إن (الصورة
الفنية
هي
قوام
البنية
العميقة
لأي
عمل
أدبي
ولا
سيما
الشعر
منه،
فمجمل
أجناس
الخطاب
الأدبي
تشترك
في
مبدأ
التصويرية،
ولكنها
تختلف
فيما
بينها
في
استعمال
الصورة
كمّا
وكيفا)(1).
لقد
بات
(الإيماء
بالصورة
الشعرية
من
أبرز
خصائص
الشعر
المعاصر
بوصفها
فعالية
لغوية
تخرج
اللغة
من
بعدها
الإنشائي
إلى
بعد
مجازي
تصوري
أو
رمزي،
بمعنى
أنها
علاقة
لغوية
متولدة (2).
والشعر
الذي
يعتمد
الصور
هو
فعل
نفاذ
وفعل
إضاءة
بجوهر
الوجود
والصور
بهذا
المعنى
(رؤية
فكرية
وعاطفية
في
لحظة
من
الزمن.
ولعل
هذا
ما
يرشحها
لتكون (
من
أخطر
أدوات
الشاعر
بلا
منازع) (
3).
لقد
تعرضت
الصورة
الشعرية
شأنها
شأن
العناصر
الفنية
الأخرى
إلى
تطور
في
المفهوم
والدلالة،
فقديما
كانت
تقف
عند
حدود
الصورة
البلاغية
المجازية
من
التشبيه
والاستعارة،
ولكن
مع
انفتاح
عالم
الشعر
على
المشهد
الثقافي
للحياة
المعاصرة
أخذت
الصورة
تتنوع
وتتسع
لتصبح
أكثر
شمولا،
فباتت
تستمد
مصادرها
من
منابع
مختلفة
،
ذلك
أنها
في
سعيها
إلى
التوصيل
والتواصل
لن
تكون
عملا
فنيا
مكتفيا
بذاته بل
تثرى
بالتفاعل
والتأويل
الذين
يعززان
دورها
في
بناء
الثقافة (4)
.
ولذلك
لم
يعد
(الشاعر
المحدث)
يستقي
من
ينبوع
ثقافي
واحد
أو
من
مصادر
معينة
كما
الحال
في
العصور
الماضية
،
فقد
عمد
الشاعر
إلى
(التناص) مع
الموروث
المختلف
أنواعه
الأسطورية
والشعبية
والتاريخية
والأدبية
فضلا
عن
توظيف
تقنيات
الفنون
المختلفة
الأدبية
منها
وغير
الأدبية
للتخلص
من
أسر
الغنائية
والمباشرة
وإثراء
القصيدة
بأساليب
تستقيها
من
الفنون
الأخرى (5).
لقد
استثمر
الشاعر
أديب
كمال
الدين
جميع
هذه
الإمكانيات
مستعينا
بموهبته
في
تطوير
مشروعه
الشعري
بدافع
من
هاجس
المغايرة
فكان
خطابه
الشعري
حافلا
بمختلف
التقنيات
الحديثة
وأكثر
ما
يتجلى
في
مجال
إنتاج
الصورة
الشعرية
من
مصادر
شتى
،
لما
لها
من
دور
فاعل
في
تحويل
النبضة
الفكرية
إلى
نبضة
جمالية
.
ومن
خلال
متابعة
مسيرة
تطور
الصورة
الشعرية
في
تجربة
أديب
كمال
الدين
يمكن
رصد
تحولات
واضحة
صاحبت
عملية
أنتاج
الصورة
ولا
سيما
تدرجها،
ولعل
توظيف
(الشعراء
المحدثين)
لتقنيات
الأجناس
الفنية
يعد
أبرز
منجزات
الحداثة
اليوم
بحيث
يتم
تبادل
كثير
من
عناصر
هذه
الفنون
لإثراء
النص
الشعري
ومده
بدماء
جديدة.
