بسم الله الرحمن الرحيم
الأعمال الشِّعريّة الكاملة
أديب كمال الدين
The Complete Poems of
Adeeb Kamal Ad-Deen
المجلّد الثالث
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2018
بسم الله الرحمن الرحيم
ن والقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون.
سورة القلم. الآية 1
المحتويات
* شجرة الحروف
11
- وصف
13
- الزائر الأخير 15
- قصيدتي الجديدة 18
- القليل من التراب 21
- شجرة الثعابين 27
- الغريب
31
-
حُبّ
34
- بغداد بثياب الدم 37
- قصائد الرأس 42
-
شجرة الحروف
46
-
إبحار
50
- التباس نونيّ 53
- تحوّلات 55
- قصيدتي الصَّبيّة 56
- ارتباك
59
-
القبطان
62
- رغبات
64
- اكتشافات الحرف 66
-
في تلك اللحظة 68
- ممتع، غريب، مدهش! 70
- اعتراف ملك الحروف 73
- احتفال حروفيّ 75
- شطحات النقطة
78
-
حلم 81
- صَبيّ
84
- أحجار
86
- الحرف يتشظّى، النقطة تتدروش!
87
- رسالة الحرف إلى حبيبته النقطة 91
- هبوط
94
- طائرالنقطة
96
- لعبة كبيرة
101
-
توضيح حروفي 104
-
طيران
106
- غروب النقطة
107
- وقال الذي 109
- حيرة ملك 111
-
فؤوس 114
- يد واحدة 115
- مَشاهد
116
* أربعون قصيدة عن الحرف
121
- جاء نوح ومضى
123
- دراهم كلكامش
126
- المُبحر منفرداً
131
- المُتبرقع
133
- رقصة سرّيّة
135
- تناص مع الموت
138
- معاً على السَّرير
142
- أغنية سوداء القلب
143
- أحمر ناريّ
145
- قطارات سدني
148
- سأقبّلكِ الآن
152
- اعتذار
155
-
تناص مع الحرف
159
- البيضة والبحر والقمر
161
- طائرة ورقيّة
164
- عن المطر والحُبّ
166
- أعماق
170
- قمر أسْوَد وكلب رماديّ
171
- الشبيه
174
- سلاماً عمّان
177
- أسرّة
179
- وصايا
181
- أنين حرفي وتوسّل نقطتي
184
- طفلة
185
- طاغية
187
- عابر سبيل
188
- كنتَ سعيداً بموتك
190
- جمجمة
192
- قرد الصحراء
194
- حاء باء
197
- العلقم
199
- ذات ربيع
205
- لا فائدة!
208
- قصيدة بلا عنوان
210
- أنتِ أنتِ وأنا أنا
212
- بلد سحريّ
213
- صديقي تولستوي
214
- سقوط الحرف وصعود النقطة
216
- لماذا
218
- بكاء
220
* أقول الحرف وأعني أصابعي
223
- ثمّة خطأ
225
- الرقصة
229
- العودة من البئر
231
- إنّي أنا الحلّاج
235
- زوربا
238
- صقر فوق رأسه الشَّمس
241
- غزال أكل قلبَه النمر
244
- حارس الفنار قتيلاً
246
- اليد
249
- وصيّة حروفيّة
251
- يا صاحب الوعد
253
- النخلة
257
- انسلال
259
- تمسّكْ بها واستعنْ!
262
- أقوال
266
- قصيدتان
269
- أيّتها المرآة
271
- سؤال مسدود
275
- "صباح الخير" على طريقة شارلي شابلن
277
- الموكّل بفضاء الله
279
- الكثير من الصور
282
-
الحاء والألف
284
- أو أكثر بقليل
286
- مُشاهد
288
- لم يعدْ مطلعُ الأغنيةِ مُبهِجاً
290
- في المطار الأخير
294
- في شارع الحشّاشين
296
- حوار
298
- أعتذر الآن
301
- مديح إلى مُهنّد الأنصاريّ
303
- لِمَ أنت؟
305
- القمر والبئر والقطار
307
- حرف يحتضنُ نَفْسه
310
- أشياء على المائدة
311
- المطربة الكونيّة
314
- تحليق
317
- تحت شجرة الكلمة 318
- أمطار موسميّة
320
- ما اسمكَ أيّها الحرف؟
322
- البيّاتي
325
- آراء في التجربة
329
- سيرة ذاتيّة
353
شجرة الحروف
دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، ط 1 ، 2007
وَصْف
1.
سقطتْ دمعةُ الشاعرِ على الورقة،
فرأى فيها إخوةَ يُوسُف
وهم يمكرون ويكذبون،
ورأى دمَ الذئب
ورأى أباه شيخاً وحيداً يتمتم:
يا أسَفَى على يُوسُف، يا أسَفَى.
ثُمَّ نظرَ مرّة أخرى
فرأى نارَ إبراهيم،
ورأى صليبَ المسيح،
ورأى الموتى ينهضون،
والعميان يتشبّثون
ببعضهم، يصرخون.
ثُمَّ رأى موسى
يعبرُ بحراً من الرعبِ والموت
ورآه وهو يقولُ: ربّي.
فَيُقالُ له:
لنْ تَراني،
انظُرْ إلى الجَبَل
فإن استقرَّ مكانَه
فَسَوفَ تَرَاني.
2.
هكذا في دمعةٍ واحدة
رأى الجبلَ ينهدُّ هدّاً
وموسى يستغيثُ: أنا أوّلُ المؤمنين.
ثُمَّ رأى عَاداً وثَمُود
ورأى أصحابَ الأخدود
ورأى صحارى محمّد وأصحابه عند بدر
ثُمَّ رأى رأسَ الحسين
يُحْمَلُ فوقَ الرماح،
فوقَ خيولِ الخوَنَة
لِيُنقَلَ بين مدن الكَفَرَة الفَجَرَة.
3.
هكذا في دمعةٍ واحدة
أضاءتْ له الدنيا جميعاً.
فاحتارَ الشاعرُ كيفَ يبدأُ، كيفَ يقول
ثُمَّ رأى أن يصفَ المشهدَ ليس إلّا!
الزائر الأخير
1.
كانَ يجلسُ في الغرفةِ المُجاورة
شابٌّ أنيقٌ بثيابٍ سُود،
ينظرُ إلى السقف
بعينين فارغتين من أيّ شيء،
ويضعُ على ركبتيه
كتاباً على هيئةِ حقيبة
أو حقيبةً على هيئةِ كتاب.
حينَ ناداني
دخلتُ مُرتبكاً
كجُثّةٍ تسقطُ في البحر.
قالَ بلغةٍ مُبهمةٍ كلاماً عجيباً
وأشارَ إلى الكتابِ: الحقيبة،
فنظرتُ، وجدتُ فيها إناءً مكسوراً
(كدتُ أغرق بسببه في النهر).
ووجدتُ حجراً
(ضربني به غجريٌّ فأصابَ قلبي).
ووجدتُ فيها شفتين تضحكان بآلافِ القُبَل.
ووجدتُ كؤوساً من العشبِ والطينِ والجمر،
وحذاءً من الخمر،
وصوراً وتماثيل لأفخاذِ نساء،
ودموعاً بهيئةِ لؤلؤٍ وحروف،
وقصائد بكتْ واشتكتْ وادّعتْ.
وأخيراً أخرجَ لي نقطةً حملتْ
ألوانَ الفجرِ والمغيب.
حَمَلها بيده الصفراء المُرتجفة
دونَ أن ينبسَ ببنتِ شفة.
2.
مددتُ يدي لآخذَ النقطة
أعني الإناءَ، الحجر
الشفتين، الجمر
الكؤوسَ أو الأفخاذ
الحروفَ أو الدموع.
لم تصلْ يدي إلى أيّ شيء،
ولم يعطني الشابُ أيّ شيء.
كانَ ينظرُ إليّ بعينين فارغتين من أيّ شيء
وأنا أذوبُ من الخوف،
وأنا أنظرُ إلى النقطة
مدهوشاً بألوانِ الفجرِ والغروبِ فيها
كجثّةٍ تُلقى في البحر.
قصيدتي الجديدة
أعطيتُ قصيدتي الجديدة
بأصابع الارتباكِ والرغبة
إلى الحسناءِ الجالسةِ بجانبي في الباص.
قلتُ لها: ضعيها بين النهدين
لتتعرّفي إلى سرِّ القصيدة
ومعناها الأزليّ.
لم تأبه الحسناءُ لكلامي
وتشاغلتْ بحقيبتها الحمراء
وهاتفها الصغيرِ المليء بالمواعيد.
ثُمَّ أعطيتُ قصيدتي الجديدة
للطفلِ الذي يلعبُ في الحديقةِ العامّة.
قلتُ له: العبْ معها
ولكَ أن تصنعَ منها لُعَبَاً لا تنتهي
بألوان قوسِ قزحٍ لا حدّ لها.
فصرخَ الطفلُ باكياً
وولّى بعيداً.
ثُمَّ أعطيتُ القصيدةَ للنهر
قلتُ له: خذْها
إنّها ابنتكَ أيضاً،
أيّها الإله المُلقى على الأرض،
باركْ سرَّها
وتعرّفْ إلى معناها الأزليّ
أيّها الأزليّ.
لكنَّ النهرَ ظلَّ يحلمُ ويحلم
مُحدّقاً في الأقاصي البعيدة
دونَ أن يعيرَ كلامي انتباهاً.
وحدهُ الشرطيّ اقتربَ منّي
وصاحَ بصوتٍ أجشّ:
* ماذا في يدك؟
قلتُ: قصيدةٌ جديدة.
* فماذا تقولُ فيها؟
قلتُ: اقرأها لتتعرّفَ إلى سرِّها ومعناها.
فأخذَها منّي
ودخلَ غرفته السوداء،
دخلَ ليربطَ القصيدةَ إلى كرسيّ حديديّ
ويبدأ بجَلْدِها بسوطٍ طويل
ثُمَّ أخذَ يضربها بأخمصِ المسدس
على رأسِها
حتّى نزفت القصيدةُ حروفاً كثيرة
ونقاطاً أكثر
دونَ أن تعترفَ بسرِّها ومعناها.
القليل من التراب
1.
سيبقى القليلُ من الأكاذيب،
وترّهاتِ مدائح الشعراءِ للملوكِ الظَلَمَة،
وسخافاتِ الشعراءِ المُخنّثين والشاعراتِ السحاقيّات.
سيبقى القليلُ من مواعظ المُدرّسين المُرتشين والزوجات
الغبيّات،
والقليلُ من الأوامرِ الإداريّةِ بالتعيينِ والفصلِ والطرد،
والقليلُ من التقارير السرّيّة،
ومقالاتِ الشتمِ والتهديدِ والوعيد.
سيبقى القليلُ من بياناتِ النصرِ المُزيّفة،
ونياشين العسكرِ وأوسمتهم الملطَّخةِ بالدم.
سيبقى القليلُ من عظامِ العشاق
وقلوبهم التي حطّمها الفراق،
وسيبقى القليلُ من جمالِ الجميلات،
والقليلُ من العُري عندَ البحر وفوقَ السَّرير،
والقليلُ من الليلِ والفجرِ، والماءِ والهواء،
والقليلُ من الأحلامِ والدموعِ والهلْوَساتِ والكوابيس،
والقليلُ من صيحاتِ مُشجّعي كرةِ القدمِ ومُصارعةِ الثيران.
2.
سيبقى القليلُ من ذكرياتِ الطفولة،
وصورِ العيدِ غيرِ السعيد،
وأحلامِ البلوغِ ورسائل الحُبِّ وصورِ العائلة.
سيبقى القليلُ من صيحاتِ الأوركسترا،
والقليلُ من قصائد المللِ والعتابِ والانتظار،
والقليلُ من ملابسِ المُهرّجِ والطبّالِ والراقصة،
والقليلُ من دموعِ اللاجئين
ومراكبهم الصدئة التي تغرقُ كلّ يوم
في مُحيطاتِ الله.
3.
نعم،
كلُّ شيء سينقلبُ إلى تراب.
وسيبقى، أيضاً، القليلُ من التراب!
قصيدتي الأزليّة
1.
هكذا
أُلقيتُ
في الطوفان:
كانَ نوح يهيّئُ مركبه لوحَاً فَلَوحَاً
ويُدخلُ فيهِ من كلِّ زوجين اثنين.
كنتُ أصرخ:
يا رجلاً صالحاً،
يا رجلاً مُبحراً إلى الله
خذني معك.
وإذ لم يأبه نوح لصيحتي
تسلّلتُ إلى المركبِ: المعجزة.
وشاهدتُ مأثرةَ الحمامةِ والغُراب
بعدما صعدَ الموجُ بنا كالجبال،
حتّى إذا هدأت العاصفة
وقيلَ يا أرض ابلعي ماءكِ،
هبطَ الكلُّ من سفينةِ نوح
فرحين مُبَارَكين
إلّاي.
وثانيةً صرختُ بنوح:
يا رجلاً صالحاً،
يا رجلاً عادَ من طوفانه: الجلجلة.
قالَ نوح: مَن أنت؟
قلتُ: أنا الإنسان.
قالَ: مَن؟
قلتُ: أنا المؤمنُ الضّال.
قالَ: مَن؟
وتركني في المركبِ دهراً فدهراً
حتّى إذا غيّبَ الموتُ نوحاً،
تحرّكَ المركب
تحرّكَ بي وحدي
لأواجه طوفانَ عمري
في موجٍ كالجبال،
أنا الذي لا أعرفُ الملاحةَ والسباحة
وليسَ لديّ حمامة أو غُراب.
2.
هكذا
أُلقيتُ
في النار:
بعدما أضرمَ النارَ أهلُ أور
لإبراهيم وألقوه فيها،
انتبهوا إليّ.
كنتُ أغرقُ في الدمعِ من أجله.
قالوا: إنّه من أتباعه فألقوه في النارِ أيضاً.
هكذا
أُلقيتُ
في النارِ أيضاً.
وإذ كانت النارُ على إبراهيم برداً وسلاماً
فإنّها لم تكنْ لي
سوى نار من الألمِ والحقدِ والحرمان
اشْتَعَلتْ،
ولم تزلْ تشتعل فيَّ
في كلّ يوم،
هكذا إلى يوم يُبعَثون!
3.
هكذا
أُلقيتُ
في البئر:
ألقاني إخوتي
وعادوا إلى أبي عشاءً يبكون.
قالوا: يا أبانا قد أكلهُ الذئب.
فبكى أبي،
وكانَ شيخاً جليلاً،
حتّى اخضلّتْ لحيتُهُ بالأسى والحروف.
لكنّ السيّارة إذ وصلوا إلى البئر
ما قالوا: يا بشرى هذا غلام
بل قالوا: وا أسفاه هذا هُلام.
وتركوني في البئر
يمزّقني الظلامُ والخوفُ والانتظار.
4.
ربّما سأخرجُ من البئرِ يوم يُبعَثون
أو ربّما يوم يُقالُ للأرضِ: ابلعي ماءكِ.
فأخرجُ من مركبِ نوح
أو من نارِ إبراهيم،
وقد أكلني الرعب
ولَفَظَني الموج
وأطفأت المأساةُ عيوني.
شجرة الثعابين
1.
حينَ بدأتُ أحبو
ثُمَّ أخطو قليلاً قليلاً،
تسلّقتُ شجرةَ الطفولة
بعينين فرحتين
تتطلّعان إلى بهجةِ التفّاح
وفرحِ الموز.
كنتُ أصعدُ وأصعد
ودعواتُ جدّتي
تدفعني أعلى فأعلى.
لكن، على حينِ غرّةٍ، ماتتْ جدّتي.
فسقطتُ، وا أسفاه، من شجرةِ الطفولة.
2.
استمرَّ سقوطي عاماً فعاماً
ولم أصل إلى الأرض.
كنتُ خفيفاً كما يقولُ الحلم،
كنتُ خفيفاً بما يكفي
لأسقطَ على شجرةٍ ثانية،
تُدعى: شجرة الحُبّ.
تسلّقتُها بعينين فرحتين
تتطلّعان إلى لذّةِ التفّاح،
فالتفّاح فاكهة الحُبّ كما تقولُ الأسطورة.
لكن، على حين غرّة،
ضاعتْ حبيبتي
وقبلاتُ حبيبتي
ومواعيدُ حبيبتي.
فسقطتُ، وا حسرتاه، من شجرةِ الحُبّ.
3.
كنتُ أتوّقع أن يكونَ سقوطي مُدوّياً
لأنّ شجرةَ الحُبّ عالية كالجنّة
لكن رغم مرور السنين
لم أصل إلى الأرض.
ربّما لأنّني كنتُ سعيداً كما تقولُ الدعابة،
ربّما لأنّني كنتُ سعيداً بما يكفي
لأسقط على شجرةٍ ثالثة
تُدعى: شجرة الموت.
4.
هذي المرّة
كانَ الأمرُ خطيراً.
فشجرةُ الموتِ لا تحُبّ المزاح،
لا تحُبّ الطفولةَ ولا الحُبّ
لكنّها شجرة مُضحكة،
كانتْ طويلةً كجهنم
وساقها ملساء كجلدِ الأفاعي.
وليسَ هناكَ في الأعالي
من ثمرٍ مُلوّن
أتطلّعُ إليه بعينين فرحتين
وقلبٍ ساذج.
فشجرةُ الموت،
كما قيلَ لي،
مسكونة بالندم،
وقيلَ مسكونة بالملائكة،
وقيلَ بل بالأجراسِ السُود،
وقيلَ بل بالثعابين،
وقيل...
لكن من المُؤكّد
أنّني أتسلّقُها كلّ يوم
منذ سنين طويلة
وأنا في طريقي إلى الندم
أو إلى الملائكة
أو إلى الأجراسِ السُود
أو إلى الثعابين.
الغريب
1.
توقّفَ الغريبُ، عند النبع، وقت الغروب،
توقّفَ ليشربَ وحصانه الماء،
فوجدَ عيناً بشرية
ويداً بشرية
وقناعاً من الذهب
وبيضةً من الذهب
وكتاباً كبيراً.
2.
تأمّل الغريبُ طويلاً في ماءِ النبع
حتّى خاطبه النبع:
أيّها الغريب
اخترْ شيئاً واحداً ولا تزدْ
واعلمْ أنّ العينَ ستجعلكَ ترى الغيب،
واليد ستصنعُ منكَ المحاربَ الشجاع،
والقناع سيجعلُ النسوة
في كلّ زمانٍ ومكان
يتسابقن للقياك،
والبيضة ستصنعُ منكَ أثرى الأثرياء،
والكتاب سيجعلكَ الحكيمَ الأعظم.
ضحكَ الغريبُ من كلامِ النبع
حتّى اغرورقتْ عيناه بالدموع.
وقالَ له: شكراً أيّها النبع
لا أريدُ العينَ ولا اليد،
لا القناعَ ولا البيضةَ ولا الكتاب.
أنا الغريب،
لا أرضَ لي ولا هدف،
لا وجهةَ ولا رغبةَ ولا قرار.
جرّبتُ الحكمةَ والغيبَ والنساء
واللهو والغنى والحروب.
فلم أجدْ أيّ شيء يعينني
على عذابي المقيمِ وضياعي المكتوب.
ثُمَّ صمتَ الغريبُ طويلاً وقال:
أيّها النبع،
هل عندكَ دواء للسأم؟
* قالَ النبع: لا.
وهل عندكَ دواء للغربة؟
* قالَ النبع: لا.
وهل عندكَ دواء للموت؟
* قالَ النبع: لا.
فضحكَ الغريبُ ثانيةً
حتّى اغرورقتْ عيناهُ بالدموع.
3.
خجلَ النبعُ من كلامِ الغريب
وصارَ ماؤه يشحبُ شيئاً فشيئاً
حتّى أصبحَ،
بعد أربعين يوماً،
أثراً بعدَ عَين.
حُبّ
1.
حلمي كانَ الحُبّ
ولذا أردتُ لحرفي أن ينطقَ كلمةَ: حُبّ.
قبّلتُ شفته السفلى
كانَ الحرفُ صغيراً وجميلاً
وللتوّ عادَ من طفولته المليئةِ بالجمر.
قلتُ له: قلْ حُبّ.
فقالَ على الفور: حرّيّة!
