارة ، فقد صنع
التجسيم داخل النصّ
مناخاً مأساوياً كشف
عن أسى الشاعر وتعبه
النفسي وتألمه على
بلاده بغداد ، إذ
وقعت ألفاظ الشاعر
موقعا انزياحيا انحرف
به عمّا هو مألوف
لخلق الشعرية
الإبداعية في نصّه
.
وقوله
:
حين يجلسُ الحرفُ
قبالتك
لا تتكلمْ قبلَ أنْ
يبدأ الكلام
(10)
في النصّ تبرز طاقة
الشاعر التخييلية ،
يجلس هذا النسج
جلوساً انزياحياً
تمثّل في قوله: (يجلس
الحرف)، وهل للحرف
جلوس؟ إذ استعار
الشاعر للحرف وبوساطة
التشخيص صفة الجلوس ،
كأنّ الحرف يجلس على
سبيل الاستعارة،
فأضفى أمور حسية
(الجلوس) على الأمور
المعنوية (الحرف)،
هذا ما زاد جمال
البنية النصّية
الأستعارية، وبيّن في
الوقت نفسه مهارات
الشاعر وقداراته
وإمكانياته اللغوية
في قدرته على اللعب
بالألفاظ وتسخيرها
نحو الجمال الإبداعي
المؤثر، إذ النسيج
الشعري الذي قام على
أساس الخروج عن
المألوف والعادي أكسب
النصّ بعدا جماليا
.
وقوله
:
الحرفُ بكى
ثُمّ اشتكى
فاحتارت النقطة فيه
وفي دلاله الذي لا
يُطاق (11)
نلمح دور الانزياح
بارزاً في نصّ الشاعر
بوساطة الأسلوب
الاستعاري الذي يمدّ
النصّ بجمال ينساب في
نفس قارئه، واللعب
الدلالي في اللفظ ،
تمثّل ذلك في قوله:
(الحرفُ بكى ثمَّ
اشتكى)، فأضفى على
حرفه صفات بشرية
أراد عن يعبّر عن
أساه ، فاستعارة في
النصّ مكنية ذكر
الشاعر المستعار له
(الحرف)، وحذف
المستعار منه (الكائن
الحي)، إذ دلّت عليه
القرينة (بكى ، شكى)
، إذ إن التشخيص الذي
آل إليه الشاعر أنتج
لنا صورة دلالية
إيحائية مؤثرة تستهوي
فكر متلقيها وتحثّه
على التأمل والتفكير
،وتمنح ذهنه فرصة
لاستثمار خياله ،
فالصورة الاستعارية
المنزاحة، فالحق ان
الحرف لا يبكي ولا
يشكي لكن الشاعر أراد
أن يضفي جمالا
وإيثارا في نصّه فلجأ
إلى الانحراف
الأسلوبي في
رسمه التصويري
.
-2
الانزياح الكنائي:
تُعدّ
الكناية أحد الأساليب
البلاغية التي تقوم
على عنصر الانزياح ،
وإن الصورة الكنائية
في أي عمل أدبي تقوم
على الإيحاء؛ لأن
هناك ((أولاً المعنى
أو الدلالة المباشرة
الحقيقية ثم يصل
القارئ أو السامع إلى
معنى المعنى أي
الدلالة المتصلة وهي
الأعمق والأبعد غوراً
فيما يتصل بسياق
التجربة الشعورية
والموقف))(12)، فعبّر
الشاعر بوساطة أسلوب
الانزياح الكنائي عن
كل ما يعتري كوامنه
الداخلية،
تمثّل ذلك في الغدر
والخداع، والوحدة
وفقد الحبيب، كل ذلك
صوّره لنا أسلوب
الكناية الذي اتضح
بوساطته إبداع الشاعر
في لعبه بالألفاظ
وانزياحها من التصريح
إلى التلميح، وهذا ما
جمل نصوصه وأضفى
عليها قيم دلالية
أسلوبية سطت على فكر
قارئها
.
نلمح جمال ذلك
الانزياح في قوله
:
الرقصةُ
أعني الرحلة،
كانت كاذبة
لأنّها كانتْ مليئةً
بدموعِ التماسيح
وطبولِ السحَرَةِ
المُزيّفين (13).