واليوم
نحن
مع
حالة
جديدة
يتم
فيها
توظيف
الصور
القرآنية
في
النص
الشعري،
ونحن
نعرف
أن
(التصوير
هو
الأداة
المفضلة
في
أسلوب
القرآن
الكريم
،
فهو
يعبر
بالصورة
المجسمة
المتخيلة
عن
المعنى
الذهني
والحالة
النفسية
وعن
الحادث
الممسوس
،
والمشهد
المنظور
ثم
يرتقي
بالصورة
التي
يرسمها
مجسّما
الحياة
الشاخصة
أو
الحركة
المتجددة
فإذا
المعنى
ذهني
هيئة
أو
حركة
وإذا
الحالة
النفسية
لوحة
أو
مشهد. (6(
وسور
القرآن الكريم
من
قصص
ومشاهد
القيامة
هي نماذج
إنسانية
المنطق
الوجداني مضافا
إليها
تصوير
الحالات
النفسية
،
وتشخيص
المعاني
الذهنية
وتمثيل
بعض
الوقائع
التي
عاصرت
الدعوة
وهي
تؤلف
على
التقريب
أكثر
من
ثلاثة
أرباع
القرآن
،
وكلها
تستخدم
طريق
التصوير
في
التعبير، فلا
يُستثنى
من
هذه
الطريقة
سوى
مواضع
التشريع
وبعض
مواضع
الجدل
،
بهذه
الطريقة
وظف
الشاعر
أديب
كمال
الدين
الصور
القرآنية
في
مجموعته
(مواقف
الألف)
الصادرة
عن
الدار
العربية
للعلوم
–
ناشرون ، بيروت
2012
عبر
انفتاح
النص
الأدبي
على
النص
القرآني
،
وهي
مناظر
شاخصة
من
صور
وظلال
،
وإن
مصادر
الصور
الشعرية
لهذا
المجموعة
هي
من
النبع
القرآني
بكاملها
حيث
تتنوع
الصور
في
معظم
قصائد
المجموعة
وقد
استعرضها
في
(55)
موقفاً
موزعة
في
قصائد
قصيرة
وكل
هذه
القصائد
هي
صور
تستمد
من
آيات
القرآن
المعنى
والنص
والتضمين
تتوافر
لها
الصورة
والحركة
والإيقاع.
وبداية
كل
القصائد
كانت
هناك
لازمة
تصدرت
قصائد
المجموعة
كلها (أوقفني
في
موقف...
وقال).
لقد
كانت
هذه
الكلمات
مفتاح
هذه
النصوص
وإضاءة
لكل
صوت
امتلك
إشعاعا
خاصا
للإيحاء
بمنابع
وآيات
القرآن
وكان
ذلك
هو
يوم
الوقوف
والمقصود
به
هو
يوم
الامتحان
،
كما
أنه
قد
افتتح
المجموعة
بآيات
من
السور
القرآنية
،
وهذا
يعني
أن
النبع
قد
استقاه
من
سور
القرآن
الكريم .
ومن
القصائد
التي
ذكر
فيها
الجنة
مثلا
قصيدة
(مواقف
الألف)
ص12
كيف
سأسقيكَ
من
أنهارٍ
من
عَسلٍ
مُصفّى،
أنهارٍ
لذّة
للشاربين
لا
فيها
لغوٌ
ولا
تأثيم؟
وكيفَ
ستجلس
في
مقعَدِ
صدْقٍ
عندَ
مليكٍ
مُقتدر؟
كيفَ
وقد
قالَ
مَن
قال:
يا
ليتَ
قَومي
يعلمون.
فكيفَ
سيعلم
بكَ
قومُك
وهم
يجهلون
نجمَك؟
وفي
المقطع
الثاني
يواصل:
ثمَّ
انتبهَ
إلى
دمعتي
وقال:
ستصعدُ
يا
عبدي
درجاً،
كلّ
درجةٍ
بألف،
وكلّ
ألفٍ
بمائة،
وكلّ
مائةٍ
بكفّ،
وستحتار
أيّها
أقرب.
في
هذه
النص
الذي
يعتبر
من
أطول
القصائد
في
المجموعة
تعطي
الصورة
إيماءاتها
تنوعا
ويأتي
استدعاء
مفاصل
الجنة
والدعاء
والمصير
الذي
يلفّ
العبد
حين
لا
يقود
شراعه
مبصرا
،
وهو (الذي
أقرب
اليه
من
حبل
الوريد)
حتى
ينتهي
في
نهاية
معروفة:
مصيري
إلى
التراب
اذ
خلقتَني
من
طين.
ولئن
كان
أول
زاد
الأنبياء
هو
الإيمان
بالله
،
فإن
الشاعر
يستعين
بكل
مفردات
وتعبيرات
الآيات
القرآنية
: خلقتني،
لا
مغيث
لها
سواي،
لذة
للشاربين
وغيرها
من
المفردات.
وفي
نص
(موقف
المهد)
يقول
في
ص
19
أوقَفَني
في
موقفِ
المَهد
وقال:
وضعتُكَ،
إذ
خلقتُكَ،
في
المَهد.
وكانَ
مَهدُكَ
على
الماء
يتنقّلُ
من
نهرٍ
إلى
نهر
ومن
بحرٍ
إلى
بحر،
والشمسُ
تحيطُ
به
ثُمَّ
تغربُ
إلى
سوادٍ
عظيم
والنجمُ
يحيطُ به
ثُمَّ
يغرقُ
فيه
شيئاً
فشيئاً،
وأنتَ
في
المَهد
تنظرُ
وتبكي :
إلى
أين؟
وقلبُكَ
فارغٌ
كفؤادِ
أمّ
موسى.