ولذا ضعتُ لسنين لا حصر لها،
أتجلّى في طوفانِ الحرّيّةِ وزلازلها.
ثُمَّ قلتُ له: قلْ حُبّ.
فقالَ على الفور: حماقة!
ولذا ضعتُ لسنين لا حصر لها،
أتجلّى في كأسِ حماقاتِ الدنيا
درويشاً مَهووساً بقصصِ العشق،
وملاكاً مُصاباً بجذامِ الرغبة.
ثُمَّ قلتُ لحرفي:
ها قد أصبحتَ كبيراً.
أعني أصبحتَ من النضجِ بما يكفي
لتقول: حُبّ.
فقالَ على الفور: حرب!
ولذا ضعتُ ضياعاً أسْوَد أغبر
في حربِ الأجداد
وحربِ الأوغاد
وحربِ الأحقاد.
2.
حينَ خرجتُ من الحرب
أجرُّ هزيمتي النكراء،
كانتْ سنواتي قد تجاوزت السبعين.
ولم تعدْ عندي الرغبة أبداً
أن أسألَ حرفي شيئاً.
ومعَ ذلك،
قلتُ في لحظةِ عبثٍ ومجون:
قلْ حُبّ.
فقالَ على الفور: حقد!
فضحكتُ حتّى اخضلّتْ لحيتي بالدموع
ومن جديد: قلْ حُبّ.
أرجوك
تعبتُ حدّ اللعنة
من الحرّيّةِ والحماقةِ والحرب .
يا حرفي..
يا هذا..
هيّا..
قلْ حُبّ.
وبقيتُ كمجنونٍ أصرخُ في وجهه
حتّى متّ: قلْ حُبّ
حُبّ
حُبّ!
بغداد بثياب الدم
1.
تعبتْ بغداد من ثيابِ الدم.
تعبتْ وبكتْ.
وحينَ طلبتْ جرعةَ ماء،
أعطوها قنبلةً للموتِ وسيفاً للذبح.
وحينَ طلبتْ رغيفَ خبز،
أعطوها رمحاً من نار.
وحينَ طلبتْ شمساً،
صادوا شمسَ الله
حتّى لا تحضر يوماً ما
لشوارع بغداد.
2.
تعبتْ بغداد من ثيابِ الدم.
نزفتْ موتاً أحمرَ كجهنّم.
وحينَ أرسلتْ في طلبِ الطبيب،
قالوا لها:
الطبيبُ مشغولٌ بالخليفة،
والخليفةُ مُصابٌ منذ ألف سنة
بالمللِ التاريخيّ،
والمللِ الجغرافيّ،
والمللِ الروحيّ،
والمللِ الأمنيّ،
والمللِ الجنسيّ.
ولذا سيجيءُ إليكِ
بعدَ أن يُشفي الخليفة
من أنواعِ المللِ جميعاً!
فلا تبتئسي!
وحينَ نزفتْ بغداد
مِيتاتٍ أخرى لا حصر لها
في أزمنةٍ لا حصر لها،
قالوا:
عن أيّ طبيبٍ تتحدّثُ هذي المسكينة؟
3.
بغداد،
دماؤكِ سالتْ في الشارعِ للرائحِ والغادي.
كيفَ سيوقفها الفقراءُ العُزّل؟
بأيّ حروفٍ ودواءٍ وتعاويذ؟
كيف؟
وبغداد هاجمها كلُّ ذئابِ الكون،
نهشوا وجنتيها، شفتيها،
نهشوا ثدييها ويديها،
بالوا في دجلتها
حينَ رأوا دجلة
تتألقُ في الشَّمس.
وحينَ رأوا فيها مِئذنةَ الحرفِ الذهبيّة
تمتدُّ إلى ما شاءَ الله
مارسوا فنَّ التفخيخ،
وفنَّ القصف،
وفنَّ الرجم،
وفنَّ الذبح،
وفنَّ المكر،
وفنَّ التدليس.
4.
بغداد..
الحقدُ شديد.
نعم، والألمُ شديد.
والقتلى انتشروا دونَ رؤوس
في كلِّ مكانٍ من جسدِك.
والفقراء العُزّل
سقطوا من فوقِ الجسرِ ومن تحتِ الجسر،
وفي جامعةِ المستنصر بالله،
وفي مصطبةِ عمّالِ البابِ الشرقيّ،
وفي..
وفي..
فآهٍ، بغداد، وآه.
5.
لكنّكِ، يا بغداد،
ستقومين من الموت.
أعني ستقومين من الدم.
فباؤكِ باءُ الله
وألفكِ أشرفُ موجوداتِ الحرف
ودالكِ دالُ الدنيا والدين
وسرُّكِ سرُّ الحُبّ،
كلّ الحُبّ.
6.
نعم، يا بغداد،
ستضيئين الدنيا ثانيةً
بثيابِ الشَّمس
لا بثيابِ الدم،
فأنتِ العنقاءُ وأنتِ الشَّمس!
قصائد الرأس
1. كَرَم
*****
حينَ تدحرجَ الرأسُ المُثقلُ بشهوةِ الدم
ودخانِ الحروب
على الأرض.
قالت الأرض: ما أكرمكَ مِن رأس
أهدى إليَّ الملايين مِن الرؤوس!
2. سرّ الموت
**********
لم يكن الرأسُ طبيعيّاً.
كانَ سرُّ الموت
قد كُتِبَ ما بين عينيه
بسبعين لغة حيّة ومنقرضة،
وبسبعين واقعة
ليسَ لوقعتها كاذبة.
*
لم يكنْ طبيعيّاً أبداً.
حتّى الشِّعْر المليء بالثوراتِ وخروجِ الرايات
عجزَ عن وصفِ تدحرجِ الرأس،
الرأس الذي روّعَ الشعوب.
*
لم يكنْ طبيعيّاً بالمرّة
حتّى إبليس كانَ ينظرُ إليه
وهو يتدحرجُ أمامهُ على الأرض
دونَ أن يستطيعَ نطْقَ كلمة واحدة.
3. أين أنتِ أيّتها الأجوبة؟
****************
مِن المهمّ أن يتعرّف
مَن يريد أن يتعرّفَ إلى سرّه
في سرِّ هذا الرأس:
أن يعرفَ القتلى
كيفَ قُتِلوا ولِمَ،
وأن تعرفَ الكلمات
لِمَ سُحِقَتْ بالأقدام،
وأن تعرفَ الأيّام
كيفَ أُلقِيَتْ ساعاتها الجميلة
في حامضِ الكبريتيك،
وأن تعرفَ المرأة
كيفَ اقتيدَ حبيبها إلى ساحةِ الحرب،
وأن تعرفَ الحرب
لِمَ أُصيبَتْ بالسمنةِ المفرطة
في زمنه الذي ابتلعَ الأنهارَ والطيور،
وأن تعرفَ الطيور
لِمَ بيعَ بيضها المُلوَّن
بدراهم معدودة
ثُمَّ أُلقِيَت الدراهمُ في المزبلة،
وأن تعرفَ الروح
كيفَ سُرِقَتْ منها في وضحِ النهار
حقيبةُ البهجةِ والمسرّة،
حقيبةُ النقاطِ والحروف،
ثُمَّ أُلقيتْ في المستنقعِ النتن.
4. مشهد أخير
**********
حينَ تدحرجَ الرأسُ المُثقلُ بشهوةِ الدم
ودخانِ الحروب
على الأرض.
قامَ الشهداءُ من رقدتهم،
وقامَ القتلى والغرقى والمفقودون،
والمعذَّبون والمشوَّهون والمنفيّون،
ثُمَّ قامت الملائكةُ والجنّ
وجهنّم والجحيم،
ثُمَّ قامَ الأنبياءُ والأولياء
ثُمَّ قامت السماء
ثُمَّ قامَ حَمَلةُ العرش.
*
استمرَّ الرأسُ يتدحرج
على الأرض
إلى أبد الآبدين!
شجرة الحروف
1.
ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم
أو بهذا المعنى.
ولذا أنبتُّ هيكلي العظميّ في الصحراء
وألبستهُ قبّعةَ الحلم
وحذاءَ طفولتي الأحمر
وعلّقتُ عليه
طيوراً ملوّنةً اتخذتْ شكلَ النون
ثُمَّ وضعتُ عليه
بيضةً صفراء كبيرة
اسمها النقطة!
2.
ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم
أو بهذا المعنى.
حينَ هبطتُ من المركبِ الأسْوَد الطويل
رأيتُ الناسَ يحملون أشجاراً:
بعضهم يحملُ شجرةَ الذهب
أو شجرةَ اللذّة
أو شجرةَ الدم.
والآخَر يحملُ شجرةَ النسيان
أو شجرةَ الكحول
أو شجرةَ النار.
فمددتُ يدي في قلبي مُرتبكاً
وأخرجتُ شجرةً صغيرةً جدّاً
مليئةً بالشَّمس
سمّيتُها شجرةَ الحروف!
3.
ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم
أو بهذا المعنى
لكن حدثَ أن سُجِنتُ مدى الحياة
ولكي أبدّدَ الوقتَ في سجني الأبديّ،
زرعتُ شجرةً صغيرةً جدّاً
في الصحنِ المعدني العتيقِ الذي يضع
فيه السجّانون طعامي.
فَنَمت الشجرةُ عاماً فعاماً
حتّى أثمرتْ جيماً مليئةً بالطلاسم
وصيحاتِ الدمِ والحروب
ونوناً مليئةً بآهاتِ العشق
وريشِ المحبّة
ونقطةً قيل إنّها نقطة العارفين.
4.
ليسَ هناك مِن شجرةٍ بهذا الاسم
أو بهذا المعنى.
في المركبِ العجيب
أبحرَ جمعٌ مِن الغرباءِ المنفيين،
مِن المتوحّشين والمجانين وأشباه المجانين
ليتيهوا وسطَ البحر.
فقالَ الأولُ: سنصلُ إلى الشاطئ
حينَ نرى شجرةَ التفّاح.
وقالَ الثاني: حينَ نرى شجرةَ الدنانير.
وقالَ الثالثُ: حينَ نرى شجرةَ الطيور.
وقالَ الرابعُ: حينَ نرى شجرةَ النساء.
ثُمَّ وصلَ الدورُ إليّ
فقلتُ: سنصلُ إلى الشاطئ
حينَ نرى شجرةَ الحروف.
*
حينَ وصلنا إلى الشاطئ
استقبلنا ملكٌ ضخمُ الجثّة،
حادُّ النظراتِ، مُخيفٌ كاللعنة.
فأعطى الغريبَ الأوّلَ تفّاحة
وأعطى الثاني ديناراً
وأعطى الثالثَ طائراً
وأعطى الرابعَ امرأةً.
ثُمَّ وصلَ الدورُ إليّ
فتجهّمَ وجهُ الملكِ وصاح:
يا سيّاف اقطعْ عنقه!
*
حينَ تدحرجَ رأسي على الشاطئ
وسطَ صهيلِ الغرباءِ المنفيين،
بزغتْ من دمي المتناثرِ على الأرض
شجرةٌ مليئةٌ بالنورِ والسرور.
أتراها شجرة الحروف؟
إبحار
1.
كلّما اتجهَ الحرفُ نحو نَفْسه
حاملاً صرّةَ ملابسه،
واضعاً الشَّمسَ حلماً يتألقُ في عينيه،
راكباً حافلةَ المسرّة
باتجاهِ فراتِ المسرّة،
وَجَدَ بانتظاره نقطةً غامضة
مليئةً بالشوقِ والندمِ والألم.
2.
كلّما أبحرَ باتجاه الصحارى
عابراً خيامَ البدو ونارهم وكلابهم
أو أبحرَ باتجاه السَّحَرَة
عابراً طقوسهم وطلاسمهم وبخورهم
أو أبحرَ باتجاه السماء
عابراً طقوسَ المتصوِّفة
ودموعهم وصيحاتهم وشطحاتهم
أو أبحرَ باتجاه المُحيط
عابراً شمسَ اللهِ وسفنه وكواكبه
أو أبحرَ باتجاه اللغة
عابراً كتبَ العشقِ والموتِ والشعوذة
أو أبحرَ باتجاه الخرافة
عابراً قصصَ العجائز التي تنامُ وقت الغروب،
كلّما أبحرَ باتجاه الأساطير
عابراً كلكامش وأنكيدو والأفعى التي سرقت السرّ،
عابراً الثيران المجنّحةَ وأهرامَ الفراعنة
أو أبحرَ باتجاه النار
عابراً طيورَ الرغبةِ وبيضَ اللذّة
أو أبحرَ باتجاه اللعنة
عابراً بيوتَ النساءِ بأشكالها
المليئة بالعُري والمرايا والظلام
أو أبحرَ باتجاه الشيطان
عابراً وشْمَه وشينه وشطآنه
أو أبحرَ باتجاه الماضي
عابراً صيحاته وسكاكينه التي أكلها الصدأ
أو أبحرَ باتجاه العبث
عابراً تاريخه الذي لا ينتهي عند حدّ،
كلّما أبحرَ الحرفُ باتجاه الذي أو التي أو الذين
وَجَدَ بانتظاره نقطةً غامضة
مليئةً بالشوقِ والندمِ والألم،
وَجَدَ، وا أسفاه، نقطةَ دم!
التباس نونيّ
هذه ليست النون،
هذه بدايةٌ مُقدَّسةٌ للنون.
هذا سطوعٌ روحيّ
وحُبٌّ جارفٌ كالشلّال
كاحتواءِ الهلالِ لنقطةِ النون.
هذه بدايةٌ سعيدة
لشاعرٍ مجنونٍ كما يُفترض
وامرأةٍ ذات قلب حجريّ تُدعى النون.
هذا خطٌّ يُعبَد
والمؤمنون يرقصون عُراةً حولَ النقطة
وربّما حولَ الهلال
وربّما حولَ النون.
هذا منفى بهيج
وأناسٌ مُتجهّمون
وبواخرُ تغرق
ومُنشدون يصدحون
وموسيقى تهبطُ وسطَ رفيفِ الملائكة
حولَ تمثال شمعيّ كبير لشاعرِ النون.
هذه مدنٌ تتشابهُ كالموت
ولصوصٌ يبتهجون بسرقةِ النهار،
أعني كنز النهار.
ربّما هم النونيّون
ربّما هم مقلّدو النون.
هذه نونٌ بلغةٍ أخرى توحي بالرفض
في حين يوحي الهلالُ بالقبول
والنقطةُ بالمثول.
هذه قصيدةٌ غريبة
تشبهُ جزيرةً تغرقُ في البحر:
بحرِ ذي النون.
هذه هي النقطة
أعني هذا هو الهلال:
هلالُ البحرِ وهلالُ السماء.
هذه هي النون!
تحوّلات
حين قبّلتُكِ لأوّل مرّة،
نبتتْ في بطنكِ الجميلِ وردةٌ حمراء.
وحين قبّلتُكِ الثانية،
حلّقَ طائرٌ أبْيَض فوقَ جسدينا العاريين.
وحين قبّلتُكِ الثالثة،
هاجتْ عاصفةٌ زرقاء.
وحين قبّلتُكِ الرابعة،
سقطتْ علينا صاعقةٌ لا شرقيّةٌ ولا غربيّة
وأحرقتْ جسدينا الفَرِحَين،
فذهبتِ أنتِ وردةً حمراء إلى الحياة
وذهبتُ أنا طائراً أبْيَض إلى الموت.
قصيدتي الصَّبيّة
1.
وضعت القصيدةُ رأسَها ما بين ركبتيها
وبكتْ كأيّ صَبيّة.
فكّرتْ: كيفَ ستعلنُ عن أسرارها؟
هل سَتُمجّدُ البحر؟
سوفَ تُتَّهم بالطبيعيّة!
هل سَتُمجّدُ النار؟
سوفَ تُتَّهمُ بالمجوسيّة!
هل سَتُمجّدُ الحُبَّ: أقماره وغواياته؟
سوفَ تُتَّهمُ بالإباحيّة!
هل سَتُمجّدُ الحرف
وترقصُ في سحره كالدراويش؟
سوفَ تُتَّهم بالحروفيّة!
هل سَتُمجّدُ الشرّ؟
سوفَ تُتَّهم بالشذوذ!
هل سَتُمجّدُ الله؟
سوفَ تُتَّهم بالتصوّف!
2.
ما الذي ستفعلهُ هذه الصَّبيّة؟
لم تكنْ تعرف شيئاً سوى الدمع.
وضعتْ رأسَها ما بين ركبتيها
وبكتْ من جديد!
3.
استمرَّ بكاءُ القصيدةِ ألفَ عام
حتّى تحوّلتْ إلى ملاكٍ عجيب
طارَ فوقَ البحرِ
والنار،
طارَ فوقَ الحُبِّ: أقماره وغواياته،
طارَ فوقَ الحرفِ راقصاً كالدراويش،
طارَ فوقَ الشرِّ والحقد،
طارَ فوقَ المحبّة.
4.
استمرَّ صعودُ القصيدةِ ألفَ عام.
وكانَ الذي قالَ: (كنْ فيكون)
ينظرُ إليها سعيداً،
سعيداً تماماً
مثلما أمّ موسى
وقد رُدَّ إليها ابنُها
بعدما كادَ يغيّبهُ البحرُ والدهر
إلى يوم يُبْعَثون!
ارتباك
إلى: سعيد الغانمي
1.
* قالَ الشاعرُ: مَن سيكتبُ قصيدتي؟
- قالَ الحرفُ: أنا.
* ومَن سيطلقُ أسرارَها للناس؟
- قالت النقطةُ: أنا.
جاءَ القَدَر
ومسحَ الحرفَ والنقطة
مِن شاشةِ المعنى.
فجلسَ الشاعرُ مذهولاً العمر كلّه
مثل صخرة كبيرة
مُلقاة على شاطئ البحر.
2.
* قالَ الطفلُ: مَن سيأخذني إلى حضنِ أمّي؟
- قالَ الحرفُ: أنا.
* ومَن سيشتري لي لعبةَ العيد؟
- قالت النقطةُ: أنا.
جاءت المأساة
فمسحت الحرفَ والنقطة
مِن شاشةِ المسرّة.
وتركت الطفلَ يبكي الليل كلّه
كشحّاذٍ ينامُ في شارعِ الثلجِ والمطر.
3.
* قالت الشَّمسُ: مَن سيُنبِتُ لي جناحين لأشرِق؟
- قالَ الحرفُ: أنا.
* ومَن سيمنحني القوّةَ لأطيرَ إلى الناس؟
- قالت النقطةُ: أنا.
جاءَ العبث
ومسحَ الحرفَ والنقطة
مِن شاشةِ الحياة.
فجلست الشَّمسُ وهي تقلّبُ كفّيها
في وجومٍ عظيم.
4.
* قالَ الشيخُ وهو بين يدي الموت:
مَن سيحفرُ قبري؟
- قالَ الحرفُ: أنا.
* ومَن سيصلّي عليّ؟
- قالت النقطةُ: أنا.
جاءَ الشيطان
ومسحَ الحرفَ والنقطة
مِن شاشةِ الوجود.
فجلسَ الشيخُ مُرتبكاً
لا يعرفُ كيفَ يموت!
القبطان
حينَ سحبتُ كارتَ الملكة
من على طاولةِ اللعب،
طعنَ القبطانُ ذو الفم البشع
والإصبع الوحيد
كفّي بالسكّين.
فتوقّفتُ عن اللعبِ إلى الأبد.
وصرتُ أحضرُ الحفلَ فقط
لأرى اللاعبين يصرخون ويسكرون
ويشتمُ بعضهم بعضاً
ويدخّنون أو يبكون.
وحينَ أصابُ بالملل
(وكثيراً ما أصابُ بالملل)
أبدّدُ الوقتَ بالنظرِ عبرَ النافذة
إلى النهرِ المُجاور،
إلى النهرِ الراكدِ المُجاور،
لأرى صورةَ القمر
تتكسّرُ بهدوءٍ على الماء
حينَ يمرُّ المركبُ الأسْوَدُ الطويل
يقودهُ، كذلك، القبطانُ ذو الفم البشع
والإصبع الوحيد!
رغبات
تريدُ الشَّمسُ أن تسهرَ الليلة
في نادي الكواكبِ والنجوم
لكنّها تخاف أن تتأخر
ولا تشرق غداً في موعدها المُحدّد.