يكمن الانزياح في قول
الشاعر : (دموع
التماسيح) ، وهل
للتماسيح دموع؟ لكن
الشاعر وظّف هذا
النسج كناية عن الكذب
والخداع، إذ نلمح
إبداع الشاعر في
انزياحه الذي به
تحققت جمالية النصّ
ودلالته، وظهرت
إمكانيته التي ولدها
انزياح المعنى والذي
به دهش القارئ؛ لأن
الدهشة تؤثر في نفسية
المتلقي، فأراد
الشاعر أن يعبّر عن
استيائه لتلك الرحلة
التي بنيت على الكذب
عمد إلى ذلك الانزياح
اللفظي الذي جسده
بأسلوب الكناية الذي
تمحور في بنية النصّ
، إذ حققت الكناية
انزياحاً عن المألوف
والعادي .
وقوله
:
(فيروز)
كنتُ أسمعُها منذ
الطفولة
منذ الدشداشة اليتيمة
والسرير الوحيد (14)
إبداع شعري تخييلي
بحت، إذ انزاحت
المعاني عن الوضوح
والمباشرة إلى
الشعرية والتلميح،
فابتعاد الشاعر من
التصريح في نظم شعره
إلى التلميح أثرى
بنية نصّه، وشدّ
المتلقي للمماطلة في
كشف نصّ الشاعر
الداخلي
.
إن جمال الصورة
الكنائية في هذا
النصّ الأدبي
الإبداعي يتجلّى في
ترك الشاعر التصريح
بالمعنى والتعبير عنه
بما هو مرادف له
بالإيماء، إذ إن
المعنى الكنائي واضح
لا يستدعي القارئ إلى
مصارعة الخيال في
الوصول إلى المعنى
الخفي العميق الغامض
في كشف مواطن الجمال
البلاغي الإبداعي،
فالتشخيص في نصّه
تمثّل في تحويل غير
العاقل إلى عاقل أمدّ
بنية النصّ بجمال
أسلوبي دلالي،
فالشاعر كنّى بـ
(الدشداشة اليتيمة)
عن وحدته قبل أن
يلتقي بشريك حياته
فوصف نفسه باليتيم من
دونه، فعندما يستمع
لأغاني فيروز يسترجع
الماضي الذي يتذكّره
بصوتها الشجي ، إذ
ذكر المستعار له
(الدشداشة)، وحذف
المستعار منه (الكائن
الحي أو الإنسان)،
وقد دلت عليه القرينة
( اليُتم )، فنوع
الاستعارة في النصّ
مكنية، إذ يتضح دور
الانزياح في النصّ في
العدول عن المعنى
المباشر إلى المعنى
الخفي، وهذا ما ترك
بصمة جمالية في شعره
.
وقوله
:
ليستْ بالتي تكرهُ
ساعاتها
ولا دقّات قلبها
ليستْ بالتي تلبسُ
وجهين
ولا تغيّرُ دفّتَها
(15)
في نصّ الشاعر
المتمثل بقوله: (تلبس
وجهين) كناية عن
الكذب والخداع
والمكر، فالشاعر لا
ينسب هذه الصفات إلى
الممدوح مهند
الأنصاري حيث يجرّده
من كل هذه الصفات
المشينة. ما نلحظه في
النصّ لعب الشاعر
باللفظ بأسلوب
انزياحي دلالي جمالي،
ولّد لنا دلالة جديدة
ومعنى آخر لا
يستدعي فكر القارئ
الى المماطلة وكدّ
الذهن في كشفها ،
فهذا المعنى الجديد
هو ما ولّده انزياح
النصّ ، وترك جمالية
أدبية في ثنايا نصّ
الشاعر
.