تتداعى
في
هذا
النص
الصور
القرآنية
للمهد
بمناخ
اليأس
والتشظّي
،
حيث
تتجسّد
مشاهد
قصة
موسى (عليه
السلام)
حين وصل أخيرا
إلى حضن أمه
لتطمئن
به وعليه .
في
النص
صراع
،
صراع
الطفل
مع
البحر
ومع
الموت.
وهناك
قلب
الأم
المتلهف
ينتظر
ويتأمل
ويدعو
من
الله
أن
ينقذه:
لتتساءل
وتصرخ
إلى
أين
؟
فهو- أي الشاعر- قد رسم
الجدار
الفاصل
في
صورة
شعرية
بين
الحركة
والجمود
وفق
النص
القرآني
حتى
يركب
الشاعر
غمار
الإبحار
في
نقطة
النون.
ويذكر
أديب
(موقف
الصبر)
-
ص
24
-
ومن
سار
عليه:
أوقَفَني
في
موقفِ
الصبر
وقال:
الصبرُ
امتحانٌ
عظيم.
فماذا
ستفعلُ
يا
عبدي؟
أعرفُ
أنّ
كلماتكَ
سترتبك
وينهار
معناها
مثل
جبلٍ
من
الثلج
وستدمع
عيناكَ
مثل
طفل
ضائع
في
السوق.
أين
منكَ
إرادة
يوسف
الصدّيق؟
وأين
منكَ
حلم
يعقوب
وقد
ابيضّتْ
عيناه
من
الحزنِ
فهو
كَظيم؟
وأين
منكَ،
قبل
هذا،
صبر
نوح
وإبراهيم وأيّوب؟
وأين
منكَ
صبر
مَنْ
أرسلتُه
رحمةً
للعالمين؟
وأين
منكَ
صبر
الأوّلين:
صبر
عليّ
والحُسين؟
إن
التكيّف
الدلالالي
والإيمائي
الذي
قدمته
القصيدة
جعل
منها
مجالا
رحبا
لمعرفة
ما
يلامس
القلب من
الحقيقة
ويكشف
ما
في
جوف القصيدة بطريقة
ممتعة
ومشوقة
مستعينا
بكلمة
(الصبر). وهي
كلمة
ترمز
إلى
امتحان
كما
ذكرت
في
القرآن،
حين
امتحن
الله
سبحانه
وتعإلى
نبينا
(أيوب)
وقد
رسمت
الصورة
على
لبس
قناع
(أيوب)
بما
انطوى
عليه
من
مستوى
إيحائي
مواز
لنقل
التجربة
الشعرية،
استنادا
إلى
ما جاء
في
كتاب
الله
العزيز:
وَاذْكُرْ
عَبْدَنَآ
أَيّوبَ
إِذْ
نَادَىَ
رَبّهُ
أَنّي
مَسّنِيَ
الشّيْطَانُ
بِنُصْبٍ
وَعَذَابٍ
*
ارْكُضْ
بِرِجْلِكَ
هَذَا
مُغْتَسَلٌ
بَارِدٌ
وَشَرَابٌ
*
وَوَهَبْنَا
لَهُ
أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُمْ
مّعَهُمْ
رَحْمَةً
مّنّا
وَذِكْرَىَ
لاُوْلِي
الألْبَابِ
. سورة
ص، الآيات
41
و42 و 43
والتردد
الصوتي:
أين
منك
صبر
...؟.
أين
منك
صبر...
؟
الذي
منحها
بمقابل
التأكد
والإرادة
وجعله
في
امتحان
حقيقي
وهكذا
يستقي
أديب
كمال
الدين
من
هذا
النص
ما
يناسب
ما
أراده
فهو
يشير
إلى
حزن
ودرس
الحادث
دون
الاقتباس
المباشر
منها
.
أوقَفَني
في
موقفِ
الحرف
وقال :
الحرفُ
حرفي
والنقطةُ
نقطتي.
فكيفَ
لكَ
أنْ
تفهمَ
سرَّ
خُلودي
وأنتَ
الذي
يحملُ
الموت
في
نبضةِ
القلب؟
وكيفَ
لكَ
أنْ
تتجلّى
في
ملكوتي
وأنتَ
الذي
يبكي
على
جرعةِ
ماءٍ
ورغيفِ
خبز؟
وقال:
الحرفُ
حرفي
ستجدهُ
في
كهيعص
وألم
وطه
ويس
وق
ون.