يريدُ القمرُ أن يحلّقَ عالياً
ويخرج من مداره المرسوم
لكنّه يخاف أن يقعَ في الثقوبِ السُود.
يريدُ العاشقُ أن يستحضرَ حبيبته
من غياهب النسيان
لكنّه يخاف حينَ تجيء،
أن يجيء معها الماضي
وأشباحه وسكاكينه المتوامضة وسطَ الظلام.
يريدُ النهرُ أن يعودَ لأهله
لكنّه يخاف من اللصوص،
اللصوص الذين وقفوا له بالمرصاد
عند حدود الطبيعة.
يريدُ الشاعرُ أن يكتبَ قصيدته الجديدة
لكنّه يخاف أن يكونَ ثمنها
كفّه التي لا تجيدُ إلّا المحبّة
ورأسه الذي يعيشُ بشغفٍ
عزلةَ العارفين.
اكتشافات الحرف
1.
حينَ قبّلَ الحرفُ النقطة
اكتشفَ الوردة
وحينَ احتضنها بقوّة
اكتشفَ الحُبّ.
وحينَ أطلقها لتطيرَ فوقَ قلبه
اكتشفَ الهذيان.
وحينَ صهرها ما بين ذراعيه
اكتشفَ اللذّة.
2.
وحينَ وضعها تحتَ جسده
وصارَ هو الشراع
وهي السفينة
اكتشفَ البحر.
وحينَ باحَ لها بسرّه المكنون
اكتشفَ الشِّعْر.
وحينَ علّقها فوقَ الشجرة
اكتشفَ البيضة.
وحينَ اعترفَ لها
كالطفلِ الذي ضيّعَ حقيبته المدرسيّة
بذنوبه ووساوسه وهلْوَساته
اكتشفَ الدمعة.
3.
وحينَ صرخَ بها
في لحظةِ فراقٍ سوداء
اكتشفَ النهاية.
وحينَ رفسَها
في لحظةِ غضبٍ زرقاء
اكتشفَ الجنون
ثُمَّ حينَ طعنها
وسالَ منها دمُ الكلمات
اكتشفَ الموت
ومات!
في تلك اللحظة
1.
حينَ بدأ يرمي حروفه
الواحد تلو الآخر في النار.
كانتْ عيناه تشعّان
بوميضٍ غريب،
وميض من البهجةِ والألمِ والخُسْران.
كانت النار
تصّاعدُ شيئاً فشيئاً
حتّى تكاد تصل إلى السقف.
لا يهمّ
- قالَ في سرّه -
لا يهمّ.
كلُّ شيء سينتهي ذات يوم
كما انتهتْ هذه الحروف!
2.
استمرَّ برمي الحروف في النار
كلّ ليلة
مغيّراً في مكانِ النار:
مَرّةً في الغرفةِ المُطلّة على الجحيم،
مَرّةً في الحديقةِ المُطلّةِ على رمادِ الخريف،
مَرّةً في فناءِ الدارِ المُطلِّ على ربيعِ الحشرات،
مَرّةً في الوطنِ المُطلِّ على مسرحيّةِ العبث،
مَرّةً في النهرِ المُطلِّ على حذاءِ الطفولةِ الأحمر،
مَرّةً في البحرِ المُطلِّ على احتفالاتِ التعرّي،
مَرّةً في أجسادِ النساءِ المُطلّةِ على اللذّة،
مَرّةً في المقبرةِ المُطلّةِ على الندمِ والعظام.
3.
بعدَ أربعين عاماً من الحريق،
لم تعدْ أصابعُهُ تقوى على رمي الحروف
ولم يبقَ لديه مكان لإشعالِ الحرائق.
في تلك اللحظة،
في تلك اللحظة فقط،
عرفَ قيمةَ الكتابة
وبدأ يكتبُ الشِّعْر
حرفاً فآخر!
ممتع، غريب، مدهش!
1.
* ما اسمكَ أيّها الشاعر؟
- اسمي الطائر.
* وبعد؟
- السمكة.
* السمكة؟
- نعم.
* ذلك مُمتع!
2.
* ما لون البحر أيّها الشاعر؟
- السفنُ والنساء.
* وما لون الحرّيّة؟
- الخبزُ والملح.
* الخبزُ والملح؟
- نعم.
* ذلك طريف!
3.
* وكيفَ تكتب؟
- أدخلُ في الحرف،
أتمنطقُ بسرِّ الحرف،
أبكي، أتأمّلُ، أغفو،
أحلمُ، أهذي، أرقصُ، وأموت.
* وتموت؟
- نعم.
* ذلك مُحزن!
4.
* والنقطة، كيفَ تصفُ النقطة؟
- النقطة أمّي وأبي.
* وإذنْ، قضيتَ طفولتكَ معها؟
- وقضيتُ صباي وشبابي ودهري الأعمى.
* هل كنتَ سعيداً؟
- نعم،
إذ عشتُ وسطَ النقطةِ كالسمكة.
وكانت النقطةُ بحراً يمتدُّ ويمتدّ
إلى ما شاءَ الله.
* وهل رأيتَ الله؟
- لا.
* لِمَ؟
- لأنّ الله في قلبي شمس تتكلّم.
* الله شمس تتكلّمُ في قلبك؟
- نعم.
* ذلك غريب!
5.
* حسناً، وكيفَ ستموت؟
- إذا تاهَ الطائرُ في أرضِ الله.
* وبعد؟
- إذا تاهت السمكةُ في بحرِ الله.
* وبعد؟
- إذا التقطَ الطائرُ السمكة.
* ذلك مُدهش!
اعتراف ملك الحروف
1.
في خطأ لا يُغْتَفَر
حوّلتُ النون
أو نقطةَ النونِ على الأدق
إلى ملكةٍ جديدة
لا يحقُّ لها أن تخرجَ معي
عاريةً في الاحتفالات،
ولا تقاسمني سريري
عندَ فيضان عواطفي ورغباتي،
ولا تكلّمني حينَ أصدحُ بالنشيد:
نشيد الجنّ والشياطين،
ولا تتعرّى أمامي
حينَ أتعرّى أمامَ حروفي
لأوزّعَ عليها هبات المعاني،
ولا تتعرّى أمامي
حينَ تتعرّى حروفي أمامي
لتوزّعَ عليّ كؤوسَ الأمل.
2.
كانَ خطأ لا يُغْتَفَر!
أعترفُ بذلكَ أمامَ الجميع.
نعم،
كانَ خطأ من العيارِ الثقيل!
احتفال حروفيّ
1.
حينَ اجتمعنا عند نهر الفراتِ المُقدَّس
لنشربَ نخبَ اللغة.
كانَ النهارُ جميلاً
والشَّمسُ لم تُلَوّثْ بعد بالدم
أو بغُبارِ الحروب.
2.
في غمرةِ الاحتفال
اقترحت الجيمُ أو النون
أن نطيّرَ نقاطنا في الهواء.
فصارَ لزاماً ونحن في بهجةٍ لا تُحدّ،
صارَ لزاماً على كلّ حرف
أن يطيّرَ نقطتَه
في حبورٍ جنونيّ
وَسُكْرٍ مُقدَّس!
3.
طارت نقاطُ الحروف
عالياً
عالياً
كطيورِ النوارس،
كحماماتِ السلام،
كبلابل الصيف،
كعصافير الرغبة،
كفراشاتِ الطفولة.
4.
فجأةً
مزّقت السماءَ قذيفةُ دم.
5.
لكنّ النقاط لم تعدْ لأحرفِها
لم تعدْ!
فبكت الجيمُ محنتَها
وصاحتْ بوجهي:
إنّني مُرتبكة مثل جُثّة
أيّها الألف الذي لا نقطة فيه ولا معنى!
وصاحت النون:
وا أسفاه
سأبقى مثل ذراعين تائهتين
دونَ نقطةٍ أعشقُها وأعبدُها كلّ يوم.
6.
كثيراً
بكيتُ كثيراً لبكاءِ الحروف.
ونظرتُ للشمس
فإذا هي نقطة من دخان!
شطحات النقطة
1.
أدافعُ
عن حرفٍ ليسَ لي.
أدافعُ عن نونٍ لها ما لها
وعن جيمٍ تقودُ طفولتي
نحو فراتٍ من السكاكين
وعن شين مُقدَّسةٍ من تراب.
2.
أخذوا النونَ واستووا عليها
فكانتْ لهم مركباً طيّباً
ولي سندباد خوفٍ ونارٍ وموجٍ وتيه.
وأخذوا الجيم
واغتالوا شبابها في توابيت من خمر
وتوابيت تنضحُ ماءً
يمرُّ من تحتِ قدميّ المذعورتين.
وأخذوا الشين
صارتْ بأيديهم أساطير من ذهب
ودَوَلاً من سوادٍ وخوف.
وتبادلوا الدورَ مع مَن حُمِلَ رأسي إليه
فقالوا وهم يذرفون الدموع:
باِسمكَ أيّها الرأسُ المثقلُ بالأسى والحروف
نؤسسُ مملكةً للحتوف.
سنرقصُ فيها على الطبل
ونترككَ في عطشٍ ترتجف،
في جلالٍ ونورٍ تموت.
3.
كيفَ لي أن أدافعَ عن حرفٍ ليسَ لي
ونخلةٍ لم أعدْ أجلس تحتَ سعفاتها؟
كيفَ لي أن أدافع
عن زمنٍ أزرق له عُريه الذهبيّ
وناره السوداء؟
عن زمنٍ ليسَ يعرفني،
ليسَ يعرف أحداً أبداً؟
كيفَ لي أن أدافع
عن ملحمةٍ لها شاعرها الذكيّ الدعيّ
وكتابٍ له مؤلفه اللوذعيّ؟
4.
أدافع؟
كيفَ أدافعُ عن أبجديتي
وأنا الذي رماني السَّحَرَةُ بلوحٍ من النار
ورماني الغجرُ بحجارةٍ من سجّيل
ورماني الرماةُ بسهمٍ من الحقد؟
كيفَ لي،
بعدَ هذا جميعاً،
أن أدافعَ عن حرفي
وأمنحه ماءَ قلبي وشمسَ كينونتي؟
حلم
1.
كانتْ باحةُ الحلمِ غامضةً
مُتْرَبة
حينَ حطّتْ فيها نقطةٌ كبيرة.
رقصتْ حولَ عقربي الساعة
فتحرّكا بعدَ قرون من الصدأ
ثُمَّ ضربتْ بجناحيها الناعمين عصا المايسترو
فبدأت الموسيقى تندلقُ على الأرض.
استفاقت المرأتان العاريتان من نومهما الطويل
وقبّلتْ إحداهما الأخرى
وبدأتا في الرقص.
2.
طارت النقطةُ بعيداً.
كانَ بانتظارها قطارٌ أسْوَد طويل
وسككٌ بِيض
وإشارةُ سيرٍ مُلوّنة.
ضربت النقطةُ بجناحيها الناعمين إشارةَ السير
فصهلَ قطارُ الكلامِ صهيلاً جميلاً،
وصعدَ البخارُ من منخريه
قليلاً قليلاً
حتّى هبطَ من بابِ القطار
حرفٌ بملامح قاسية
وأناقةٍ مُفرطة
وشاربٍ كثّ
وكتابٍ ثمين
ولسانٍ طويل.
3.
رجعت النقطةُ فَرحةً لترى المرأتين
ترقصان بسعادةٍ ولذّةٍ وعذوبة.
لكنّ الحرفَ القاسي التقطَ النقطة
بلسانه الطويل الطويل.
فتوقّفَ، على الفور، عقربا الساعة
ويبستْ أمواجُ الموسيقى
ثُمَّ أخرجَ الحرفُ النقطةَ من لسانه
ووضعها في كتابه العجيب،
في كتابه الثمين الذي يحتوي
على أكثر من نقطةٍ ميّتة.
4.
مرّتْ لحظاتٌ ثقيلة
أثقلُ من الصخر
لتتوقّفَ بعدها المرأتان العاريتان عن الرقص
ويدخل كلُّ شيء في غيبوبةِ الموت.
صَبيّ
1.
في الشارعِ المليء بالعماراتِ العالية
هبطَ الطائرُ العملاق.
هبطَ حتّى لامسَ الأرضَ فهربَ الجمهور،
هبطَ وسطَ دوّامةٍ من الريح.
كانَ قويّاً
يطيرُ بلونٍ أسْوَد،
يطيرُ بجناحين ثابتين من الحديد.
صرخَ الجمهورُ وولّى بعيداً.
لكنّي اقتربتُ من الطائر
- كنتُ صَبيّاً بمعنى الكلمة -
لأمسكَ بيدٍ واحدةٍ بجناحِ الطائر
فارتفعَ بي قليلاً
لأسقطَ، مِن ثمَّ، على الأرض
وسطَ ضحكاتِ الجمهور.
2.
ها أنذا أعودُ إلى المكانِ ذاته:
الشارعِ المليء بالعماراتِ العالية.
لم أجد الطائرَ العملاق،
لم أجد حتّى اسمَ الطائر،
لم أجد الجمهور،
لم أجد حتّى
ذلك الصَّبيّ الذي هو أنا.
فارتسمَ خيطٌ من الأسى
على وجهي
وخيطٌ من الدهشة
وأنا أرفعُ يدي
- مثلما فعلتُ قبلَ نصف قرن -
لأمسكَ بجناحِ الطائر،
الطائر الذي أعلمُ علمَ اليقين
أن لا وجودَ له أبداً.
أحجار
يوماً ما
قرّرَ أن يذهبَ إليها
لم يعدْ يحتمل سكاكين الفراق
وطعنات الرغبة.
وحينَ دقَّ على شبّاكِها المُطلِّ على الشارع
لم تفتحْ له.
فذهبَ إلى الباب
وهمسَ بِاسمها الرقيق
فلم تفتحْ له.
حينها رجعَ إلى الشبّاكِ المُظلم.
فصارت الأحجار تُرمى على ظهره
حجراً إثر حجر
وهو يدقّ
والأحجار تزدادُ وتزداد
لتغطّي ظهره وساقيه وقدميه
شيئاً فشيئاً
وهو يدقّ ويدقّ
حتّى اختفى خلفَ كومةٍ من الأحجار.
الحرف يتشظّى، النقطة تتدروش!
1.
في كينونتي،
أعني في ارتباكي الكبير،
ثمّة حرف
وثمّة نقطة.
2.
حرفي تشظّى
منذ أن تعرّفتُ على طفولتي
راحلةً نحو شمس الخيانة والنحاس.
وتفحّمَ في مراهقتي التي قضيتها
أترقّبُ فجرَ جسدِك
مجنوناً قربَ الشبابيك،
وحيداً وسطَ الغرفِ المظلمة
حيث ينتهي الرأسُ بين الركبتين
مستسلماً بحرقةٍ للدموع.
حرفي تاه
وسطَ كؤوس الخمرِ والدخان
حتّى أدمنَ صيحاتِ البحر
وصيحاتِ نوارسِ البحر.
لكنّ نقطتي
نهضتْ من جنونها اليوميّ
نهضتْ لتتدروشَ وتتصوّف.
3.
وإذن، سأدعوكِ حبيبتي
وصاحبة صباي العجيب،
صاحبة القلبِ الفتيّ الذي سُرِقَ منّي
في وضحِ النهار
ووسط صياحِ الباعة،
صاحبة الشفتين الرطبتين
كتينةٍ مَشْقُوقة،
صاحبة الأغنياتِ الساذجة
كموعدِ حُبّ أخرق.
سأدعوكِ
نعم،
لكن إلى أين؟
أإلى حرفي المُتشظّي
أم إلى نقطتي المتدروشة؟
4.
نعم،
سأدعوكِ إلى حرفي.
أعني سأدعوكِ إلى الحاء:
حاء الحرّيّةِ والحنينِ والحُبّ،
إن كانَ اسمكِ يتماهى مُحترقاً بالحاء.
وسأدعوكِ إلى نقطتي.
أعني سأدعوكِ إلى نقطةِ النوالِ والنونِ والبسملة،
إن كانَ اسمكِ يتماهى مُحترقاً
بنقطةِ البدءِ والمنتهى.
5.
أشكُّ أنّكِ ستلبّين الدعوة
لتخفّفي من ارتباكي الكبير.
لأنّ اسمَكِ
رغمَ جبروته وعنفوانه وسذاجته الفادحة
لم يحترقْ بالحُبّ كما ينبغي
حتّى تذروه النارُ هشيماً،
ولم يشتعلْ بالنقطة
حتّى تذروه الأبجديّة
طائراً من نور.
أشكُّ أنّكِ ستلبّين الدعوة،
أشكُّ كثيراً
لأنّني أعرف
أنّ إصابتي بداءِ الارتباك
لا شفاء منها أبداً.
رسالة الحرف إلى حبيبته النقطة
حبيبتي:
أيّتها النقطة،
أيّتها الحمامة،
أّيّتها الصخرة المُلقاة على حافةِ النهر،
أيّتها الوردة الطيّبة،
أيّتها الابتسامة اللذيذة كقيمرِ الصباح،
أيّتها الدمعة: اللؤلؤة،
كيفَ أجدُكِ الليلة؟
بحثتُ عنكِ طويلاً طويلاً
في كتبِ اللغة،
ودواوين العشقِ والوصال،
وفي معجزاتِ الأنبياءِ والأولياء،
وفي قصصِ الغرقى والمُشرّدين والأدعياء.
بحثتُ عنكِ في الشوارعِ الخلفيّة،
والبيوتِ المظلمة،
وعلى موائد الضائعاتِ واللئامِ والأيتام.
بحثتُ عنكِ
في شواطئ البحرِ الأسودِ والأصفرِ والأحمر،
وضفافِ الأنهارِ الحيّةِ والمنقرضة،
وفي أجنحةِ الملائكةِ المُنزَلين،
وفي قماقم الجنِّ المحبوسين،
وفي وحشةِ الجبالِ والعزلةِ والينابيع.
بحثتُ عنك
في أدويةِ الأطبّاء،
وإشاراتِ السَّحَرَة،
وطلاسم المُشعوذين.
بحثتُ عنك
في أمواجِ اللوحات،
وفي زرقةِ المعابدِ والجسورِ والحانات،
وفي وجعِ الليلِ والفجرِ والنهار.
نعم،
يا حبيبتي
بحثتُ حتّى وهنَ العظمُ منّي
واشتعلت الروح
لكنّ الأملَ لم يزلْ على قيد الأمل
رغمَ بريق الصواعق
وزلزلة الأمطار
وصيحات السكاكين،
الأمل الذي يغنّي لي كلّ ليلة:
ربّما سأجدُكِ أيّتها النقطة
ذات ليلة،
ربّما سأجدُ أثرَك،
وربّما ستجدين بقاياي!
هبوط
قالت النقطة:
أيّها الحرف
إنّكَ بحر عجيب،
وملك مُطَارَد،
وساحر يأكلُ قلبه كلَّ شيء،
وطفل أضاعَ دربَه في الوديانِ السحيقة،
وإله رحيم لكنّ أتباعه القساة والقَتَلة،
وشاعر أعمى
مَهووس بالجنسِ والنارِ والموت.
سكتت النقطة.
فنزلتْ دمعتان من عيني الحرف
ونظرَ إلى يديه
فهبطَ منهما البحر،
وهبطَ الملكُ من البحر،
وهبطَ الساحرُ من مركبِ الملك،
وهبطَ الطفلُ من جناحي الساحر،
ثُمَّ هبطَ الإلهُ من غيمته
ليقودَ الشاعرَ الأعمى
وهو يمشي مُرتبكاً
وسطَ القساة والقَتَلة
يمشي ولسانه رطبٌ أبداً
بالغناءِ والدعاءِ والهذيان.
طائر النقطة
1.
في صباحٍ عجيب
هبطتُ في بلادِ الكنغر
وهبطتْ معي نقطتي مضيئةً سوداء
وحرفي طائراً من أنين.
هبطتُ أحملهما بكفّي مسروراً
أحملهما كأيّ كائنٍ خرافيّ
ظنّ أنّه وصلَ الجنّة.
2.
مثل هذه البداية: الخطأ
ستقود، حتماً، إلى النهاية: الخطأ.
هكذا قالَ الفلاسفة
وما كذبوا!
3.
كيف؟
أنا لم أهبطْ في بلادِ الكنغر
ومعي حرفي ونقطتي
بل هبطتُ في بلادِ الجَمَل.