-3
الانزياح المجازي:
لأسلوب المجاز أهمية
إذ يعبّر به الشاعر
عن أفكاره ورؤاه التي
تترك أثرها في القارئ
عندما يتقصى بنى
النصّ للوصول إلى
المعنى الحقيقي، وهنا
تكمن بلاغة أسلوب
المجاز، أما قيمته
فتكمن في ولادة
المعنى الثاني الذي
يفهم من اللفظ
الأصلي(16)، عندما
يدخل على بنيته
الانزياح، وقد وظّف
الشاعر هذا الأسلوب
في شعره مما حقق
جمالية فنية، من مثل
قوله
:
حين سقط الحرفُ في
بحرِ قلبي
وسقطتْ نقطته
ثمَّ تلاشت المدن
واحدة بعد أخرى
لتسرقَ الأفعى عشبةَ
كلكامش (17)
القلب هو مركز
العواطف، ففي قوله:
(حين سقطَ الحرفُ في
بحرِ قلبي) ، نترصد
انحراف في التعامل مع
اللغة التي لا نترصد
مجازيتها بقدر
انحرافيتها، المجاز
عقلي علاقته
المكانية، فالأسلوب
المجازي مدّ بنية
النصّ بإيحاءات
وتصورات خيالية شدت
ذهن القارئ لها،
وتمكّنت من تكثيف
المعنى الدلالي في
نصّ الشاعر، فهذا
الجمال الذي كمن في
وحدة النصّ والذي أدى
إلى أثراء وحدة النصّ
سببه يعود إلى
انزياح اللفظ من
معناه الظاهري الواضح
إلى المعنى الباطن
الخفي يحتاج نوعا ما
إلى مماطلة الفكر في
اكتشافه، فالإمكانية
في النصّ يتيحها
المجاز في الإنحراف
عن الأصل
.
وقوله
:
في بابكِ لم أجدكِ
مثلما كان الوعد
بل وجدتُ جثّتي
مطروحةً في الطريق
فحملتُها، بهدوءٍ ،
فوق ظهري
ومضيتُ دونما هدف (18)
في تشكيلة النصّ
البنائية نلمح
انزياحا في نصّ
الشاعر، إذ إن الشاعر
يستطيع عن ((طريق
المجاز أن يصهر
العالم الطبيعي ،
والعاطفي ، والعقلي
في بناء وتركيب واحد
))(19) . ما برح
الشاعر في نصّه في
عالم الخيال ، فقد
رسم صورة مجازية
خيالية استنبطها
العقل ، بين بها حزنه
ولوعته عندما لم يجد
حبيبته مثل كل يوم
تنتظره في الموعد
المقرر لهما ، فصوّر
نفسه بالقتيل وقام
بحمل (نفْسه بنفْسه)
مبالغة من قبل الشاعر
في نظمه، هذا الرسم
المجازي انزاح من
الحقيقة إلى المجاز؛
لأنّ هذه الرسم لا
مجال له في الواقع
مما ولّد لنا صورة
دلالية جمالية إبدع
الشاعر في رسمها
.
وقوله
:
حين بداتُ أحبو
ثمَّ أخطو قليلاً
قليلاً
تسلقتُ شجرةَ الطفولة
بعينين فرحتين
تتطلعان إلى بهجةِ
التفّاح
وفرحِ الموز.
كنتُ أصعدُ وأصعد
ودعواتُ جدّتي
تدفعني أعلى فأعلى.
لكنْ ، على حين غرّةٍ
، ماتتْ جدّتي
فسقطتُ ، وا أسفاه ،
من شجرةِ الطفولة (20)
تشكيلة نصّية أدبية
رائعة فاقت فيها
الصور البيانية ، إذ
نلمح صورة مجازية
صورها الشاعر أروع
تصوير، تمثّل ذلك في
قوله: (تسلقتُ شجرةَ
الطفولة)، و(بعيينين
فرحتين)، و(فرح
الموز) ، كلّ هذه صور
مجازية عمل أسلوبُ
الانزياح على تكثيفها
؛ لأن الحقيقة لا
تؤيد ذلك ، فالمجاز
العقلي في النصّ كثف
دلالته ، ومدّ بنيته
بقيمة أدبية جمالية
.
وقوله
:
قالت الشمس : مَن
سيُنبتُ لي جناحين
لأشرق؟
-
قال
الحرفُ: أنا.
ومَن سيمنحني القوّة
لأطير إلى الناس؟
قالت النقطةُ: أنا
(21)
.