لا
شك
أن
هذه
الأوصاف
للحرف
تحفّز
المخيلة
لرسم
صورة
أقرب
إلى
البصر
منها
إلى
الإذن.
وكأننا
نبصر
شخصية
الحرف
ماثلة
أمام
أعيننا
في
لحظة
القراءة
ولأن
قراءة
الحرف
في
القرآن
لها
دلالة
كاملة
وليس
حرفا
مجردا،
فالصورة
الفنية
في
شعر
أديب
كمال
الدين
هي
من
التصوير
الذي
لا
وجود
له
فعليا
في
العالم
الخارجي،
بل
قد
يكون
الشاعر
استعارها
من
المظاهر
الخارجية
مشهدا
بالحدس
والرؤيا
فيصير
من
خلال
عواطفه
ومعاناته.
وهذه
الصور
تفيض
عن
الجمال
المبدع
الخالق
وهو
يتجلى
في
ملكوت
الله
. ونراه
يصوّر
الروح
في
(موقف
الروح)
ص
41
،
وهي
السرّ
العظيم:
أوقَفَني
في
موقفِ
الروح
وقال:
هوذا
سرّكَ
الأعظم
يا
عبدي.
فأنتَ
لن
ترى
الروحَ
حتّى
تموت
والروح
لن
تراك.
لكنّكَ
ستتخيّلُ
الروحَ
وردةً
تارةً
ونهراً
تارةً
أخرى.
وتتصوّرها
حلماً
تارةً
ووهْماً
تارةً
أخرى.
وتناديها
ملاكاً
تارةً
وشيطاناً
تارةً
أخرى.
وترسمُها
سواداً
خالصاً
تارةً
ووميضاً
ساطعاً
تارةً
أخرى.
تعنى
هذه
الصور
ما
يمتاز
به
شعر
أديب
كمال
الدين
من
كثافة
مقدما
شيئا
جديدا
يستوحيه
من
صورة
مبتكرة
أو
مستوحاة
من
نبع
القرآن
الكريم
وتصوير
موهبته
وقدرته
حيث
يجسّد
مشاعر
حقيقية
كاشفا
عن
علاقات
جديدة
بين
عناصر
الصورة
وأفكار
ومضامين
جديدة
تستنطق
لغة
القصيدة.
ويصوّر
في
(موقف
نوح)
–
ص
44
- سفينة
نوح
وكيف
صنعها
الخالق،
وحمل
فيها
نوح
من
كلّ
زوجين
اثنين:
أوقَفَني
في
موقفِ
نُوح
وقال:
يا
عبدي
أرأيتَ
إلى
صَبرِ
نُوح،
وعذابِ
نُوح،
ومحنةِ
نُوح،
وسفينةِ
نُوح؟
أرأيتَ
وقد
قامَ
بالقومِ
ألفَ
سنة
إلّا
خمسين
عاماً
ثم
يختتم
النص
في
ص
45:
أرأيتَ
كيف
حملَ
نُوح
الأمانة
وَصَبرَ
وكانَ
صبره
كجبلِ
أُحد
وعبرَ
الطوفان
والناس
غرقى
في
يومٍ
كأنّه
يوم
القيامة؟
لقد
صوّر
عاقبة
مَن
عصى
وعذابه
تاركا
للقارئ
استكمال
الصورة
التي
ينقلها
إلى
فكره
.
وقد
أفاد
من
قصة
نوح
كما
تضمنها
القرآن
وشكّل
فيها
صورة
جديدة
مستمدة
من
صور
القرآن
حيث
ضمّن
القصة
مع
الإشارة
الكاملة
إلى
تفصيلاتها
.
وكلها
تبين
بعض
أوجه
التناص
مع
الخطاب
القرآني
عبر
سفينة
نوح
وكيف
حُملت
أمته
فيها،
عبر
الطوفان
(في
يوم
كأنّه
يوم
القيامة)،
وكان
يوم
نصر نوح
على
القوم
الظالمين
.وقد
تعامل
مع
المنبع
الديني
برموزه
وشخصياته
كقوى
مؤثرة
كما
في
قصيدة
(موقف
عيسى)
ص51
أوقَفَني
في
موقفِ
عيسى
وقال:
يا
عبدي
أرأيتَ
إلى
مَن
كلّمَ
الناس
في
المهدِ
صَبيّاً.
أرأيتَ
إليه
وهو
يقول:
سلامٌ
عليَّ
يومَ
ولِدتُ
ويومَ
أموتُ
ويومَ
أُبعَثُ
حيّاً.