ثُمَّ إنّ نقطتي لم تكن معي
لأنّني حينَ نزلتُ إلى الأرض
مختبئاً تحتَ صرختي الأولى
طارتْ نقطتي عالياً.
وقيل إنّها طارتْ
حينَ بلغتُ سنَّ البلوغ.
ثُمَّ إنّ حرفي
كانَ طائراً بلونِ الذهب.
4.
ذلك يجعل الصورة أكثر وضوحاً:
النقطةُ سوداء
(أهي سوداء أم بيضاء يا إلهي؟)
والطائرُ ذهبيٌّ ذهبيٌّ حدّ اللعنة!
5.
لا أستطيعُ أن أستمرَّ في كتابةِ القصيدة
فلقد قالَ الفلاسفة:
الشِّعْرُ لا قيمة له
إذ لا معنى يُنتَظَرُ منه!
6.
وقالَ البلاغيون
وأحدهم قابلني في شبابي
وصرخَ بوجهي:
احذرْ أن تكتبَ شعْراً فيه معنى!
قلتُ: فهل أكتبُ شعْراً لا معنى فيه؟
قال: ولا هذا أيضاً!
وأشاحَ بوجههِ القاسي عنّي.
7.
لكنّي كنتُ مُحبّاً،
مُحبّاً من العيار الثقيل.
كنتُ أحُبّ نقطتي
وأريدها أن تبتهجَ وتبهجني
وإلّا فالموت خاتمة القصّة كما تعرفون.
وكنتُ أحُبّ حرفي
وأريده أن يحلّقَ عالياً عالياً
حتّى يلامس السماء.
ففي السماء
كما قالَ لي طائري
واثقاً ذات مرّة:
لا توجدُ إلّا المحبّة!
8.
وإذن، لنراقب هذه اللعبة:
الطائرُ التقطَ النقطة.
كانت النقطةُ مضيئةً سوداء
ثُمَّ رحلَ بعيداً بعيداً
حتّى ضاعَ في الغابات.
(أهي غابات من الأشجارِ أم من السيقانِ يا إلهي؟)
كانَ المشهدُ عذباً وعَذاباً.
الذهبيُّ التقط الأسْوَد،
الحياةُ التقطت اللذّة.
ثُمَّ سقطت النقطةُ من فمِ الطائر.
فسقطَ الذهبيُّ خلفها
حتّى ارتطمَ بالأرض
ومات.
9.
نهايةُ محزنةٌ حقاً!
أيجب أن يموت الذهبيّ
ويعيش الأسْوَد؟
لكن إذا فَلْسفْنا المشهد
سنقول:
لابدّ أن يعيشَ الذهبيّ
لأنّ الذهبيّ هو الحياة،
هو الطائر،
هو الجناح.
ولابدّ أن تموتَ النقطة
لأنّها سوداء.
10.
هذه كلّها مجرّد أكاذيب!
لأنّ النقطةَ كانتْ بيضاء
والطائرحملها بقلبهِ لا بمنقاره
وطارَ بها أعلى فأعلى
حتّى سقطَ الذهبُ منه
ريشةً فأخرى
على رأسي المدهوش،
رأسي المُحدّق في الأعالي
حيث لا توجدُ إلّا المحبّة!
لعبة كبيرة
1.
حينَ ذهبتُ إلى ساحلِ البحر
وجدتُها تستلقي عاريةً
بفخذين مليئتين بالرغبة
وصدرٍ إلهيّ عارم
وعينين باتساعِ البحر.
صرتُ أمرُّ من أمامها جيئةً وذهاباً
لسنين لا حصر لها.
ثُمَّ نظرتُ بعيداً
لأرى غيمةً وسمكةً وطفلاً
يقتربون من المرأةِ العاريةِ ليأخذوها معهم.
بكيتُ طويلاً
لأنّي أنفقتُ دهراً
وأنا أحلمُ بالمرأةِ العاريةِ دونَ جدوى،
وأكتبُ حروفَ الحُبِّ لها دونَ أمل
أو نقطة أمل.
2.
في اليومِ التالي
جلستُ عند الساحل.
وبدأتُ أفكّرُ في الأمرِ مَليّاً:
كيفَ اختفت المرأةُ العارية
ربّما رفعتها الغيمةُ إليها!
ربّما دعتها السمكةُ للبحر!
ربّما أخذها الطفلُ إلى مكانٍ غير بعيد!
3.
وحينَ بلغتُ من العمرِعِتِيّاً
رأيتُ المرأةَ من جديد
تستلقي فوقَ رمالِ الساحل
بكاملِ لذّتِها وعُريها.
اقتربتُ منها هذي المرّة
لأراها - وا أسفاه - مجرّدَ لعبةٍ كبيرة،
لعبة مُلقاة على الساحل،
لعبة لم ترفعها الغيمةُ اليها،
ولم تأخذها السمكةُ للبحر،
ولم يأخذها الطفلُ إلى مكانٍ غير بعيد!
4.
وإذن، صرتُ أزورُ البحرَ كلّ يوم
وأنا أدمدمُ بحثاً
عن جوابٍ لما حدثَ لي،
ولمّا ارتفعَ المدُّ، صرختُ:
لم تعد المرأةُ العاريةُ تهمّني
ما يهمّني حروفي التي كتبتُها عنها:
هل سترفعها الغيمةُ إليها
أم ستأخذها السمكةُ للبحر؟
أم سيمزّقها الطفلُ في مكانٍ غير بعيد؟
توضيح حروفيّ
1.
هل النونُ معنى أو لا معنى؟
ذهبٌ أم تراب؟
عُري أم تستّر؟
زندقةٌ أم توحيد؟
زنبقةٌ أم أفعى؟
عرشٌ أم منفى؟
2.
هل النونُ سلامٌ
أم الهدوءُ الذي يسبقُ العاصفة؟
أهي النجومُ التي في السماء
أم النجومُ التي فوقَ الماء؟
أهي الخرافةُ أم البشارة؟
أهي الفراتُ أم بركةُ الدم؟
3.
ليست النون شيئاً،
ليستْ هي الأمطار ولا الأكاذيب،
ليستْ هي اللؤلؤ ولا المرجان،
ليستْ هي الخوف ولا الطمأنينة،
ليستْ هي حبيبتي ولا عاذلتي،
ليستْ هي مَن قطعَ رأسي
ووضعهُ على الرمح
ولا مَن أعادهُ إلى الجسد
وقت امتلاء الأرض بالصواعق.
4.
النونُ هي النون.
فلا تضعوا على لساني
كلماتٍ لم أقلها
ولا حروفاً لم أعرفْ سرَّها ونجواها.
النونُ هي النون
بِعُريها الذي يشبهُ شمساً ترتدي البياض،
بلذّتِها التي تشبهُ فيضانَ الحُبِّ أو الموت،
بهلالها المطليّ بالذهبِ والخوفِ والمستحيل،
بنقطتها التي تتنفسُ الزرقةَ والعشبَ والمنفى.
النونُ هي النون
ليسَ إلّا!
طَيَران
أقصى ما أحلمُ به
أن أطيرَ فوقَ الجسر
حتّى لا أرى العابرين فوقه
نحو ساعات يومهم،
ولا العابرين تحته
نحو الموت الأسْوَد
لكنَّ أجدادي المتبرقعين بالأخضر
طاروا جميعاً.
بعضُهم طارَ فوقَ العماراتِ العالية،
والآخرُ طارَ فوقَ الغيمةِ عالياً عالياً
حتّى لم يعدْ يعرف أين هو!
غروب النقطة
1.
أنا النقطة،
أنا الشَّمسُ المُكتملة،
وأنتَ البحر اللانهائي،
أيّها الحرف،
أهبطُ فيكَ شيئاً فشيئاً
حتّى أختفي تماماً
لتصبحَ أحمرَ بدمي،
بمحبّتي،
بطيورِ طفولتي.
2.
أنا النقطة،
أنا اللغزُ الخرافيّ،
أنا رحلةُ المجهول،
أنا قرصُ السلامِ والحُبِّ والشوق،
وأنتَ البحر،
أيّها الحرف،
يا مَن تقرأ لوحَ حياتي، أعني قصيدتي.
هكذا أختفي فيكَ وبكَ ومعك
لأكون لانهائيةً فيكَ وبكَ ومعك،
وأنتَ تمتصّني لتبتهجَ بأسراري
أو لتضيعَ فيَّ أو بي أو معي.
3.
نعم
أنا النقطة،
أنا الشَّمسُ المُكتملة،
وأنتَ البحر،
أيها الحرف،
أنتَ القارئ السرّ
والحافظ السرّ
والفاضح السرّ.
منكَ أستمدُّ سرَّ فرحي أو موتي،
ومنكَ أستخرجُ شيئاً فشيئاً
طوفانَ ناري
وجحيمَ جنّتي.
وقال الذي
وقالَ الذي عنده شيء من السرّ:
إنّ الذي ضيّعَ نقطتَه
عند نهر الفرات
لن يجدها عند المُحيط: أيّ مُحيط
وعند الخليج: أيّ خليج.
وقالَ الذي عنده شيء من الحرف:
إنّ الذي ضيّعَ حرفَه
عند نهر المحبّة
لن يجدَ حرفَه بعدها
عند أيّ مُحيطٍ أو خليج.
وقالَ الذي عنده شيء من العشق..
وقالَ الذي عنده شيء من الروح..
وقالَ الذي عنده شيء من السِّحر..
وقالَ الذي عنده شيء من الذي عنده شيء..
ثُمَّ جاءَ الذي عنده شيء من الموت
فقالَ قولاً يسيراً
قالَ: ميم، واو، تاء.
فانتهى كلّ هذا الهُراء
في هدوءٍ غريب!
حيرة ملك
1.
لم أكنْ ملكاً مثل باقي الملوك.
كنتُ - ولم أزلْ - طيّباً
حدّ السذاجة
ومُرتبكاً أغلب الوقت،
عادلاً لدرجةِ أن أظلمَ نَفْسي
وأتركَ شعبي
يحيط بقصري في كلّ ليلة
حاملاً المشاعلَ والفؤوس
صارخاً، شاكياً، لاعناً.
2.
كنتُ - ولم أزلْ - متواضعاً:
أزرع القمحَ والعنب
معَ
الفلّاحين في الحقول،
وألعبُ الشطرنجَ مع اللاعبين الصغار.
ليس لديّ خدم ولا خيول أو كلاب.
بسيط لدرجةِ أنّني أتناولُ طعامي
في مطعمٍ منزوٍ في الأزقّة
دونَ أن يلاحظَ صاحبُ المطعمِ البدين
أنّني صاحب الجلالة الملك.
3.
معَ ذلك،
فقد اعتادَ شعبي
أن يخرجَ في كلّ ليلة
مُطالباً برحيلي.
معَ أنّني لا أفرضُ الضرائبَ على أحد
ولا أهينُ الطفولةَ ولا الشيخوخة
وليستْ لديّ أيّة رغبةٍ في إشعالِ الحروب.
بسيط لدرجةِ أنّني لا أركبُ الخيل
ولا أعرفُ أن أركبَ الخيل.
أمشي، حينَ أشاءُ، على قدميّ
دونما موكبٍ أو طبول.
وكثيراً ما أطلبُ من حرّاسي
أن يستقيلوا
فلا أعداء لي كما أعتقد.
4.
ولكن
لِمَ اعتادَ شعبي
أن يتظاهرَ في كلّ ليلة؟
ولِمَ اعتادت الملكة
أن تشاركهم في الهتاف؟
(وربّما شاركهم ولدي وقائدُ جُنْدي!)
ولِمَ يحملُ المتظاهرون المشاعلَ والفؤوس؟
الكلُّ يعيشُ في مملكتي دونَ خوف.
الماءُ مُتاح
والشَّمسُ مُتاحة.
الملحُ مُتاح
والعملُ والحُبّ والرقص.
فلِمَ كلّ هذا الصياح وذاك النواح؟
5.
آ...
كانَ ينبغي أن أكون
كأبي الملك المُهاب،
ذاك الذي حرّمَ التجوالَ ليلاً
لأكثر من خمسين عاماً
ومنعَ الكلابَ – كأيّ طاغيةٍ – من النباح!
فؤوس
أنا والشجرةُ سنهرم.
هي ستفقدُ شيئاً فشيئاً
ثمارَها وأغصانَها،
وأنا سأفقدُ شيئاً فشيئاً
شَعْري وأسناني.
هي ستسقطُ على الأرض
ليأتي الحطّابون فيقطّعوها بالفؤوس
إرْباً إرْباً،
وأنا سأسقطُ على الأرض
ليأتي الحطّابون فيدفنوني في الأرض.
لنْ أحتاجَ إلى مَن يقطّعني
لأنّ عظامي ستنهارُ شيئاً فشيئاً
ثُمَّ تتحوّلُ إلى تراب
في هدوءٍ
ودونَ فؤوس!
يد واحدة
بيدٍ واحدةٍ قرأتُ سرَّ بطنِكِ النحيل
وشفتيكِ المُلتهبتين بالرغبة.
بيدٍ واحدةٍ انطلقتُ إلى أسراركِ وأكاذيبكِ المُرعبة
وعرفتُ طقوسَ النقطةِ ودمَ الحروف،
فاستبدلتُ مراكبي الواحدَ تلو الآخر،
وحملتُ رؤوسي الواحدَ تلو الآخر،
ورميتُهم خلفي في النهرِ وفي البحر
في السِّجنِ وفي البئر.
بيدٍ واحدةٍ توّجتُكِ
ملكةً للنفي وللمنفى.
وتوّجتُ نَفْسي،
في احتفالٍ سرّيّ مُقدَّس،
ملكاً للموتِ وللموتى
ثُمَّ لبستُ عباءةَ السِّحرِ الحمراءَ إلى الأبد
بيدٍ واحدة.
مَشاهد
مشهد يوميّ
*********
كلّ يومٍ تجيءُ قصيدتي مليئةً بالشَّمس
لتصعدَ إلى الطابقِ الخمسين
من عمارتي: عمارةِ الحروف.
ثُمَّ تبدأ في غرفتي العجيبة بتمشيطِ شعرها
وتضع أحمرَ الشفاهِ فوقَ شفتيها.
ثُمَّ تتعرّى تماماً
وتذهب إلى النافذة
لتحدّقَ طويلاً في المدينة:
في طيورها السُود التي ملأت السماء.
مشهد طبيعيّ
*********
سقطت الورقةُ من الشجرة
فتلَقّفتْها الريحُ لترسلها أنّى تشاء!
مشهد عاطفيّ
**********
قالَ لها وهو يركعُ أمامها
قالَ لها والدموعُ تنهمرُ من عينيه:
إن كنتِ أنتِ الشجرة الكبيرة
فإنّني أنا الفأسُ الصغيرة
يا حبيبتي!
مشهد مسرحيّ
**********
"ليكنْ حُبّكَ مُتوهّجاً إلى الأبد!"
هكذا صرخت المُمثلةُ المُحترفةُ بالمُمثّلِ الهاوي
فوقَ خشبةِ المسرح
ثُمَّ قبّلتهُ بعمق.
فارتبكَ المُمثّلُ الهاوي أمامَ حرارةِ قُبْلَتِها
وسقطتْ كلماتُهُ على الخشبة
كالأحجار
كلمةً إثر كلمة.
مشهد الجنون
**********
فوقَ الجبلِ الكبيرِ انحنى المجنون
على النبعِ ليشربَ الماء
لكنّه بدلاً من الماء
شربَ القمرَ والنجوم.
مشهد البهجة
**********
اشتريتُ بستاناً وزرعتُهُ بالرمّان
وتركتُهُ لتنقرهُ الطيور
أو يسقط فيلتقطهُ الأطفالُ والمُشرّدون.
كنتُ سعيداً
لأنّني بعدَ أن يذهبَ الأطفالُ والطيورُ والمُشرّدون
ألتقطُ صوتَ ارتطامِ الرمّانِ بالأرض
ثُمَّ أطلقهُ من جديد،
في الهواءِ الجميل،
قصائدَ مليئةً بالبهجةِ والجنون!
مشهد الموت
*********
صرخَ القبطانُ بركّابِ سفينته الغارقة
وهم يستسلمون للبردِ والموت.
صرخَ بهم
فلم يستفقْ منهم أحد.
يا إلهي
حتّى صرخات القبطان
استسلمتْ للبردِ والموت.
مشهد القهقهة
*********
بعثرتْهما الريح،
وفرّقهما الفقرُ والجوع،
وحطّمتْهما الزلازلُ والصواعقُ والحروب.
لكنهما بقيا يقهقهان العمر كلّه!
مشهد تراجيديّ
***********
حينَ التقتْهُ بعدَ أربعين عاماً من الفراق
بدأتْ، على الفور،
تنظّفُ كلماته من الصدأ والغُبار.
وبدأ هو، بهدوءٍ إلهي،
ينظّفُ جسدَها من الدمِ والطعنات!
أربعون قصيدة عن الحرف
دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمّان، الأردن، ط 1، 2009
جاء نوح ومضى
ستموت الآن.
أعرفُ، يا صديقي الحرف، أنّكَ ستموتُ الآن.
لم تعدْ نقطتُكَ الأنقى من ندى الوردة
تتحمّل كلَّ هذا العذاب
السِّحريّ
والكمائن وسطَ الظلام
والوحدة ذات السياط السبعة.
لم تعدْ، أيّها البسيط مثلي
والضائع مثلي
والساذج مثلي،
تتحمل وحشةَ هذه الرحلة التي لم نُهيّىءْ
لها أيَّ شيء
ولم يخبرنا أحد
عن مصائبها التي لا تنتهي.
انتظرنا - أنا وأنتَ - طويلاً سفينةَ نوح.
جاءَ نوح ومضى!
لوَّحنا له طويلاً
بأيدينا
وقمصاننا
وملابسنا
ودموعنا الحرّى.
لوَّحنا له بيُتمِنا الأبديّ
وبضياعنا الأزليّ.
لوَّحنا له بطفولتِنا العارية
وبشمسِنا الصغيرةِ التي تغيّرَ طعمها
وأصبحتْ بحجمِ ليمونةٍ ذابلة.
لوَّحنا له بكلّ شيء يُرى
وبكلّ شيء لا يُرى.
لم ينتبه الرجلُ إلينا
كانَ طيّباً ومُسالماً
ومهموماً بسفينته وابنه وطيوره.
وكنّا لا نطلبُ شيئاً سوى النجدة!
النجدة!
نعم، يا صديقي الحرف،
دعنا نصرخ الآن:
ال........ن............ج.............دة!
ربّما سيسمعنا ذلكَ الرجلُ الطيّب
أو مَن أرسله في مهمّته العجيبة.
دعنا نصرخ أيّها الحرفُ الطيّب
ربّما سينتبهُ لنا.
لا تمت الآن أرجوك!
انظرْ هذا رغيف خبز لك
وهذه جرعة ماء أيضاً.
انظرْ هذه شمسنا لم تزلْ تشرق
رغمَ أنّها بحجمِ حبّةِ قمح.
لكنّها شمس على أيّةِ حال!
لا تستسلمْ!
تمسّكْ بِحُلْمِكَ وإن كانَ خفيفاً كالغُبار!
أرجوك
أنا لم أفقد الأملَ بعد!
أرجوك
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!
دراهم كلكامش
1.
في حديقةٍ أصغر ممّا ينبغي،
قدّامَ لحيةِ كلكامش في المتحفِ العراقي
وفوقَ عشبٍ أكلهُ الحنينُ الرطب
ومزّقهُ الدمع
وتحتَ غروبٍ أثقل من الحجر،
ضيّع الطفلُ دراهمه السبعة،
فبكى.
يا إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟
2.
تلكَ التي اسمها الحياة
متلفّعة بعباءةِ السوادِ والحلم،
بعباءةِ الفقرِ والتعاسة
هي مَن أعطاني الدراهمَ التي ضاعتْ سريعاً.
كانَ لقاءً عابراً
يشبهُ حياةً عابرة
وكانَ أنكيدو عابراً
يشبهُ أفعى عابرة
سرقت السرَّ كما يزعمون
تشبهُ كلكامش العابر هو الآخر.
يا إلهي، لِمَ يبكي هذا الطفل؟
أمِن أجل الدراهم حقاً؟
3.