أسند الشاعر في نصّه
فعل القول إلى الشمس
، وهو إسناد غير
حقيقي، هذا ما ولّده
انزياح النصّ ، وفي
قوله : (مَن سيُنبتُ
لي جناحين لأشرق) ،
(ومَن سيمنحني القوّة
لأطير إلى الناس)
مجاز عقلي. إن
الانزياح في بنية
النصّ تمثّل في
انزياح العبارة من
معناها الحقيقي إلى
المعنى المجازي، إذ
إن الانزياح من
الدلالة الظاهرة الى
الدلالة الخفية تبعث
القارئ على التأويل
في ترصّد مقصدية
الشاعر مما مدّ النصّ
بدلالات أسلوبية تهدف
إلى رفع قيمة النصّ
الدلالي وإيحائه
الخيالي القائم على
التصوير
.
الخاتمة
لكل عمل نتيجة
يقتضيها الخوض في
العمل الأدبي ، ولابد
من إجمال ما توصل له
البحث في هذه الدراسة
:
•
إن للشاعر أديب كمال
الدين قدرة فنية
جليّة مكّنته من
الإبداع في رسم الصور
البيانية والبلاغية
الرائعة التي تترك
أثرها في نفس متلقيها
، فهي تتراوح بين
السلاسة والوضوح وبين
الغموض نوعاً ما ،
وهذا ما له أثر في
رسم الصور الدلالية
البلاغية التي تثري
النصّ
.
•
تُعد الصورة البيانية
في إبداع أي شاعر
صورة حية وناطقة
تمثّل الأدب العربي
وبها يعبّر الشعراء
عن تجاربهم وتصوراتهم
في الحياة ، فلها
تأثير واضح وقوي في
المتلقي، وقد يميل
إليه أصحاب اللغة
والأدب وذلك لتحسين
الأسلوب وزيادة رونق
الكلام فضلاً عن رسم
صور تخييلية تساعد
القارئ على تصوير
مواقفهم المادية
والحياتية.
•
أما أسلوب
الانزياح فهو من
الأساليب الحديثة
التي بها ينزاح النظم
ويعدل من معناه
الحقيقي إلى المعنى
المجازي ، فهو في
أبسط صوره الخروج عن
المألوف والمتعارف
عليه مما يؤدي إلى
ولادة دلالات جديدة
بها تظهر إمكانيات
الشاعر وقدراته
اللغوية في اللعب
بالألفاظ ، وتوليد
دهشة لدى القارئ
تبعثه على اكتشاف
جمال النصوص
الإبداعية.
الهوامش
1
-
شعرية القصيدة قصيدة
القراءة تحليل مركب
لقصيدة أشجان يمانية،
عبد الملك مرتاض: 130
2)
ينظر:
م. ن: 130
3)
الانزياح في الخطاب
النقدي والبلاغي عند
العرب ، د.عباس رشيد
الددة: 205
4) ينظر:
م . ن : 47- 48
5)
بنية اللغة الشعرية ،
جان كوهين : 110
6) ينظر:
مماطلة المعنى في شعر
المتنبي :97
7)
مجموعة: حاء: 74
8)
مجموعة: ما قبل
الحرف.. ما بعد
النقطة : 132
9)
مجموعة: شجرة الحروف:
37
10)
مجموعة: أقول الحرف
وأعني أصابعي: 34
11)
مجموعة: الحرف
والغراب: 47
12)
جماليات الأسلوب
الصورة الفنية في
الأدب العربي ، د.
فايز الداية: 141
13)
مجموعة: الحرف
والغراب: 46
14)
م. ن : 89
15)
مجموعة: أقول الحرف
وأعني أصابعي: 88
16)
ينظر: عبدالقاهر
الجرجاني بلاغته
ونقده ، د. احمد
مطلوب: 146 ،
17)
مجموعة: الحرف
والغراب: 116
18)
م. ن : 52
19)
التحليل النقدي
والجمالي للأدب عناد
غزوان ص 31 ،
20)
مجموعة: شجرة الحروف
ص 23.
21)
مجموعة: شجرة الحروف
ص
57
|