أرأيتَ
إليه
وهو
الذي
أحيا
الموتى
بإذني،
وأبرأ
الأكمهَ
والأبرصَ
بإذني،
فأنزلتُ
إليه
مائدةً
من
السماء
يصوّر
الشاعر
قصة
المسيح
ويربطها
بما
يعانيه
وهذه
تشكّل
عناصر
في
الصورة
الشعرية
وتعبير
عن
رموزه
من
خلال
هذه
الرموز
استخدم
رمز
سيدنا
المسيح
(عليه
السلام)
كدليل
العذاب
والتعذيب
والآلام
التي
يواجهها
الإنسان
المعاصر
،
ويقابله
في
ذلك
معجزات
النبي
عيسى
التي
سخّرها
الله
له
.
ونحن
هنا
أمام
مشهد
آخر
هو
أمه
(مريم
البتول)
حين
يقول:
وهو
الذي
حملتْ
به
مريم
ليكون
محبّةً
للعالمين.
وقد
أنار الشاعر رحلة المصطفى الكبرى في
قصيدة
(
موقف
المصطفى)
ص
53
أوقَفَني
في
موقفِ
المُصطفى
وقال:
أرأيتَ
إلى
مَن
رأى
مِن
آياتِ
ربّهِ
الكبرى؟
أرأيت
إلى
مَن
أرسلتُه
رحمةً
للعالمين،
وختمتُ
به
الأنبياءَ
كلّهم
والمُرسَلين،
وجعلتُ
له
الأرض
طهوراً
ومَسْجِداً،
وجمعتُ
على
مائدته
قدحَ
الصبرِ
إلى
قدحِ
النصر،
وماعونَ
المحبّةِ
إلى
ماعونِ
العِلْم،
وشرابَ
الشفاعةِ
إلى
شرابِ
الكوثر؟
أرأيت
كيف
أسريتُ
به
إلى
حضرتي
الكبرى
مِن
سماءٍ
إلى
أُخرى،
فرأى
مِن
النورِ
ما
رأى،
فكانَ
قابَ
قوسين
أو
أدنى؟
النص
بانبساط
فرض
نفسه
عنصراً
دينامكياً
يشتقّ
صفاته
من
رفعةِ
النبي
المصطفى
(ص)
ليطل
على
حياة
أسمى
وأنقى.
وقد
انتظم
النص
في
خط
متناسق
تواصل
مع
مسار
العنوان
الذي
خضع
لنسق
عفوي،
وهو
يتحول
من
بيت
إلى
بيت
يحكي
الخطاب
القرآني
لصفات
وبعض
من
سيرة
المصطفى
والخلاص
الذي
جاء
به
إلى
الناس
وكيف
أسرى
به
الله
ليلا
من
المسجد
الحرام
إلى
المسجد
الأقصى
ورأى
ما
رأى
في
حضرة
الحي القيوم.
إن
عملية
الإبداع
في
حقيقتها
أشبه
بالوجد
الصوفي، تظهر
من
خلالها
أسباب
التغاير
الرؤيوي
بين
ما
هو
مرئي
ظاهري
وما
هو
غير
محسوس،
لأن
الفن الصوفي
والدين
يستمدان من
مشكاة
واحدة
ذلك
القبس
العلوي
الذي
يملأ
قلب
الإنسان
بالراحة
والصفاء
والإيمان.
وقال
الشاعر
أديب
في
قصيدة (موقف
العزة
(
ص
61
أوقَفَني
في
موقفِ
العِزّة
وقال :
أنا
العزيز
يا
عبدي
والعِزّةُ
لي
وحدي.
فمَنْ
نازعني
فيها
ألبستُه
تاجاً
من
الذُّلّ
وألقيتُ
عليه
ثوباً
مِن
الهوان.
وقال :
إنّ
أكبرَ
اسمٍ
لك
هو
عبد
الله
وأصغر
اسمٍ
لك
هو
عبد
الله.
وقال
في
قصيدة
(
موقف
الباب
(
ص
65
أوقَفَني
في
موقفِ
الباب
وقال:
البابُ
أبوابٌ
يا
عبدي.
هناكَ
بابٌ
للفجر،
وبابٌ
للمغرب.
ثُمَّ
بابٌ
للدمعة،
والصرخة،
والسكّين.
ثُمَّ
باب
السؤال،
والمُحَال.
ثُمَّ
باب
الخَمرة.
ثُمَّ
باب
التوبة.
ثُمَّ
باب
الجوع،
والفقر،
والحرب.
ثُمَّ
باب
الموت.
ثُمَّ
باب
الحِساب،
فالمَسرّة،
فالحبيب.
ثُمَّ
باب
النجاة.
ثُمَّ
باب
السَكينة.
ثُمَّ
باب
السَلام.
ثُمَّ
باب
الشوق.
ثُمَّ
باب
الانتظار.