صغرت الحديقة
(هي في الواقع أصغر ممّا ينبغي)
وكبرَ الطفل
وتزوّج
وهاجر
وكتبَ حرفاً عجيباً
وماتَ أو كاد
لكنّه لم يزلْ ينظر إلى الحديقة:
أينَ هي الدراهم يا إلهي؟
كلّ درهمٍ كانَ اسمه السعادة.
وكلّ درهمٍ كانَ اسمه العيد
أو الغيمة
أو الشَّمس
أو البحر
أو قُبْلَة الأمِ مُتلفّعة بالسواد.
كلّ درهم
كانَ عبارة عن سرٍّ وَجَدَهُ كلكامش
ثُمَّ ضيّعهُ معي في الحديقة.
4.
بعدَ أربعين عاماً
كتبتُ رسائل مستعجلةً إلى كلكامش
ليعينني على استرجاع دراهمي الضائعة.
فوجدتُ تمثاله الحجريّ
دونَ لحية طويلة تغطّي صدره.
فانتبهتُ إلى أنّ كلكامش
قد زوّرَ تمثاله ليعيشَ بعيداً عن السرّ،
ربّما بعيداً عن التعاسة
ولكن ليسَ بعيداً عن دراهمي السبعة.
5.
مَن يعرفُ السرَّ يا إلهي؟
مَن يعرفُ كيفَ ضيّعَ كلكامش سرَّه؟
ومَن سرقهُ منه؟
مَن يعرفُ كيفَ ضيّعتُ دراهمي السبعة
قربَ الحديقةِ التي تقعُ تحتَ لحيته
أو قدّامَ لحيته؟
مَن سرقَ دراهمي يا إلهي؟
6.
حتّى أنكيدو الذي ماتَ لأسبابٍ غامضة
لم يعرف السرّ.
حتّى أتونابشتم
أو صاحبة الحانة
أو صاحبة اللعنة...
ليسَ من أحدٍ يعرفُ السرَّ أبداً.
7.
أنا
فقط
أعرف:
إنّني أعيشُ منذ أربعين عاماً
قدّامَ لحيةِ كلكامش،
فوقَ عشبٍ أكلهُ الحنينُ الرطب
ومزّقهُ الدمع
وتحتَ غروبٍ أثقل من الحجر،
أبحثُ
حتّى
الموت
عن دراهمي السبعة التي ضيّعتُها
في حياةٍ عابرة
كملمسِ الأفعى العابرة،
كلحيةِ كلكامش العابرة هي الأخرى
نحوَ غروبٍ أثقل من الحجر.
المُبحر منفرداً
1.
أيّها الحرف
سيحاربكَ القرصانُ الأحمر،
القرصانُ الذي قوّضَ العرشَ وسلّمهُ للرعاع،
لأنّ في قلبكَ موجة لأقمار الطفولة.
وسيحاربكَ القرصانُ الأزرق،
القرصانُ الذي أدخلَ كلَّ شيء في دوّامةِ الموت
بعدَ أن قتلَ إخوته
وباعَ أبناءَه في سوقِ العبيد،
لأنّ في قلبكَ موجة من شموس.
وسيحاربكَ القرصانُ الأصفر:
قرصانُ المجانين والمُخنّثين وآكلي جثث الموتى.
وسيحاربكَ القرصانُ الأسْوَد:
قرصانُ الكَفَرَة الفَجَرَة.
وسيحاربكَ قرصانُ الريح
ذاك الذي يغيّر وجهته
كلّما غيّرت الريحُ عنوانها.
2.
نعم،
ذلكَ مجدكَ أيّها الحرف.
فالقراصنةُ كلّهم يجيدون كراهيتك
لأنّكَ اقترحتَ نقطةً للجمالِ والحُبّ
وحاولتَ أن تؤسس
- ولو في الخيال-
بحراً جديداً
لا يجيد القراصنةُ الإبحار فيه.
نعم،
ذلك مجدك
أيّها المُبحرُ مُنفرداً
إلّا من نقطته: خشبته العارية التي يتقاذفُها الموج
إلى أبد الآبدين.
المُتبرقع
بجسدٍ دونَ رأس
وضعَ آبائي الأرضَ فوقَ كتفيّ
وقالوا: مُباركٌ أنت!
نعم، قالَ المُتبرقعُ بالنبوّة،
هذي كهيعص علامةُ دربك.
وقالَ المُتبرقعُ بالشقشقة:
هذا التراب
منه خُلِقتَ وإليه سترجع.
وقالَ المُتبرقعُ بدمِ الشهادة:
رأسُكَ مثل رأسي
غيرَ أنّ رأسي حُمِلَ فوقَ الرماح،
حمله الكَفَرَةُ الفَجَرَة
وأنتَ ستحملُ رأسَكَ بين يديك
ستحملُهُ مقطوعاً بين يديك
طوال عمرك
والأرض،
كلّ الأرض،
مثبّتة فوقَ كتفيك
فانظر الآن ماذا ترى؟
رقصة سرّيّة
1.
إلهي
غنّتْ ربّةُ المعبدِ الحبَّ والحبَّ كلّه
ورقصت الحلمَ والحلمَ كلّه
لتكتبَ فوقَ لوحِ الوجود
السرّ وسرّ السرّ.
فَمَن لي،
إلهي،
بقلبٍ يتحمّلُ كلَّ هذا الجمال
وهذا الجنون؟
2.
رقصتْ وغنّتْ.
فغنّى معها كمانُ الجسد
صاعداً مثل أفعى.
ودمدمَ الطبلُ: طبلُ الجسد
كاهناً يتلو آيةَ الزلزلة،
عاشقاً يجرّبُ أن ينتحر
وقت الغروب في دجلة العابثة.
وضحكَ الناي: ناي الجسد
نافورةً تبعثُ للأطفال
ماءً من الوردِ والمسرّة.
ورقصَ الدفُّ: دفُّ الجسد
ساحراً يستبيحُ بحراً من اللذّةِ والقُبَل.
ورقصَ الضوءُ: ضوءُ الجسد
شاعراً يكتبُ النون
ليختمها بنقطةِ الكون
نافثاً سرّها إلى آخر الأرض
ومطلقاً طائرَ الروح
إلى سمواتكَ السابعة!
3.
إلهي
رقصتْ ربّةُ المعبد
ساعةً واحدة.
فَرقصتُ من فرحٍ وجنون
سبعين عاماً
وكتبتُ عنها سبعين كتاباً
وتبتُ سبعين مَرّة
ومتُّ سبعين مَرّة
ولم أزلْ أراقصها
أو أراقص صوتَها أو حلمَها
درويشاً نصفه نارٌ ونصفه طين!
تناص مع الموت
1.
في الطريقِ إلى الموت:
الموتِ القديمِ المُقدَّس،
فاجأني موتٌ جديد،
موتٌ لذيذٌ بطعمِ السمّ،
موتٌ لم أحجزْ له موعداً أو مقعداً.
2.
في حضرةِ الموسيقى التي تندلق
لتكتبَ حاءَ الحياةِ وباءَ الحُبّ
ينبغي أن أكتبَ شعْراً
مليئاً بالبحرِ والطيور.
لكنّني،
ولسببٍ غير واضحٍ أو مفهوم،
أكتبُ عن الموت.
ربّما لأنّ الموت هو نديمي الوحيد
أو صاحبي الذي يحسنُ الرقصَ قربي
حينَ أنهارُ وسطَ الطريق.
3.
"مرحى" قلتُ للموت!
هل قلتُ للموتِ: "مرحى"؟
أم إنّه الموت
قالَ لي في برود:
"أهلاً وسهلاً"؟
4.
في أفريقيا يقرعون الطبول
حينما يحضرُ الموت
وفي الأسكيمو يطلقون الطيور
وفي بلادِ الكنغرِ يعزفون الموسيقى البهيجة.
ربّما لأنّهم يظنّون الموتَ طبولاً فقط
أو طيوراً فقط
أو موسيقى عذبة تبهجُ السامعين!
5.
مَن سيصدّق أنّ الحرفَ الذي حملَ المعجزة
سينهارُ أمامَ الموت
على هذهِ الشاكلة؟
ومَن سيصدّق أنّ النقطة،
النقطة التي واجهت الأعاصيرَ والنارَ والزلزلة
ستبكي في حضرةِ الموت
مثل أعمى أضاعَ الطريقَ إلى البيت؟
6.
لكَ المجد يا إلهي
خلقتَ الموتَ ليكنسنا في هدوءٍ مريب
مثلما تكنسُ الريح
أوراقَ الشجرِ المُتناثرة على الأرض.
لكَ المجد أيّها الموت.
لكَ المجد أيّتها الخاتمة.
7.
قالَ لي الحرف:
لا تأبه كثيراً
فالكلُّ سيموت،
حتّى الموت نَفْسه سيموت!
قالَ لي الحرفُ ذلك
وأفردَ جناحيه
ليحلّقَ كالنسرِ وسطَ السماء.
أمّا النقطة
فتحوّلتْ إلى غيمةٍ عظيمة
رحلتْ باتجاهِ البحر البعيد.
كم تمنّيتُ أن تأخذني معها
ولا تتركني بين يدي الأشباح،
الأشباح الذين أحاطوا بي
كما أحاطَ اللصوص
بدرويشٍ نصف عار
ونصف مجنون!
معاً على السَّرير
ثمّة بحر
أحملهُ بيدي اليمنى
وثمّة موت
أحملهُ بيدي اليسرى.
وحينَ أتعب
أضعُ البحرَ في يدي اليسرى
والموتَ في يدي اليمنى.
وحينَ أنام
ينامُ البحرُ بجانبي على السَّريرِ مُطمئناً
لكنّ الموت يتظاهرُ بالنوم
ويبقى يعدُّ عليَّ أنفاسي،
يبقى ينظرُ إليَّ بارتيابٍ وشكٍّ
مضطجعاً بجانبي، كذلك، على السَّرير!
أغنية سوداء القلب
توقّفَ الحرفُ عن النظر إلى المرآة
كي لا يرى المستقبلَ بلا يدين
والماضي بلا أقنعة.
توقّفَ الحرفُ عن إرسالِ رسائل التهديد إليّ
ورسائل الوعيدِ واللومِ والتأنيب
ورسائل الأملِ واللاأمل
ورسائل الحُبّ، أعني رسائل الحمامة البيضاء.
توقّفَ الحرفُ عن مخاطبتي بِاسمي المُجرّد
أو تشبيهي بشيء
أو ترميزي
أو تأليهي
أو اتخاذي باباً أو قطباً أو محراباً.
توقّفَ الحرفُ عن تذكيري بشبابي المُدمّى
وطفولتي الحافية
وحبيباتي الخائنات والجاحدات
وأصدقائي الأوغاد والمنفيين والسذّج
وقصائدي التي كتبتُها كي لا أبكي
مثل يتيمٍ ببابِ الملجأ
أو مثل مجنون يرميه الصِبْيةُ بالحجارة
كي يضحكوا ويبدّدوا الوقت
أو مثل شحّاذٍ سرقَ السكارى رغيفه
كي تكتملَ نشوتهم
ويكتمل موت الشحّاذ.
توقّفَ الحرفُ عن كلِّ ذلك.
حينها كانت الشَّمسُ مُشرقةً كما ينبغي
وكانَ الحرف
يجلسُ أمامي مثل نهر
يدمدمُ بأغنيةٍ خفيفةٍ جدّاً،
عذبةٍ
وسوداء القلب.
أحمر ناريّ
كانَ من المُمكنِ أن تكوني
أكثر ثراءً،
أكثر بهجةً وجمالاً
لو سمحتِ للطائرِ المُحلّقِ خلفَ النافذة
بعينين دامعتين
وجناحين بريئين
بالطيران قليلاً
فوقَ سريركِ العاري.
وكانَ من المُمكنِ أن تكوني
أكثر سماءً،
أكثر زرقةً وأقماراً
لو سمحتِ لي
أن أقتربَ من غيمتِكِ اللذيذة
لأركعَ في جنون مؤكّد
لفراتكِ السرّيّ الذي سحرني
العمر كلّه
ورماني في آخر الدنيا
حرفاً لا معنى له
إلّا حينَ يلهج
بأسطورتكِ المُعلّقةِ في الأعالي،
ونقطةً لا تجيد
سوى أناشيد الحبِّ بالأحمر الناريّ،
أعني بالأحمر الممسُوس
باللوعةِ والهذيان.
لكنّكِ
اخترتِ أن تسلّمي فراتَكِ السرّيّ
وبيادر حنطتكِ الذهبيّة
للقناعِ الذي يلبسُ غُرابَ الزوج،
أعني للغُرابِ الذي يلبسُ قناعَ الزوج،
أعني للزوجِ الذي يلبسُ قناعَ الغُراب
والذي لا يجيدُ سوى نهش لحمكِ البضّ
دونما رحمة
ليدفعك
شيئاً فشيئاً
إلى جفافِ الينابيع
بل ليدفعكِ حيث البئر السوداء
وإصبعكِ الذي رأيته يبكي،
ذات يومٍ،
وجعَ اللذّة
وأغنيةَ الحرمان.
قطارات سدني
1.
قطاراتُ سدني
تركضُ من الفجرِ إلى الفجر.
تركضُ مَرّةً إلى البحر
ومَرّةً إلى الملاهي
ومَرّاتٍ إلى الموت.
2.
قطاراتُ سدني
تضجُّ بهذيان الدولارات:
دولارات سوداء
أو سُود كما يفضّلُ علماءُ اللغةِ القول.
ولو حضرَ علماءُ اللغةِ إلى هنا
لاسودّتْ وجوههم من الحلم
بالدولارات.
3.
يا لها من ركضةٍ مُخيفة:
الدولاراتُ تطيرُ في الهواء
والناسُ يركبون القطارات ليلحقوا بها.
انظرْ اليهم:
إنّهم يخرجون رؤوسهم من النوافذ المُسرعة
ويخرجون أيديهم وأرجلهم وأعضاءَهم التناسليّة
علّهم يمسكون الدولارات!
4.
نعم، دولارات ساحرات
تطيرُ في الفضاء.
والكلُّ يقاتلُ في جنون عظيم:
الصينيُّ، بملامح القطّ، يبكي
وهو يمدُّ يديه
والأستراليُّ الضخمُ يَشْتُم
والهنديُّ صاحبُ العمامةِ يُتمتم
والعراقيُّ المسكينُ يسخر
والتايلنديّةُ ترفعُ ساقها العارية أعلى فأعلى
واليابانيّةُ تنحني باحترامٍ عبثيّ
والتركيّةُ تضربُ رأسَها بيدها
والأفريقيّةُ تزعقُ وكأنّها تطلبُ النجدة.
5.
الدولاراتُ تطيرُ وتطير
وترتطمُ حيناً بنوافذ القطار
وحيناً بمقدمته
وحيناً آخر بمؤخرته
لتصعدَ إلى الأعالي
زوبعةً من الأوراق الصفراء أو الخضراء
أو الصفر أو الخضر
كما يفضّلُ علماءُ اللغةِ القول.
ولو ركبَ علماءُ اللغةِ القطارات هنا
لاصفرّتْ وجوههم ممّا يرون.
6.
لم تزل الدولاراتُ تطير.
الطلابُ الجامعيون يتابعونها بشغفٍ طفوليّ
ورجالُ الأعمالِ بحدّةٍ يتناقشون
والمُزوّرون يصرخون في تلفوناتهم المحمولة
والعمالُ يصفرون
والعاهراتُ يقهقهن
والحمقى يتبادلون الشتائم
والمرضى يشكون من الصداع
والسوّاحُ القادمون من وراء البحار
يتساءلون مذهولين.
فقط
كانَ الموتى في قطاراتِ سدني
يتأمّلون المشهدَ بانضباطٍ تام
وهم يتنفّسون بصعوبة.
وبين حينٍ وآخر
كنتُ أراهم يبتسمون
أو خُيّلَ إليَّ أنّهم يبتسمون!
سأقبّلكِ الآن
الفجرُ عنيف.
الفجرُ ملآن بالشَّمس
والشَّمسُ قويّة
كنصلٍ يدخلُ في العين.
الفجرُ فراق.
اسمي الموت
وقد كانَ اسمي التفّاحة
أو القُبْلة.
لا أعرف
لكنّي سأقبّلكِ الآن، فَمَن أنتِ؟
هل أنتِ حبيبة قلبي؟
امرأتي؟
فاتنتي؟
قاتلتي؟
وهمي الأعظم؟
مَن وضعَ السمَّ بكأسي؟
مَن بدّدَ أيامي وشبابي
ونثرَ رمادي في الريح؟
مَن ألقى القبض على حرفي؟
مَن ألقى ذاكرتي في بحرِ الظلمات؟
لا أعرفُ اسمَكِ
أعرفُ أنّكِ مُرتبكة جدّاً
وأنا الارتباك نَفْسه.
سأقبّلكِ الآن.
ماذا حدثَ ليكونَ الفجرُ عنيفاً
كسفينةٍ تغرق؟
ماذا حدث
ليكونَ الفجرُ جُثّةً يلقيها البحّارة
وسطَ البحر؟
الفجرُ فراق.
سأودّعكِ الآن.
أعرفُ شيئاً ما
أعرفُ أنّكِ سبب موتي
وأنّ الموتَ أحاطَ بي
كما يحيطُ الجنودُ بمجنونٍ أعزل.
فوداعاً
فالفجرُ عنيف
كسماءٍ اسودّتْ بخطايا الناس،
كسماءٍ ارتبكتْ
وسقطتْ قطعاً قطعاً وسطَ البحر.
اعتذار
1.
حينَ ذابَ ثلجُ شتاءِ القصيدة
فاضت الورقةُ البيضاء
بالحروفِ والنقاط.
2.
كي أشفى من مرضِ حُبّك
جربّتُ كلّ شيء
بدأتُ بالكيّ والنار
وأدمنتُ كأسَ الخمرةِ وشوارع التشرّدِ الخلفيّة
وعطفتُ على طلاسم السِّحر
وجنّه وجنونه ودخانه
ثُمَّ لبستُ خِرْقَةَ الصوفيّة
حتّى انتهيتُ إلى الموت،
إلى بوابةِ الموتِ الحديديّة.
لكنّي لم أشفَ أبداً!
شيءٌ عجيب
جربّتُ كلَّ شيء
كي أشفى من مرضِ حُبّك
ولم أجرّبْ
مرّةً واحدة
أن أراك!
3.
في البلدِ البعيد
أجلسُ في مقهى مُظلمٍ مُنعزل
لأستحضرَ صورتَكِ التي دفنتُها
بيديّ
قبلَ أربعين عاماً
وسطَ الرماد
ووسطَ نارِ التنّورِ
الذي اشتعل
فجأةً
وكادَ يقضي عليَّ إلى الأبد.
4.
في حياتي
قرأتُ الكثيرَ من قصائد الشعراء الموتى
حتّى امتلأتُ باليأسِ والموت
فمتُّ.
في حياتي القادمة
سأقرأ الكثير
من قصائد الشعراء الذين لم يولدوا بعد
علّي أحيط بأسبابِ الحياة
إلى الأبد.
5.
كنتُ أخاف أن أراكِ
وأرى سريرَكِ
لأنّني أعرفُ أنّه قد ارتحل
ذات اليمين وذات الشمال،
وأنّ عصافيره قد ماتتْ
منذ زمنٍ بعيد
ولم يبقَ إلّا الغُراب
ناعقاً منذ أربعين عاماً
بخاءِ الخسارةِ والخيانة،
بغينِ الغُروبِ والغُبار.
6.
وهكذا قبلَ أن أموت
كنتُ ذكيّاً بما يكفي لأعتذرَ للغُراب
وأعتذر للشتاءِ وللورقةِ البيضاء
وأعتذر للخمرةِ والتشرّدِ والسِّحرِ والتصوّف
وأعتذر للبلدِ البعيدِ وللمقهى المظلمِ المنعزل
وأعتذر للرمادِ والنار
وأعتذر للشعراء الموتى والأحياء
وأعتذر لليأس
وللسريرِ الذي قادني
من منفى إلى منفى
ومن حرفٍ إلى حرف
وأعتذر للعصافير التي ماتتْ منذ زمنٍ بعيد
وأعتذر للحياةِ وأسباب الحياة
وأعتذر للموتِ مرّةً واحدة
وإلى الأبد!