ثُمَّ
باب
السأم،
فالعدم،
فالعبث،
فالهلاك.
الذات
الالهية
هي
مركز
الكون حيث
يدور
كل
شيء
في
فلكها.
وما
ذات
الشاعر
إلا
ظله
الذي
يمتلك
تميزا
وخصوصية
ينكشفان
عن
طريق
المعادلة
الآتية،
الله
...
الشاعر....
القصيدة
. فتمثل
الوعي
الغيري
يعمل
على
تدعيم
أجواء
القصيدة
بالقوة
الروحية
فتتبلور
ملامحها
بالإمساك
بالعوامل
الملهمة
وهذا
ما
عمل
على
كسر
نمطية
الولادة.
وعلى
أوتار
المأساة
الكونية
يعزف
الشاعر
أديب
كمال
الدين
مناجاته
مع
الرب،
والقوة
في
النص
تجتمع
مع
الرحمة
،
فحينما
امتلأت
الأرض
جورا
وظلما
جاء
الأمر
الإلهي
بالنهاية
خلاصا.
وقال
في
قصيدة
(
موقف
الماء
(
ص
69
أوقَفَني
في
موقفِ
الماء
وقال :
قِفْ
على
الماء.
فقد
جعلتُ
من
الماءِ
كلَّ
شيءٍ
حَيّ.
فَوقفتُ.
ثُمَّ
قال
: امشِ.
فمشيتُ.
مشيتُ
حتّى
الخطوة
الثانية
وفي
الثالثةِ
غرقتُ.
فمدَّ
لي
يداً
من
نور
ثُمَّ
قال:
امشِ.
فمشيتُ
حتّى
وصلتُ
السادسةَ
ارتبكتُ
وفي
السابعةِ
سقطتُ
حتّى
هلكتُ
أو
كدتُ.
فَمَدَّ
لي
يداً
من
قاف
وقال:
امشِ.
فمشيتُ.
وفي
الخطوةِ
الثلاثين
غرقتُ
وطافَ
جسدي
فوقَ
الماء.
فقال :
انجُ.
فنجوتُ.
وفي
الخطوةِ
الأربعين
زُلزِلتُ
حتّى
عبرَ
جسدي
بحرَ
الظلمات
قِطَعاً
قِطَعاً.
النص
مليء
بالطمأنينة
،
إذ
ولد
الماء
طائرا
جميلا
دمجه
الشاعر
في
الوعي،
وكان
هذا
مفترق
الطرق
بين
النزوع
نحو
الرومانسية
والخيال
وولوج
أبواب
الواقع. إن
الفعل
(امشِ ) مارس
سطوته
على
النص،
إذ
يقدم
ضمن
إطار
الإلهي
في
خلق
الإحساس
بفقدان
السيطرة
بالحياة
من
خلال
فقد
الأشياء
الجميلة فيها،
ويستعلي
النص
طقوسا
تصعده
باتجاه الإفادة من صور
القرآن الكريم.
وفي
قصيدة
:
(موقف
الغرق)
ص
71
قال
:
أوقَفَني
في
موقفِ
الغرق
وقال:
يا
عبدي
كيفَ
تنجو
مِن
الغرق
والبحرُ
قد
غرقَ
فيك؟
يقوم
النص
على
تفاعل
شعريته
من
خلال
تفاعل
مجموعة
الجزئيات،
حتى
يتوصل
المتلقي
إلى
شبكة
تغذي
بعضها
بعضا
بينهما
الحوار
،
بعد
أن
قاد
الشاعر
فكرة
الإنسانية
إلى
الانكفاء
أو
الغرق
،
فالحوار
أفضى
إلى
صناعة
رموز
إنسانية
وروحية.
وقال
في
قصيدة
(
موقف
الأنا
(
ص75
أوقَفَني
في
موقفِ
الأنا
وقال:
يا
عبدي
كم
أذلّتْكَ
الأنا!
أناكَ
هي
ثقبُ
روحِك
وأناكَ
هي
ثقبُ
جهنم
في
جسدِك.
هي
مِن
يُفسد
فيكَ
ما
خلقتُه
في
أحسن
تقويم
لتردّه
في
سرعةِ
البرقِ
إلى
أسفل
سافلين.
اعتمد
النص
في
أفق
الأنا
مع
تركيز
الشاعر
على
مزايا
ومساوئ
الأنا
من
خلال
روحه
وتقويمه
مع
التركيز
على
الذات
الإلهية
، والنص
ينبع
من
ترسيخ
العلاقة
بين
الشاعر
والأنا
ودلالة
الأنا
هنا
(ثقب
في
الروح)
بل
جسدها
، بعبارة أخرى هي
(ثقب
في
جهنم).