تناص مع الحرف
حينَ أرادَ الحرفُ، ذات يومٍ، أن يلعب
جاءَ إليّ
فوجدني ضائعاً أكثر ممّا ينبغي
فتركني.
وذهبَ إلى حبيبتي
فوجدها أكثر بدائيّةً منه
وأكثر عُرياً منه
فتركها.
ثُمَّ ذهبَ إلى الله
فلم يستطعْ كشفَ سرِّ غموضه وجبروته.
ثُمَّ ذهبَ إلى النبيّ
فلم يستطعْ كشفَ سرِّ زهده وصمته.
ثُمَّ ذهبَ إلى الوليّ
فلم يستطعْ كشفَ سرِّ صومه
وصلاته وتسبيحه.
ثُمَّ ذهبَ إلى الصوفيّ
فلم يعجبه بحثه عن المجهول.
ثُمَّ ذهبَ إلى المجهول
فالتقى بالموتِ الذي ضربهُ على أمّ رأسه
ضربةً
واحدة
حوّلته إلى قطعةِ فحم.
جاءَ الأطفال
فكتبوا بها على الحائطِ أسماءهم.
وجاءَ العشاق
فكتبوا بها على الأشجارِ أحلامهم.
وجئتُ أنا
فأمسكتُ بالحرفِ المُتفحّم
وكتبتُ قصائدي السُود التي لا تكفُّ أبداً
عن الرقصِ والهذيان!
البيضة والبحر والقمر
1.
سقطَ الماضي
فاحتجَّ الحاضر
وخرجَ المستقبلُ في مُظاهرةٍ حاشدة.
2.
سقطت البيضة
فبكى الطائرُ وهو جالسٌ على الشجرة
بيضته المكسورة.
فيما احتفلت الديدان
على الأرض
بهذه الوليمة الأسطوريّة.
3.
سقطَ البحر
فانقلبت السفن
وخرجت الساحراتُ إلى الشاطئ
ليرقصن حتّى مطلعِ الفجر
وهنّ في قمّةِ العُري والابتهاج
يحملن المشاعل والجماجم والطبول.
4.
سقطَ القمر
فاختفت الشَّمس
وبكى العشّاقُ جميعاً
بدموعٍ من لوعةٍ وندم
طوال ذلك اليوم المشؤوم.
5.
سقطَ الشاعرُ: المُهرّج
فاندلقتْ ذائقتهُ الأدبيّةُ الفاسدة
على الرصيف
وتحطّمَ زجاجُ روحه القذر.
6.
سقطَ الطاغية
فبكى كرسيّهُ الذهبيّ
وبكتْ كلابُهُ الشرسة
وبكتْ بوّاباتُ سجنه العظيم.
7.
سقطَ الحرف
فتلقّفتهُ النقطة
لتعالجَ جروحه وآلامه وغربته
بصبرِها الأيّوبيّ
وجمالِها اليوسفيَ
وسرِّها الإلهيّ.
طائرة ورقيّة
1.
في طفولتي
صنعتُ من حرفي طائرةً ورقيّة،
طائرة ما أن رآها الأطفال
تطيرُ عالياً في السماء
حتّى سرقوا خيطَها الطويل.
لم أعر انتباهاً لما حصل
وصرتُ أحملُ طائرتي بيدي
وأمشي فرحاً في الأسواق.
وحينَ أصبحتُ شابّاً
قبّلتْني امرأةٌ أجملُ من اللذّة
لتسرقَ ذيلَ طائرتي وتمضي.
لم أعر انتباهاً لما حصل
لأنَّ الحربَ بانتظاري
لتسرقَ هي الأخرى،
لتسرقَ العودَ الصغيرَ في وسطِ الطائرة.
2.
هكذا أصبحتْ طائرتي مُجرّدَ ورقة
ليسَ إلّا
حملتُها ومضيتُ لأعبرَ البحر.
لكنّ البحر،
بحركةٍ عنيفةٍ ومُفاجِئة،
أسقطَ طائرتي في مائه المالح.
ولكي أُخرجها منه
كُتِبَ عليَّ أن أموتَ كلّ ليلة
لأربعين عاماً
حتّى أُخرجها في آخر المطاف
ورقةً مُبلّلة
ليسَ فيها من مباهج الطفولة
سوى لونها،
سوى لونها الباهت المُمزَّق!
عن المطر والحُبّ
1.
سأكتبُ عنكِ قصيدةَ المطر.
سأكتبُ عنكِ قصيدةَ الحُبّ.
سأكتبُ عنكِ قصيدةَ الموت.
وسأسألكِ ببراءةِ الطفل:
أيكونُ المطر أقوى من الحُبّ؟
أيكونُ الحُبّ أقوى من الموت؟
أم هو الموت أقوى من المطر؟
2.
سأسألكِ، إذن،
قُبلةً في المطر.
وسأسألكِ، إذن،
قُبلةً في الحُبّ.
وسأسألكِ، إذن،
قُبلةً في الموت!
3.
أعرفُ أنّكِ لن تستجيبي
فطلباتي جنونيّةٌ خالصة
تربكُ قلبَكِ الباردَ المُستكين
وناري سوداء مثل نار المجوس
لا تُبقي ولا تَذَر.
أعرفُ أنّكِ لن تستجيبي
ولذا أعتدتُ على شمسِكِ الحامضة.
فحينَ أقبّلكِ يختفي مطرُ قلبك
بل يختفي أرنبُكِ الصغير.
وحينَ تقرّرين أن تمطري
يكون مطرُكِ، وا أسفاه،
مصحوباً بالزلازل
لأنّه يكون وقت انحسار البحر
وسيطرة الموت على سمائه العارية.
4.
سأسألكِ، إذن،
موتاً مريحاً وسطَ المطر.
سأسألكِ حُبّاً وسطَ البحر
حينَ يتهادى بنا مركبُ الشوق والعنفوان
عاريين وسطَ زرقةِ المدِّ والجَزر.
سأسألكِ أن تكتبي بسرِّ المطر
حرفي الملتاع
لأكتبَ بسرِّ السرّ
نقطتكِ الغامضة.
5.
سأسألكِ العمر كلّه
وأعرفُ أن لا جواب.
وسأكرّرُ السؤالَ كلّ يوم
فالشِّعْرُ هو الحُبّ
والحُبُّ هو المطر
والموتُ هو المطرُ والبحر.
6.
سأكتبُ عنكِ، إذن،
قصيدةَ الموت:
قصيدة حرفها البحر والحُبّ
ونقطتها المطر.
وسأكتبُ عنكِ، إذن،
قصيدةَ الحُبّ،
أيّتها العاشقة التي تبدّلُ اسمَها
كلّ يوم،
أعني سأكتبُ عنك،
بصبرٍ عظيم،
قصيدةَ البحر
حينَ يغرقُ شيئاً فشيئاً
وسطَ المطر!
أعماق
في أعماقي
طائرٌ أبْيَض
يسقطُ مذبوحاً في أعماقِ المسرح.
وفي أعماقِ المسرح
صراخٌ وأنين وثيابٌ ممزَّقة
وفي أعماقِ الثيابِ المُمزَّقةِ حلم
وفي أعماقِ الحلمِ نهر
وفي أعماقِ النهرِ صَبيّ
وفي أعماقِ الصَّبيّ قلب
وفي أعماقِ القلبِ قصيدة
وفي أعماقِ القصيدةِ حرف
وفي أعماقِ الحرفِ نقطة
وفي أعماقِ النقطةِ مُتصوّف
وفي أعماقِ المُتصوّفِ إله
إله ينظرُ إلى طائري المذبوح بعينين دامعتين.
قمر أسْوَد وكلب رماديّ
1.
ربّما أنتِ قصيدة بلا عنوان
أو قصيدة بلا معنى
أو ربّما أنتِ حرف لا يخصُّ أحداً سواي.
في آخر المطاف
مشينا معاً في مدينةِ الجوعِ والمزابل الليليّة.
كنّا ثلاثة
والقمرُ الأسْوَدُ يحرسُنا بعبثه الأسْوَد.
كانَ يحرسُنا من أنفسنا
ومن الخديعةِ التي وجدتُكِ فيها
تتأرجحين كالجحيم.
يا ليته لم يحرسنا
ويا ليته لم يكنْ معنا
ويا ليتني لم أكنْ معك.
وصولاً إليك
يا ليتني بقيتُ مخدوعاً من دونِ قمرٍ أسْوَد
ويا ليتني بقيتُ قمراً أسْوَد
من دونِ كلبٍ رماديّ.
2.
كنتِ ترتجفين؟
كنتِ ترتعدين من الهلعِ؟
استجرتِ عليَّ بالكلبِ الرماديّ؟
كنتِ تموتين من هولِ المفاجأة؟
أم من هولِ ما بعد المفاجأة؟
ولكنّك كنتِ بين ذراعيّ المُرتبكتين
تبتسمين بحروفِ الشهوة!
لماذا أخرجتُكِ، إذن، من جنّةِ الكلب؟
الكلبُ يلهثُ، يا إلهي، ونحن نتعرّى في الفراش!
لماذا أخرجتُكِ، إذن، من جنّةِ الخديعة؟
لأضيّعكِ فيما بعد؟
ولأضيع معكِ في حديقةِ الحيواناتِ البشريّة؟
ولكنكِ كنتِ ضائعة حدّ اللعنة!
هل أنتِ كابوس؟
كابوسٌ مُقدَّسٌ أم رماديّ؟
3.
السطرُ يمتدُّ كتاءِ التابوت.
لاجدوى، بالطبعِ، من البكاءِ ومن الدمع.
لاجدوى، بالطبع، من لهاثِ الكلب
ولاجدوى، بالطبع، من حديقةِ الحيواناتِ البشريّة:
حديقة القمرِ الأسْوَدِ والكلبِ الرماديّ.
الشبيه
سيكونُ معك:
اسمُهُ سيتكرّرُ أمامَك
مثل كوارثكَ التي لا تكفّ
عن الحضور.
وسيتنفّسُ معك:
نَفَسهُ ثقيلٌ أثقلُ من دخانِ الموت
وطلعتهُ كئيبة
مثل جمجمة متروكة في العراء.
قد يكونُ صديقُكَ، إذن،
وقد يكونُ زميلُكَ أو غريمُك.
مَن يدري!
ربّما هو مثلكَ يُحبُّ التمثيل.
لذا سيزعمُ أنّه مَثّلَ مِن قبل
دورَ هاملت أو ماكبث
أو الحلّاج أو النفّري
أو حتّى زوربا اليونانيّ.
لا تنزعجْ
قد يكونُ هو المُمثّل الحقيقيّ
وأنتَ المُزيّف!
وربّما هو المُخرج
وأنتَ المُمثّل الثانويّ
أو المُشاهد الكسول
أو بائع الفلافل ببابِ المسرح.
مَن يدري!
ولذا ينبغي أن تحترمَ أكاذيبه اللامعات
بل ينبغي أن تجيدَ فنَّ الكذب
حينما يسألكَ عن دوره المسرحيّ الجديد،
فتختار له دورَ الأسد
- وأنتَ تعرفُ كم هو خرتيت-
بل ربّما ستدعوهُ أسداً
حتّى بعد انتهاء حطام المسرحيّة.
ولكي ترتاح بعض الوقت
ستسمّيه فيلاً
وتمنحهُ دورَ الفيلِ بسعادةٍ غامرة،
وأنتَ تعرفهُ قرداً
يقفزُ على الأشجارِ العالية
أمامَ عينيكَ كلّ يوم
ليملأ الهواءَ صُراخاً وزعيقاً.
إنّه مَن سيشارككَ الشاطئَ والبحرَ والسفينة
وربّما سيشارككَ الملجأ في الصحراء
ويركبُ معكَ قاطرةَ الخوف
أو طائرةَ المجهول.
وربّما،
إن كنتَ محظوظاً،
يجلسُ معك
غامضاً مُرعباً
مثل جثّة مُحنّطة
في بهوِ الانتظارِ الكبير!
سلاماً عمّان
سلاماً عمّان.
سلاماً يا سلّةَ الحلمِ والحرمان!
سلاماً يا مَن جلستِ على التلّ
وتركتِ خلفكِ الفقراء يرقصون في الوادي
والغرباء يفترشون الساحةَ الهاشميّة.
وتركتِ الضائعين يبكون على أبوابِ السفارتِ الثلجيّة
والمحرومين واللصوص والعاطلين
يبحثون عن رغيفكِ اليابس!
سلاماً يا مَن تبكي على الماء
وتبكي على الغيمة
وتبكي على اللذّةِ وجسدِ اللذّة
.
سلاماً على جمالكِ الجبليّ
وعلى فقركِ الأزليّ.
سلاماً على غربائكِ الذين ضاعوا
جميعاً
واحداً بعد الآخر.
سلاماً على لصوصِكِ الذين سرقوا
دمعةَ عيني
في وضحِ النهار،
وعلى محروميكِ الذين يدورون
في أزقّتِكِ الضيّقة
كالدراويش.
سلاماً على عاطليكِ الذين يزدادون
كلّ يوم
وكأنّهم يتناسلون!
سلاماً على نسائكِ الناعماتِ كالماس،
وعلى سنواتكِ الملأى بالقشِّ والانتظار
وعلى مقاهيكِ
ومطاعمكِ
وعماراتكِ
وخرائبكِ
وخرافاتكِ
وعلى مآسيكِ التي لا تكفُّ عن الرقصِ في الوادي
فيما أنتِ تنظرين إليها باكيةً مرّةً
وضاحكةً مرّةً
وساهمةً مرّةً في أعماق الغيوم.
أسرّة
سرير الله
يسمّونه:
العرش
وسرير العشّاق
يسمّونه:
الحُبّ.
سرير الجسد
يسمّونه:
الرغبة
وسرير القُبْلة
يسمّونه:
اللذّة.
سرير الأمومة
يسمّونه:
الشَّمس
ثُمَّ سرير الطفولة
يسمّونه:
العيد أو ثياب العيد.
2.
سرير الطائر
يسمّونه:
البيضة
وسرير القلق
يسمّونه:
الغربة.
ثُمَّ سرير البحر
يسمّونه:
المرأة أو الغيمة.
3.
نسيتُ أن أتحدّثَ عن سريرِ الحرف
يسمّونه:
الكلمة
وأسمّيه:
النقطة!
4.
وماذا بعد؟
هناك سرير الذكرى
يسمّونه-
خطأً-
القصيدة.
وماذا عن سريرِ الحياة؟
إنّه الموت.
يسمّونه:
الموت.
وهو خطأٌ شائعٌ
كما أخبرني الموتُ نفسه
حين جلسنا مرّةً على السَّرير!
وصايا
1.
أيّها الحرف
في اللحظةِ التي ستدخلُ فيها إلى المسرح
عارياً كسمكةٍ في الماء،
سَتُفاجَأ بالحروفِ التي تحيطُ بك:
حروف مُرتزقةٍ وأوغاد،
حروف مجانين وأدعياء،
حروف مُتصوّفةٍ، عشّاقٍ وأنبياء.
سَتُفاجَأ، وأنتَ تدخلُ إلى المسرح
عارياً كطفلٍ وُلِدَ الساعة،
بدموعِ تلك الحروف
أو ندمها
أو ارتباكها
أو أكاذيبها
أو هَلْوَسَتها
أو ضياعها.
2.
ولكي تمسكَ غيمةَ الروحِ على المسرح
وتطلقها إلى سماءِ الله،
ينبغي عليكَ أن تتماسك
وسطَ السيرك
وأن تتأمّلَ وسطَ حديقةِ النقطة
وأن تبتهجَ وسطَ الحلَبة
وتغنّي خارج- داخل الجوقة
وترقص على الصراط.
3.
حينَ تكملُ دورَكَ الصعب
- بنجاحٍ ساحقٍ أو فشلٍ أكيد-
مُتّجهاً إلى بابِ الخروج
تذكّرْ،
أيّها الحرف،
تلك الحروف التي التقيتَها
في السيركِ أو الحَلَبة،
في الجوقةِ أو الحديقة
أو على الصراط.
تذكّرْ وجعَها الأليمَ ومباهجها الزائلة.
تذكّرْ كيفَ كشفتَ بسرِّ العارفين
ولوعةِ المُحبّين
دموعَها،
ندمَها،
ارتباكَها،
أكاذيبها،
هَلْوَسَتَها،
وضياعَها الأبديّ!
أنين حرفي وتوسّل نقطتي
إلهي
أحببتُكَ أكثر ممّا أحبّكَ الأنبياءُ والأولياء.
فهم أحبّوك
لأنّكَ أرسلتهم بمعجزاتِ النارِ والنور.
أمّا أنا فأحببتُك
لأنّكَ أوّلي وآخِري
وظاهري وباطني،
لأنّكَ سقفي الوحيد الذي يقيني
من المطرِ والجوعِ والصواعق،
من الوحشةِ وانزلاقِ الأرضِ والذاكرة.
ولأنّكَ الوحيد الذي يستمع
إلى دموعي كلّ ليلة
دونَ أن يتعب
من أنينِ حرفي
وتوسّلِ نقطتي!
طفلة
1.
مثل ورقةٍ سقطتْ من الشجرةِ اللعوب،
مثل ريشةٍ اقْتُلِعَتْ من جناحِ طائرٍ ما
وجدت الطفلةُ نَفْسها:
اسمها لا ينطبقُ على ذاكرتها.
فأبوها يشبهُ طائراً
بل كانَ طائراً حقيقيّاً
مذبوحاً من الرقبةِ حتّى القلب،
وهي الريشةُ التي سقطتْ من جناحه الكسير،
وأمها كانت اللعوب: الشجرة اللعوب.
2.
بعدَ قرون من الضياع
اكتشفت الورقةُ الشجرةَ التي سقطتْ منها.
فنادتها مستغيثةً: أنا ابنتك!
أنا الطفلةُ، الورقةُ، الريشة!
قالت الشجرةُ: نعم، يا ابنتي.
أردفت الطفلةُ قائلةً: مَن أبي يا أمّاه؟
أيّ طائرٍ هو؟
صرخت الشجرةُ بِاسم الطائر
لكنّ الاسمَ ضاع
في الهواءِ الأسْوَد القاسي.
فالسماءُ كانتْ مُمطرةً جدّاً
والصواعقُ تملأُ الأرض
والرعدُ كانَ هو الآخر
مُبتهجاً حدّ الجنون!
طاغية
الحرفُ الذي لا معنى له
سيشعلُ للنقطةِ حرباً لا معنى لها،
حرباً تأكلُ الزرعَ والضرع.
وحينَ يتمُّ له ذلك
سيجبرُ الحروفَ كلّها
على المشاركةِ في حربه الغبيّةِ هذه
حتّى تستسلمَ له الأبجديات
وتتحوّل الكتابةُ إلى هذيان عظيم!
عابر سبيل
كلّ عام
كانَ يدخلُ إلى المدينة
ليلتقي بشاعرٍ ما.
أوّل الأمر التقى بشاعرِ الغرابةِ والقهقهات،
شاعر يشبهُ نخلةً دونَ رأس.
كانت المدينةُ تطلُّ على بحرِ المزابل.
ثُمَّ التقى بشاعرِ الضياع،
شاعر نصف عارٍ ونصف مجنون.
كانت المدينة
تطلُّ على بحرِ الجوعِ والقسوةِ والعنف.
ثُمَّ التقى بشاعرِ الملوكِ الظَلَمة
فوجده قبيحاً بصلعته الكبيرة
ومسدسه الكبير
وسيلِ شتائمه الذي لا ينتهي.
كانت المدينة
تطلُّ على بحرِ المدافع والقنابل والمشاعل.
وحينَ انتهت المدافعُ والقنابلُ والمشاعل
دخلَ المدينةَ من جديد
فالتقى بشاعرِ الغباءِ الأزليّ والتفاهةِ المعاصرة
فوجده كلباً في هيئةِ دبّ
ووغداً في هيئةِ مُهرّج.
كانت المدينة
تطلُّ على بحرِ الجُثثِ والفئران والأشباح.
تطلُّ؟
لا!
بل كانتْ تغرقُ كلّ يوم
في بحرِ الجُثثِ والفئران والأشباح.
ولذا كفَّ عابرُ السبيل
عن دخولِ المدينة
إلى أبد الآبدين!