وكل
مَن
يقول:
أنا
..
أنا
..
يفسد
خلقته
بل
أخلاقه
الذي
خلقها
رب
العالمين
في
أحسن
تقويم
،
وهي
استعارات
لصور
من
صور
القرآن
الكريم
من
خلال
عيني
شاعر
يمتاز
بقوة
تشكيل
الحرف
لصوره
الشعرية
التي
تعتمد
على
تحريك
اللهب
الهائل
لمفرداته
الثرية
بمفاصل
الحياة.
وقال
في
قصيدة
(
موقف
البياض
(
ص
76
أوقفني
في
موقفِ
البياض
وقال:
أدهشكَ
البياضُ
يا
عبدي
أم
أدهشكَ
الحرمان؟
أدهشكَ
المشهد
أم
أدهشكَ
اللون؟
أدهشكَ
الدفء
أم
أدهشكَ
الإصبع؟
أدهشكَ
الدمع
فكنتَ
على
سجّادتي
تبكي؟
أم
أدهشكَ
المصير:
أنتَ
كريشةٍ
تطير؟
اللون
الأبيض
يتغلغل
في
أعماق
النص
حتى يصبح
كيانه
المجسد
في
درجة
الصفر،
ويكتسب
حضورا
استثنائيا
في
ولادة
الدهشة
حيث
يشتغل
في
ضدية
مع
الليل
.
وقد
كان
اللون
الأبيض
هنا
دلالة
على
الخير
،
ولها
-
أي الدلالة - تشكيل
لوحة
لونية
تثير
الدهشة
من
اللون
إلى
الدمع
إلى
المصير.
وقال
في
قصيدة
(موقف
السلام
(
ص
88
أوقَفَني
في
موقفِ
السَلام
وقال:
اعبرْ
حاجزَ
الظُلْمة،
وهو
بسَبْعَةِ
أبْحُر.
فَعَبرتُ.
ثُمَّ
قالَ:
اعبرْ
حاجزَ
الوحشة،
وهو
بسَبْعَةِ
أبْحُر.
فَعَبرتُ.
ثُمَّ
قالَ:
اعبرْ
حاجزَ
المرأة،
وهو
بسَبْعَةِ
أبْحُرٍ
أُخرى.
فَعَبرتُ.
ثُمَّ
قالَ:
اعبرْ
حاجزَ
الناس،
وهو
بثلاثةِ
أبْحُر.
فَعَبرتُ.
ثُمَّ
قالَ:
اعبرْ
حاجزَ
المرآة،
وهو
بثلاثةِ
أبْحُرٍ
أُخرى.
فَعَبرتُ.
النص
ينير
مفهوم
السلام
الإنساني،
ويمكن
ملاحظة
ذلك
من
خلال
تفاصيله
وهو
يعبر
حواجز
الظلمة
والوحشة
والمرأة.
.والعبور
يتم
من
خلال
أكثر
من
بحر
،
وبالذات
سبعة
أبحر
،
وكذلك
يعكس
النص
إحساسا
بمفردات
رقمية
تتسع
فضاءات
دلالاتها
فتنطلق
سيلا
من
التأثيرات
تتساوق
مع
هموم
الشاعر
الذاتية
في
صورة
روحية
وهو
ما
يبرر
احتلال
كل
من
الشاعر
والقصيدة
مركز
السلام
في
بنية
التراكيب
.
العبور
يمارس
عادة
في
اختراق
حواجز
عصية
ومن
بحر
إلى
بحر
وبشكل
متسلسل
كأنه
حكاية
من
حكايات
الوحشة
والظلمة،
ومن
أراد
عبور
البحر
لا
بد
أن
يجتاز
هذه
العوائق:
عوائق
معنوية
أو
مادية
متخيلة
في
صور
وتداعيات
بارزة.
إن
جذور
الصورة
تجد
معادلها
من
خلال
توظيف
الصور
القرآنية
في
سلسلة
أعمال
الشاعر
المبدع
أديب
كمال
الدين
التي
تسهم
في
تسليط
الضوء
على
الجذور،
كما
تستأثر
تجربة هذا
الشاعر
برسم
خارطة
النص
بالتشكل
مع
فضاء
الصور
القرآنية،
وقد
عبّر
عنها
في
مجموعة
شعرية
سابقة
هي
(نون)، (
التي
تجمع
بين
الدلالي
والفني
تغري
الشاعر
في
الإبحار
في
بحر
النون
والحرف
المبارك
بالسورة
القرآنية..