كنتَ سعيداً بموتك
في الوداعِ الأخير
أدهشتني كثرةُ مَن رثاك:
مَن ادّعى محبّتكَ ليذرفَ دمعاً وحرفاً.
ولم أستطعْ أن أضيفَ إلى مأدبةِ الحزنِ شيئاً
فاكتفيتُ بصمتٍ فسيح.
ولكنّني قبلَ أن أموت تذكّرتك
- ولي في كلِّ يومٍ موتٌ بليغ-
فقرّرتُ أن أنادي على نوح
علّه يسمعنا هذه المرّة
أو أنادي على حمامته أو غُرابه
أو أنادي على مَن نجا في سفينته.
وقرّرتُ أن أنادي، كذلك،
على آلامِكَ الباسلة:
أنادي على بودليرك
وعلى مُتنبّيكَ وسيّابك
وعلى خرابِكَ الأزليّ
وعلى حاناتكَ السبع
وخساراتكَ الشاسعة.
فاكتشفتُ أنّكَ كنتَ سعيداً بموتِك!
نعم،
فلقد أتعبَكَ الحرفُ وخذلتكَ النقطة
وضيّعَكَ المنفى وباعَكَ البحر
وسرقَكَ اللصوصُ والشعراءُ
المؤدلَجون
وسطَ الصحراءِ الكبرى.
هكذا ارتبكتُ وأنا وسطَ الرقصة
وذهلتُ وأنا وسطَ الدمعة
حيث رأيتُ مشهدَ موتي
وحيداً
فريداً
إلّا من التابوتِ الذي كانَ طويلاً
كسفينةِ نوح.
جمجمة
كلّما حاصرَ الشاعرَ الخوفُ أو الملل
أو خَطَرَ له خاطرٌ من الشوق لماضٍ قتيل،
أسرعَ ليقرأ في كتابِ مجنونٍ حكيم.
مجنون حكيم مُتّهم بالغواية
والهذيان المُركّز،
ومُتّهم بقتلِ نَفْسه
بسكّينِ طفولته الحافية،
ومُتّهم بقتلِ أبيه
وصاحبته وبنيه،
ومُتّهم، كذلك، بقتلِ ذاكرته
ذات الألف ثقب وثقب.
كانَ الكتابُ كبيراً
وسطورهُ مكتوبة بلغتين: ميّتة ومُنقرضة.
لكن حينَ أخذَ الشاعرُ الكتابَ معه
إلى البلدِ البعيد
صارتْ سطورُهُ مكتوبةً بالدمِ والفحم
والصراخِ العجيب.
بل إنّ الكتاب
تحوّلَ في مساءٍ مُركّز
إلى جمجمة!
ليسَ مِن خيارٍ إذن:
لبسَ الشاعرُ الجمجمة!
فصارَ خوفُهُ ومللُهُ وشوقُه
جماجمَ صغيرةً مكتوبةً بلسانٍ عربيّ مُبين!
قرد الصحراء
حينَ أتوا به من الصحراءِ إلى الملك
أُعجِبَ به الملكُ جدّاً
إذ لم يرَ قرداً
يرقص من قبل
بهذه الخفّة
وهذا الاحتراف!
ولذا أصبحَ تسلية الملك الأولى
صباحاً ومساءً
مساءً وصباحاً
بل صارَ الملكُ يصحبه
ليقدّمَ رقصته
أمامَ زوجاته البدينات
أو ضيوفه الإمّعات.
وحينَ يصيبُ القردَ الملل
يُؤخَذُ إلى الغابةِ البعيدة
ليلتقي بأصدقائه القِرَدة،
فيعرض القردُ عليهم
مزهواً هدايا الملك:
موز ذهبيّ،
تفّاح ذهبيّ،
عرموط ذهبيّ.
تفرحُ القِرَدة
لمنظرِ الفاكهةِ العجيبة
وتحاولُ جاهدةً
أن تمضغَ الموزَ الذهبيّ
والتفّاحَ الذهبيّ
والعرموطَ الذهبيّ.
وحينَ تفشلُ في مضغها
ترمي القِرَدةُ الفاكهةَ الذهبيّة
على الأرض
وتتسلّقُ الأشجار
لتطلقَ أصواتاً منكرةً
ساخرةً
من قردِ الملكِ الذي يشعر،
وقتئذٍ،
بالخزي من نَفْسه،
ومن الأصدقاء القِرَدة،
ومن الملكِ وَهَداياه:
الموز الذهبيّ،
والتفّاح الذهبيّ،
والعرموط الذهبيّ!
حاء باء
حينما متُّ
لم يشأ أحدٌ أن يخبرَ الحروف
بالنبأ الأليم.
عدا الحاء الذي أعلمهُ قلبهُ بالنبأ
والباء الذي خَطَرَ له خاطرٌ في المنام
فأصرّا أن يرافقاني إلى مثواي الأبديّ
في أقصى قارّاتِ الماءِ والمساء
باكيين
مذهولَين
كمركبِ لاجئين
يغرقُ في بحرِ الظلمات.
نعم،
فالحاءُ رفيقُ طفولتي المُحنّطة
بالبردِ والحرمان
وشبابي الذي يشبهُ جَمَلاً تائهاً
في الصحراء.
والباءُ رفيقُ شيخوختي التي بدّدتُها
على الشاطئ البعيد
أتأمّلُ زرقةَ البحر
وأكاذيبه
أعني قصائده العارية التي لا تكفّ
عن الموتِ والهذيان.
العلقم
1.
في بيتِ الطينِ ووطنِ الطين
سيعطونكَ صحناً من البطّيخ لتنسى.
بطّيخ حلو
ما أن تضعهُ في فمِك
حتّى يصبحَ مُرّاً كالعلقم.
2.
المشهدُ قاسٍ حتماً.
فكراجُ السياراتِ مُوحشٌ ومُظلم
وأنتَ تهربُ من شمسٍ سوداء إلى شمسٍ خضراء.
ينبغي عليكَ وأنتَ في صميمِ طفولتكَ اليوميّة
أن تخفي أسماءَ أمطاركَ الموسميّة،
أن تخفي شعاعَ الروحِ في قلبك
وتحذر من السائقِ المُرتاب
وقاطعِ التذاكرِ البشع
والركّابِ الذين يشبهون سجناء
يُقادون إلى منصةِ الإعدام.
3.
لم تكن الرحلةُ سوى رحلة يوسفيّة.
فابتلاعُ البطّيخ تكرّرَ ثانية
بل أصبحَ يتمّ تحتَ التهديد
ليشي بفسادِ الأمكنة
وتفاهةِ البئر
وتخاذلِ المطر!
نعم،
فمرارةُ البطّيخ صارَ لها طعم الأيديولوجيا
وطعم الشرطةِ السرّيةِ والعلنيّة
وطعم المهرّجين والمهرّجات
وطعم المدنِ المنكوبةِ بالجوعِ والمزابل الليليّة.
4.
ستستبدلُ، إذن، بطّيخةً بأخرى.
المرارةُ تقودُ إلى الموت.
المرارةُ تتكرّر.
المرارةُ ترافقها الوحشة
وقاموسُ الأخطاء
وبلاهاتُ الرغبةِ والحُبّ.
5.
احذرْ فالموتُ آتٍ
وسوطُ الأيديولوجيا يجعلُ الناسَ سُكارى
وما هم بسُكارى.
ستستبدلُ، إذن، بطّيخَ الطينِ ببطّيخِ البحر،
أعني ببطّيخِ بلادِ البحر.
لا يهمّ،
فسوءُ الفهمِ أضحى أزليّاً
كما يقولُ الفلاسفة
وأضحى مُزمناً كما يقولُ الأطباء.
واحذرْ فالبحرُ آتٍ.
6.
وا سيّداه
الرحلةُ أقسى ممّا أتصوّر.
وأمطاري الموسميّةُ تحاصرني
فأبتهجُ في حلمي لحظات
لألتقي في بلادِ البحر
بالخنزيزِ خادمِ الملوكِ الظَلَمة
وبالخرتيتِ آكلِ القمامة
وكاتبِ مقالاتِ القمامة
وبالقردِ الذي قضى عمره
في سجنِ الصحراء.
وا سيّداه
الرحلةُ أقسى ممّا أتصوّر.
والموتُ صارَ لي عنواناً
أستبدلُ التاءَ فيه بالواو
والواوَ بالميم
فلا ينفع
ثُمَّ أكتبُ الألفَ بمدادِ دمي
وآمرهُ بالطيران
فلا يستطيع.
وأنتبهُ للدالِ: دال الطفولة،
دال الأمطارِ الموسميّة،
دال الحبرِ الأخضرِ والشَّمسِ الخضراء
ولباس الحبيبةِ الأخضر،
آمرهُ بالحضور
فلا يستطيع.
والياء باء
والباء آخر ما تبقّى
والباء باؤك وا سيّداه!
7.
وا سيّداه
البطّيخ مُرّ كالعلقم.
والعلقمُ صارَ كالسكّين يمزّقُ البلعوم
وأنتَ أقربُ من حبلِ الوريد.
فما العمل؟
وا سيّداه
البطّيخُ صارَ أكثر مرارة من الموت.
والموتُ اختفى في ماضٍ
يجيدُ لبسَ القناع والسيرَ وسطَ الظلام،
وحاضرٍ يجيدُ رفقةَ القِرَدَة والخنازير،
ومستقبلٍ يخفي شمساً سوداء
يسمَيها الفلاسفةُ شمسَ العدم
ويسمّيها الشعراءُ شمسَ الحقيقة
ويسمّيها الحالمونُ شمسَ الأمطارِ الموسميّة
ويسمّيها أو يسمّونها أو تسمّيها...
وما الفائدة؟
الفاكهةُ الوحيدةُ هنا هي البطّيخ
والبطّيخُ مظلمٌ وموحش،
البطّيخُ مصابٌ بأيديولوجيا سوء الفهم
وسوء الحظّ،
البطّيخُ هو الحظّ،
البطّيخُ هو الطفولة،
البطّيخُ هو العيدُ وثياب العيد،
البطّيخُ هو الفرات،
البطّيخُ هو لباسُ المرأةِ الأخضر
وشمس الله الخضراء.
وا سيّداه
الرحلةُ أقسى ممّا أتصوّر.
الرحلة يسمّونها أو أسمّيها أو تسمّيها...
وما الفائدة؟
ذات ربيع
ذات ربيع
أقامت الحروفُ معرضاً في الهواء الطلق.
رسمت الباءُ امرأةً عارية
تبيعُ البيضَ في السوق.
ورسمت الحاءُ دماً يتدفّق
وجلّادين يتقاتلون كالوحوش.
ولثغت الراءُ بِاسمها
فتساقطتْ طفولةُ الفراتِ من كأسها
وسطعتْ ألوانُ العيدِ البعيدِ في عينيها
لتضحكَ أفلامُ الغرامِ والانتقام
في جيوبها التي مزّقها الدهر.
وتألّقت السين في مشهدِ الطينِ والماء.
ولوّنت النقطةُ مشهدَ الارتباك
حيث يعزّي الأنبياءُ والأولياءُ والشعراء
بعضهم بعضاً
بمناسبةِ حضورِ مشهدِ الجنازة
ممتلئاً برفيفِ أجنحةِ الملائكة
وصيحاتِ الأتباعِ والخاطئين، والمخلصين والمرتدّين.
وحده الألف
كانَ يراقبُ المشهدَ من شرفته العالية
مذهولاً
إذ أنفقَ العمرَ كلّه
يتأمّلُ في مشهدِ المرأةِ العارية
والدمِ المتدفّقِ وصيحاتِ الجلّادين
والفراتِ الطفل
وأفلامِ الغرامِ والانتقام
ومشهدِ الارتباك
مزدحماً بالأنبياءِ والملائكةِ والخاطئين والمرتدّين.
وحده الألف
كانَ يراقبُ المشهدَ المُضحكَ المُبكي.
لكنّه في ربيعٍ عجيب
سقطَ من شرفته العالية.
(قيل إنّ رفيفَ الملائكة
شجّعه على الطيران
وقيل إنّ الشيطانَ أغراه)
فلما سقطَ على الأرض
وانفصلت الهمزةُ عن رأسه الشريف
أفاقَ وصاحَ: لِمَ؟
وكيف؟
وممَّ؟
وعلامَ؟
وإلامَ؟
غيرَ أنّ الحروف
لم تأبهْ كثيراً لأسئلته الكبرى
ولا لدموعه الحرّى
وبقيت تقيمُ معرضَها في الهواءِ الطلق
كلّ ربيع.
لا فائدة!
حينَ وُلِدَ الحرفُ (هل لولادته فائدة؟)
نزلَ ليسبحَ في بحرِ اللغة
حتّى كادَ يغرق في بحرِها المُتلاطمِ العجيب.
قيلَ له: ابحثْ عن نقطتِكَ يا هذا!
قال: هل مِن فائدة؟
قيلَ له: لا معنى لك دونما نقطةٍ فانتبهْ!
وإذ بدأَ رحلةَ البحثِ هذه
واجهتهُ كوارثُ البحرِ كلّها
فأُصيبَ بسوءِ الحظّ
وسوءِ التوقيت
وسوءِ التقدير
وسوءِ الاختيار
وسوءِ التدبير.
لم يستسلم الحرف
كانَ قلبهُ مثل شمسٍ استوائيّةٍ مبهجة.
قيل له: إيّاكَ أن تستسلم
فاللغةُ بحر عنيد
وليستْ هي العيد أو مركب العيد.
هكذا كافحَ الحرفُ سبعين عاماً
هي العمر كلّه
حتّى أُصيبَ، أخيراً، بسوءِ العاقبة!
وا أسفاه
لا فائدة!
قصيدة بلا عنوان
1.
حينَ نثرتُ حروفي على الورقة
رأيتُها في مشهدٍ عجيب:
رأيتُ حرفاً يشعلُ الحرائق
في كلِّ مكان.
ورأيتُ الآخرَ يخنقُ الماضي
ويذرُّ رمادَ المستقبل.
ورأيتُ الثالثَ يجلدُ نَفْسَه
والرابعَ يحلمُ بغيمةِ حُبّ
تأخذه بعيداً بعيداً
حيث الأجساد بنعومةِ الزبدة
وبلذّةِ قُبْلةِ الوصال.
ورأيتُ الخامسَ يمارسُ الغشّ
مُستمتعاً بالأكاذيب والترّهات.
ورأيتُ السادسَ باكياً على طفولته
والسابعَ مصعوقاً من نقطته
والثامنَ غاطساً في الياء والسين
والتاسعَ ضائعاً في كأسه وخمرته.
2.
كانَ المشهدُ رماديّاً.
والقصيدة،
أعني الجملة،
أعني الكلمة،
بحروفها التسعة
عصيّة على الولادة
ما دامت عصيّة على الوصولِ إلى نَفْسِها
في آخر المطاف!
أنتِ أنتِ وأنا أنا
قالَ الحرف:
أيّتها النقطة،
كنتِ أنتِ أنا
وأنا أنتِ
حينَ كنّا في منتصفِ القُبْلة،
في منتصفِ السَّريرِ الضيّق،
في منتصفِ ربيعِ الحُبّ،
في منتصفِ حلمِ الطائرِ فوقَ البحر.
فماذا حدث للقُبْلة،
للسريرِ الضيّق،
لربيعِ الحُبّ،
لحلمِ الطائرِ فوقَ البحر،
لتصبحي أنتِ أنتِ
وأنا أنا؟
بلد سحريّ
في بلادِ الكنغر
ينبغي أن تمارسَ الطيران
دونَ رأسٍ أو جناح
دونَ بوصلةٍ أو اتجاه.
ينبغي أن تنام
وأنتَ تقطع المُحيط
طافياً فوقَ خشبتك،
وأن تقطعَ المُحيط
طافياً فوقَ خشبتكَ وأنتَ تتلاشى،
وأن تتلاشى وأنتَ تحلم،
وأن تحلمَ وأنتَ تحترق،
وأن تحترقَ وأنتَ تمارس النوم.
أعني أن تحترقَ وأنتَ تنام
في هدوءٍ عظيم!
صديقي تولستوي
ليسَ مِن حقّك،
يا صديقي العظيم تولستوي،
أن تلقي بآنا كارينينا
تحتَ عجلاتِ القطار!
كيفَ سمحتَ لعجلاتِ القطار
أن تقطّعَ أصابعَ آنا المترفة
ووجهها المضيء بالعذوبةِ والرقّةِ والجمال
وشعرها الفاتن
وجسدها الذي عشقهُ كلُّ مَن رآه؟
ليسَ مِن حقّكَ،
يا صديقي العزيز،
أن تقتلَ آنا
أمامَ عينيّ المُثقلتين بالدموع
وقلبي الغاطس في الأسى
وجسدي الذي يفنى بهدوء
في أقاصي الدنيا
لتجعلني شاهداً أخرس
لا يستطيع أن يفعلَ أيَّ شيء
سوى الاعتذار لآنا كارينينا
كلّ ليلة
بكلماتٍ لا معنى لها
ولا هيئة لها
عن جريمةٍ
لم يقترفها
على الإطلاق!
*********************
آنا كارينينا هي بطلة رواية تولستوي الشهيرة المعنونة: "آنا
كارينينا".
سقوط الحرف وصعود النقطة
عندما بدأنا نشربُ الخمرة
في حانةِ المسرّة
فرحين وسطَ الموسيقى العجيبة
ومنتشين كما ينبغي لأمثالنا من الفانين،
سقطَ الحرف
سقطَ الحرفُ من كرسيّه العالي
على الأرض
مغشيّاً عليه
وتناثرَ جسدُهُ طيوراً وبلابل،
دماً ودموعاً،
أدعيةً وصرخات.
وحينَ التفتُّ إلى النقطة
وجدتُها تنهض
لتصعدَ إلى مسرحِ حانةِ المسرّة
لتتعرّى وترقص،
لترقصَ وتتعرّى
بكلِّ ما أوتيتْ
من رغبةٍ وشهوةٍ وجنون.
لماذا
إلهي
لقد غيّبَ الموتُ العاشقَ والمعشوق
والمغنّي
والأغنية
والمستمعين واحداً
بعد الآخر.
ثُمَّ غيّبَ الموتُ صاحبَ المقهى الذي كان
يذيعُ الأغنيةَ كلّ يوم
من مذياعه العتيق.
ثُمَّ غيّبَ المذياعَ العتيق
وكراسي المقهى ومراياه الكبيرة.
وأخيراً،
دونَ مقدمةٍ ذات مغزى أو معنى،
غيّبَ الموتُ النهرَ الغامضَ الذي كان
يعطي المقهى
والأغنية
والمغنّي
والمستمعين
وصاحبَ المقهى ومذياعه العتيق
سحرَ الحياة.
إلهي
وحدي كنتُ الحيّ الباقي،
الحيّ الشاهد على ما حدث،
أعني الحيّ الذي يكتبُ هذه الحروف
بقلمه المُرتبكِ حدّ اللعنة
والذي يتوقّفُ كلّ دقيقة
ليتأكّدَ مِن أنّ أصابعه لم تزلْ
تستطيع الكتابة!
بكاء
1.
جلسَ الصَّبيُّ وسطَ حشدٍ كبيرٍ من الشعراء:
كانوا يرثون والدَ الصَّبيّ الذي مات
دونَ مُقدمةٍ أو بَسْملة
وتركَ الصَّبيّ في غربةٍ مُثخنةٍ بالأسى.
أفرطَ الشعراءُ في مدحهم لأبيه
قالوا عنه كلاماً بليغاً
لم يفهم الصَّبيُّ منه كلمةً واحدة.
قالوا: لقد كانَ شاعراً
بزَّ في شِعْره القدماءَ والمُحدثين،
شاعراً لا يُشَقُّ لهُ غُبار.
قالَ الصَّبيّ في سرّه:
(ما معنى بزَّ في شِعْره؟
وما معنى لا يُشَقُّ لهُ غُبار؟)
ثُمَّ أكملَ الشعراءُ أمسيتَهم
بتناولِ عشاء فخمٍ أعدّهُ رجلٌ محسنٌ وغريب.
وبدأوا يتناقشون في "الكاسِ والطاس"
بل إنّ بعضهم صارَ يضحكُ بفمٍ أدرد
لآخر يلقي طرفةً داعرة
بصوتٍ خفيض.
2.