ولم
يكن
الشاعر
ليحتفي
بها
لولا
يقينه
من
كونها
تمثل
امتدادا
لحروف
أخرى
كان
لها
الحظ
الأوفر
في
بحر
اللغة
حيث
يركب
مسيرة
الحرف
المحفوفة
بالأعاصير،
متخذاً
النبّوة
شعاراً
والمعجزة
شراعاً
والنون
عنواناً
(7).
لقد
استمدت
أهمية
هذه
المجموعة
من
مضمون
الآيات
والقصص
القرآنية
وقد
اتخذها
الشاعر
منطلقا
لخوض
تجربته
في
هذا
الديوان
لتوحي
برحلة
هي
خليط
وتنوع
من
ألوان
وأجناس
السور
وردت
مؤطرة
بتعبير
القرآن
الكريم
تستثير
الذهن
من
خلال
لفت
الانتباه
إلى
جمالية
الصور
القرآنية
بالعبارة
الشعرية
مع
استثارة
الفكر
وتحفيزه
للتأمل
في
خلق
الله
كما
أن
الشاعر
أديب
كمال
الدين
قد
نبّه
إلى
جمالية
اللوحة
القرآنية
وما
تثيره
من
إحساس
بقدرة
الخالق
سبحانه
في
تعدد
الصور
التي
خلق
الله
منها
سلالات
كثيرة.
وقد
تعمّد
الشاعر
إلى
التعدد
في
الإشارات
إلى
كل
صور
القرآن
ولو
بقصائد
قصيرة
وهو
تنوع
مقصود
به
التشكيل
الحياتي
للشعر
وربطه
بالصورة
الواردة
بالآيات
الكريمة
.
وقد
رسم
في
قصائد
هذه
المجموعة
المتميزة
أجواء
السور
القرآنية
من
صفة
التنوع
الشعري
من
خلال
التنوع
الدلالي
أو
من
خلال
الرمز.
وإن
كل
المقاطع
الشعرية
تتراكب
مع
سير
المعاني
القرآنية
عبر
سرد
حكائي
مفتوح
كما
يسرد
العناصر
بإيحاء
بسيط
في
صور
شعرية
متجسدة
ومتخيلة
بديعة
برع
فيها
بتلقائيتها
وعفويتها
هي
من
جعلت
النص
تحفة
أدبية،
وقد
مكّن
القارئ
من
ان
يتمتع
بهذا
الحس
الديني
لدى
الشاعر
خاصة
مع
التقائه
بالشمولية
إضافة
إلى
إيقاعه
الداخلي
.
انها
عملية
تنقيب
واكتشاف
في
عمق
الوجود
للألف
من
دون
غيره
ولعل
هذا
قادم
من:
(إنْ
تقدّمتَ
حرفاً
/وأنتَ
حرفٌ
/
تقدّمتُ
منكَ
أبجديةً
/
وقدّتك
إلى
أبجديةٍ
من
نور.).
في
النهاية يمكننني القول: إن
هذه
الصور
الماثلة
لدينا
من
ديوان
(مواقف
الألف)
تكتمل
فيها
مدرسة
أديب
كمال
الدين
الشعرية
،
وعلى
منعطفات
الرؤى
الشمولية
فلقد
نجح
في
بناء
خلايا
الشعر
من
مفردات
القرآن
الكريم
أو
التي
لها
طابع
الأفق
الديني
،
فهو
شيّق
بلغته
ممتلئ
في
داخله
،
يسأل
في
دهشة
وبراءة:
متى
نقف
جميعا
يوم
الوقوف
العظيم؟
تحية
للشاعر
وهو
يرسم
الصورة
من
منظور
جمالي
يتخذ
من
الصور
القرآنية
رسائل
تبليغ
لهذه
العقيدة
،
وتحية
للذي
كتب
(مواقف
الألف)
من
حضرة
الحرف
إلى
سدرة
المنتهى
.
.......................................................
هوامش
1
-
الصورة
والثقافة
والاتصال،
محمد
العبد
،
ص
134
2
- جماليات
المكان
،
غاستون
باشلار
،
ترجمة
غالب
هلسا
،
ص
34
3-
الصورة
في
التشكيل
الشعري
،
منشورات
وزارة
الثقافة
،
بغداد،
سمير
الدليمي
،
ص
87
4-
المصدر
نفسه،
ص
134
5 - دير
الملاك
،
محسن
اطيمش
،
منشورت
وزارة
الثقافة،
بغداد
ص
32
6 - التصوير
الفني
في
القرآن
،
سيد
قطب
7 – أضف نوناً: قراءة في "نون" أديب كمال
الدين،
د.
حياة
الخياري،
الدار
العربية للعلوم ناشرون
،
بيروت
2012
************************************************************
مواقف الألف: شعر: أديب كمال الدين، الدار
العربية للعلوم ناشرون، لبنان، بيروت 2012
|