حينَ غادرَ الشعراءُ في آخر الأمسية،
بكى الصَّبيُّ
بكاءً مُرّاً.
بكى على أبيه
وعلى فراقِ أبيه
وبكى من كلامٍ لم يفقه منه شيئاً
وبكى، كذلك،
على عشاء لم يذقْ منه
لقمةً واحدة!
أقول الحرف وأعني أصابعي
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان، ط 1، 2011
ثمّة خطأ
1.
ثمّة خطأ في السَّرير
وفي الطائرِ الذي حلّقَ فوقَ السَّرير
وفي القصيدةِ التي كُتِبَتْ
لتصفَ مباهجَ السَّرير
وفي المفاجأةِ التي تنتظرُ السَّرير
في آخر المطاف.
2.
ثمّة خطأ في الأصابع،
والشوق،
ولحظةِ العناق.
ثمّة خطأ في الجسد،
أعني في تفّاحِ الجسد
وخياناته وَصَبَواته العجيبة.
3.
ثمّة خطأ في الكأسِ والخمرة
وفي الرقصةِ والراقصة
وفي العُري
والتعرّي
وفي وثائقِ التابوت
وفي النشيدِ، والنشيجِ، والضجيج،
والحروبِ التي أكلتْ أبناءَها
أو التي ستأكلهم عمّا قريب.
4.
ثمّة خطأ في السرِّ، والقبرِ، والمنفى
وما بين الساقين.
ثمّة خطأ في الطائرة
وفي مقصورةِ الطيّار
والسنواتِ التي انقرضتْ فجأةً
دونَ سابق إنذار.
ثمّة خطأ في البحر
والجلوسِ قربَ البحر
وقربَ العاريات،
أعني العاريات تماماً.
5.
ثمّة خطأ يكبر
وآخر يتناسل
وثالث يشيخ
ورابع يبكي
وخامس يهربُ من منفى الى منفى
ومن دمعةٍ الى دمعة
ومن رمادٍ الى رماد.
6.
ثمّة خطأ في الحرفِ وآخر في النقطة
وفي ساعةِ الرملِ
أو ساعةِ الصخر
وفي الذكرى، والموعدِ، والسكّين
وفي المفتاحِ، وبابِ البيتِ، والمطر
وفي القُبلةِ، وكلمةِ الأسف
وفي رغبةِ شفتيكِ وشفتيّ
وفي كلمةِ: "أحبّك"
وكلمةِ: "وداعاً".
7.
وأخيراً
وباختصار سحريّ
ثمّة خطأ يشبهني تماماً
مثلما يشبه البحرُ نَفْسه
والموسيقى طائرَ الفجر،
خطأ
لا ينسى ولا يتسامحُ حدّ الموت
يفتحُ بابَ الموت
بهدوءٍ
أسْوَد
ويطير.
الرقصة
أزلتُ عن قصيدتي الهوامش
ثُمَّ أزلتُ الفوارز وعلاماتِ الاستفهام
والتعجب والارتباك.
ثُمَّ صرتُ أكثر
شجاعةً
فأزلتُ المعنى عن قصيدتي
بعدَ أن أزلتُ النقاطَ عن الحروف بالطبع.
حينها
بدأتْ حروفي تتماسك
لتشكّلَ دائرةً تحيطُ بي
وأنا في وسطِها.
وبدأت الحروفُ عاريةً تماماً
ترقصُ وترقصُ وترقص
رقصةً وحشيّة
وأنا لا أعرف مَن أنا:
أأنا المصلوب في أورشليم الذي وشى به يهوذا؟
أم أنا المصلوب على جسرِ الكوفة
لسنين عدداً؟
أم أنا طوطمٌ أفريقي
خُلِقَ ليبتهجَ بقرعِ الطبول؟
أم أنا مجرّد حرف ضّال،
حرف خارج عن القطيع،
حرف ممسوس
أمسكَ الشَّمسَ بيمينه
والقمرَ بشماله،
فكرهته الحروفُ جميعاً
وقرّرتْ أن تعاقبهُ بالسجنِ المُؤبّد
عبرَ رقصها الوحشيّ المُؤبّد
حولَ صليبه العجيب؟
العودة من البئر
1.
لماذا تركتهم يلقونني في البئر؟
لماذا تركتهم يمزّقون قميصي؟
لماذا تركتهم يكذبون،
وأنتَ تعرفُ أنّهم يكذبون؟
أعرفُ أنكَ كنتَ شيخاً جليلاً
وأنّهم - وا خجلتاه - استغلّوا
ضعفكَ البشريّ
وبياضَ لحيتِك
ودقّةَ عظمِك.
أعرفُ هذا
وأعرفُ أنّهم تركوني إلى الموت
قابَ قوسين أو أدنى
وأنّ الذئبَ كانَ أرحم من أراجيفهم.
لكنّني كنتُ ضعيفاً.
أصدقكَ القول
لم أستطعْ أن أقاومَ سحرَ لثغتها
ولا أنوثتها الطاغية
فسقطتُ في البئر
وصحتُ: انتشلْني
يا مَن كُتِبَ عليه ما قد كُتِب
من عذابٍ عجيب.
صحتُ: سلاماً
إنّني أهوي إلى القاع.
فهل سقطتْ دمعتُك
من بؤبؤ الحزنِ حتّى تراني؟
أصدقكَ القول
إنّني لم أعدْ بعد.
إنّني أحلمُ أن أعودَ إليك
لأبكي على صدرِكَ الطيّب
وأصيحُ : أبي يا أبي
أيّها البعيد كهلالِ العيد
والقريب كهلالِ العيد
أريدُ أن أراك
لآخر مرّة.
قالَ إخوتي: إنكَ متّ.
لكنّهم - كما تعرف - يجيدون فنَّ الكذب
ولم يسلمْ حتّى الذئب من أكاذيبهم.
لكنّهم صدقوا هذه المرّة
فأنتَ متّ بين يديّ
وكنّا وحيدين
في غرفةِ صباي وشيخوختك،
أعني صباي المُلوّن بالحرمان
وشيخوختك المُعطّرة بالألم.
كنّا وحيدين.
2.
كنّا وحيدين
حينَ متَّ بين يديّ.
لم تقلْ شيئاً.
لم تقلْ أيَّ شيء.
لماذا لم تقلْ أيَّ شيء؟
لم أقلْ لكَ أيَّ شيء.
لماذا لم أقلْ لكَ أيَّ شيء؟
لم نقلْ أيَّ شيء.
لماذا لم نقلْ أيَّ شيء؟
وكنتُ قربكَ ألبسُ قميصي المُمزّق،
القميص الذي لبستُه طوال عمري
حزناً عليك.
إذنْ، لماذا تركتَهم هكذا
يرقصون طرباً من لذّةِ الحقدِ والانتقام؟
لماذا كنتَ ضعيفاً إلى درجةِ الوهم؟
لماذا كنتَ طيّباً
كطيبةِ دمعتِكَ الطاهرة؟
ولماذا أورثتني دمعتَكَ الطاهرة
يا أبي؟
إنّي أنا الحلّاج
لا تقتربْ من ناري!
من نارِ قلبي وسرّي،
فإنّي أخافُ عليكَ من النار:
من دمِها ولوعتِها وضوضائها،
فكنْ على حذرٍ
أيّهذا المُعذَّب بالشوقِ والليلِ والأهلّة،
أيّهذا الغريب الذي يجدّدُ غربتَه
بدمعتين اثنتين
في كلِّ فجرٍ
وفي كلِّ ليلة.
لا تقتربْ!
أخافُ عليكَ من الصلب
وما بعد الصلب.
أخافُ عليكَ ممّا ترى
ولا أخافُ عليكَ ممّا لا ترى،
فكيفَ سيُسمّونكَ حينَ تموت؟
كيفَ سيُسمّون حرفَكَ الإلهيّ:
أعني معجزةَ نونكَ وأسطورةَ نقطتك؟
وكيفَ سيقترحون تاريخَكَ الأرضيّ
وجغرافيتَكَ السماويّة؟
هل سيقيسونكَ بمساطرهم الغبيّة
وبمقولاتهم الجاحدة
لتضيعَ كما ضعتُ من قبلك؟
أم سيقيسونكَ بمحبّتهم القاسية
وبعشقهم المزيّف
لتضيعَ ثانيةً كما ضعتُ من قبلك؟
لا تقتربْ!
أيّهذا الحُروفيّ الذي يقترحُ الحرفَ اسماً
لكلِّ شيء
ويسمّي الأنبياءَ بالأحبّة
والشموسَ بالأهلّة
والسرَّ بالبلْبَلة
والنارَ بالقَبَسِ المُوسويّ
ثُمَّ يمضي من النهرِ إلى الصحراء
ومن الصحراء إلى البحر
ومن البحرِ إلى الموت،
أعني إلى النار
وهو يحملُ جثّتَه فوقَ ظهره.
لا تقتربْ!
فلقد احترقتُ قبلكَ ألفَ مرّة
وما ارعويت.
لا تقتربْ!
إنّي أنا الحلّاج
اسمُكَ اسمي
ولوعتُكَ لوعتي
ودمعتُكَ دمعتي
ووهمُكَ وهمي
وصليبُكَ صليبي.
أرجوك
إنّها النار التي لا تُبقي ولا تَذَر
فلا تقتربْ منها أيّهذا البشر!
زوربا
سترقصُ، إذن، يا صديقي.
سيجتاحُكَ الوهمُ أو الموج.
(حسناً الموجُ أجمل).
وسترفعُ قدمَكَ إلى الأعلى.
ستبتسم
ابتسامتكَ الجميلة بالشهوةِ والسخرية
وستضحكُ حقاً.
(ليسَ من الموتِ طبعاً
ولا من عبثِ الحياةِ وأكاذيبها
ولا من النساءِ اللواتي...)
نعم،
سترقصُ أيّها الزوربويّ المهووس
بالفجرِ والحُبِّ والبحر.
وسترفعُ قدمَكَ الثانية
وتقفزُ قليلاً،
سترى أنّكَ قد رأيتَ فجراً
وربّما تذكّرتَ قُبْلةً من عسل
وربّما صعدتَ إلى الماضي.
ستنظرُ إلى البحر:
إنّه
هائلٌ وغامضٌ ومُخادع.
فكيفَ السبيل إلى ترويضه؟
هل يمكنُ لرقصةٍ ساحرة
أن تروّضَ البحر؟
أو أن تروّضَ الموت؟
(البحرُ أسهلُ من دونِ شك).
ستستديرُ الآن
لتقول:
ما لنا وللموتِ في هذه الساعة النادرة؟
(سحقاً، إذنْ، للموت!)
وستضحكُ حقاً
ليسَ من حُلمِكَ الذي تناثرَ فوقَ البحر
ولا من جسدِكَ الذي لم يعدْ يصخب مثلما البحر
ولا من البحرِ الذي لا يستمعُ لموسيقاكَ الهائلة
فهو مشغول بعُريه الفادحِ منذ ألف عام.
ستسخرُ. ممّن إذن؟
مِن الرقص؟
لا.
مِن الرمل؟
لا.
مِن الحُبّ؟
لا.
مِن الحظّ؟
لا.
مِن الخوف؟
لا.
ستكرّرُ لا ولا ألف مرّة
إلى أن تنهارَ فوقَ الرمال
والقلبُ ضاحكاً مثل طفل سعيد
يصيح: لا.
وأنتَ من خلفه مذهولاً تصرخ: لا
لا
لا
لا
لا
لا
لا!
صقر فوق رأسه الشَّمس
إلى: الشاعر الراحل رعد عبد القادر
1.
لم تكنْ تتوقّع
أن تنتهي الرحلة
بهذهِ السرعة.
فلقد أعددتَ مُبتهجاً
المزيدَ من المشاهد لمسرحيّتك
والمزيدَ من الفصولِ لروايتك
والمزيدَ من الأمطارِ لحديقتك.
لكن،
كما ترى،
فإنَّ الرحلة
قد انتهتْ بسرعة
إلى ما ينبغي لها
أو إلى ما لا ينبغي لها.
ولا فرق!
2.
حسناً
وبمثلِ ما ينبغي أن يُقال
فقد نُسِيتَ أو دُفِعْتَ إلى بئرِ النسيان.
والأصدقاءُ الذين صُعِقوا لموتِكَ الأسطوريّ
وذرفوا الدموعَ لموتِكَ الأسطوريّ
عادوا فنسوكَ بسرعةِ البرق
- مثلما ينبغي في مثل هذه الحال!-
ليبحثوا بين دفاتر أيامّهم المتهرّئة
عن المباهج، والنساءِ، والدنانير.
3.
لم تعدْ هناك شمسٌ، إذنْ،
فوقَ صقرك.
ولم يعدْ هناك صقرٌ، إذنْ،
فوقَ شمسك.
صقرُكَ حلّقَ عالياً عالياً
بعدما سقطتْ شمسُكَ في البحر
ولم تكنْ هناك
آلهةٌ لتستقبلها
ولا أنبياء
ولا مُريدون
ولا مُهرّجون!
********************************
* العنوان هنا مأخوذ من مجموعة الشاعر الراحل رعد عبد القادر
الأخيرة: (صقر فوق رأسه الشَّمس).
غزال أكل قلبَه النمر
أحببتُكَ وأنا داخل النَّصّ
وأحببتُكَ وأنا خارج النَّصّ
وأحببتُكَ وأنا أكتبُ في نقطةِ النَّصّ،
فكنْ بي رحيماً
- أنتَ الذي اسمُكَ الرحمة-
فالنَّصّ لا يعرفُ مَن يتنفّسه
في كلّ لحظة
ويتألقُ به وسطَ الظلام
في كلّ لحظة
وينبضُ به في كلّ لحظة.
أنتَ،
وأنتَ فقط،
يعرفُ مَن يقرأ النَّصّ
دونَ أن يسبرَ غوره
ويعرفُ، كذلك، مَن يتنفّسه
حتّى يكاد ينبضهُ نبضةً نبضة
داخل القلب.
فكنْ بي رحيماً
وأنا داخل النَّصّ
وأنا خارج النَّصّ
فالظلامُ الذي يشتدُّ حولي
ليسَ كأيّ ظلام
والعطشُ الذي شقّقَ لساني
جعلَ كلماتي جريحةً
مثل غزال أكلَ قلبَه النمر.
حارس الفنار قتيلاً
إلى: محمود البريكان*
1.
اقلب المائدة
وحطّم الكؤوس
فلقد قُتِلَ حارسُكَ أيّهذا الفنار!
حارسُكَ الذي أنفقَ سبعين عاماً
جالساً تحتَ عرشِكَ الوهميّ
وفوقَ ساحلِكَ الوهميّ
يرقبُ السفنَ وهي تغرق
أو تتيهُ في الأزرقِ اللانهائيّ
ويرقبُ الموتى وهم يراجعون
لوائحَ أسمائهم
في جهنّم باسمين يرتعدون
أو في الجنّةِ واجمين لا ينطقون.
نعم،
قُتِلَ حارسُكَ الذي اعتزل
كلَّ شيء مضى
وكلَّ شيء أتى
لينجو بجلده في بلادِ السواد.
وما عرفَ أنّه سَيُذبَحُ يوماً
ذبح الخرافِ بأرضِ السواد.
2.
ما قتلته النفْسُ التي سماؤها الشهوات
ولا تلك التي سماؤها الكراسي والسياط
بل قتلته النفْسُ التي سماؤها الدينار
وخرجتْ من مسرحِ جُثّته
بحفنةِ دنانير
لونها الدم
وأحداقها الدم.
فاقلب الكراسي والمائدة
أيّهذا الفنار
وحطّم الكؤوس
على مسرحِ النفوس.
فلقد ذهبَ الذي اعتزلَ وما نجا
والذي أنفقَ العمرَ كلّه
يخدمُ الحرفَ كلّه
ويبسملُهُ كلّ ليلة
بالياءِ والسين.
ذهبَ بعدَ أن رقص
معَ الزائر المجهول
عارياً كنبيّ
عارياً يحملُ بيديه الضعيفتين
رأسَه المقطوع!
******************************
* محمود البريكان - لمن لا يعرفه - شاعر عراقي كبير من جيل
السيّاب والبيّاتي. اعتزل الدنيا بما فيها ليكتب رائعته: (حارس
الفنار) وفيها يتأمّل العالم منتظراً الزائر المجهول.
وما عرف أنّ هذا الزائر- وا خجلتاه- سيكون لصّاً يذبحه من أجل
حفنة دنانير!
اليد
في الطفولة
فتحتُ يدَ الحرف
كي أجدَ قلمَ حبرٍ أخضر
فوجدتُ وردةَ دفلى ذابلة.
وفتحتُ يدَ النقطة
فوجدتُ دمعةَ عيدٍ قتيل.
وفي الحرب
فتحتُ يدَ الحرف
كي أجدَ طائرَ سلامٍ
يرفرفُ فوقَ روحي التي أربكها
مشهدُ الدم،
فوجدتُ حفنةَ رمادٍ
وقصيدةَ حُبٍّ مزّقتها الطلقات.
وفتحتُ يدَ النقطة
فوجدتُ دمعةَ أمٍّ بكتْ ابنها القتيل.
وفي المنفى
فتحتُ يدَ الحرف
فوجدتُ باباً
قادني إلى أربعين باباً
وخلفَ كلّ باب
جسد عارٍ شهيّ ومُهان.
وفتحتُ يدَ النقطة
فوجدتُ نفسي
أكتبُ قصيدتي التي لا تكفُّ
عن الاحتفاءِ بالبحرِ والحُبِّ والشَّمس
رغمَ العواصفِ والصواعق
وأشلاءِ السفنِ التي سدّتْ عليَّ الأفق
من السُّرّةِ حتّى العنق.
وصيّة حروفيّة
حينَ يجلسُ الحرفُ قبالتك
لا تتكلّمْ قبلَ أن يبدأ الكلام.
اصغِ إليه حينَ ينطق
وابكِ حينَ يئنّ
وقبّلْهُ في جبينه المُضيء
حينَ يقبّلك
في جبينكَ الذي أكلهُ التراب.
وحينَ يغنّي
قمْ فارقصْ
فسيكونُ الحرفُ نايك
بل سيكونُ طائركَ الأبْيَض
مُحلّقاً في السماءِ الزرقاء.
وحينَ يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحُبّ
(وكثيراً ما يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحُبّ)
ضعْ إصبعَكَ على شفتيكَ علامةَ السكوت
وابدأْ كتابةَ القصيدةِ فوقَ الماء!
يا صاحب الوعد
1.
يا صاحبَ الوعد
حملوا رأسكَ فوقَ الرماح
وطافوا به كوفة الوعد. أيّ وعد؟
كنتُ أبصرُ شهوةَ الدينار
تلمعُ في عيونهم الكليلة
وأبصرُ شهوةَ الغدر
في سيوفهم المُغبرّة.
2.
يا صاحبَ الوعد
كنتُ أركضُ خلفهم
- أنا الشاهدُ الأخرس-
وأكادُ أختنقُ من ترابِ الخيول.
لقد انتصروا!
الله أكبر!
وكانت الدنانيرُ تُلقى على الناس
في كوفة الوعد. أيّ وعد؟
وشعراءُ الكديةِ يهلّلون
لدمِكَ المسفوح
ويمتدحون رمحاً حملَ وعدَك
وسيفاً حزَّ عنقَ مُحبّ الإله.
3.
لبّيك
يا حاءَ الحق.
لبيكَ يا سينَ السرّ
وياءَ السرّ ونونَ المحبّة.
لبّيك
دمعي يطفر.
حافياً أركض
خلفَ خيولِ المنتصرين
ورأسي أشعث.
أصرخُ: لبّيك،
كيفَ يُسْلَبُ قلبُ النبوّة؟
لبّيك،
كيف يُغْتَالُ بريقُ سيفِ أبي تراب؟
لبّيك،
كيف تناوشتْ سيوفُ الحُثَالة
ضياءَ الإله؟
الله أكبر!
كيفَ يبتهجُ الكَفَرَةُ الفَجَرَة
بتكسيرِ أجنحةِ الملاك؟
الله أكبر!
دمعي يطفر،
كيفَ يرقصُ الأوغادُ كالقِرَدَة
فرحين حدّ الجنون؟
كيفَ يُسْتَبدَلُ حلمُ الأمين
بحلمِ الغدر؟
بل كيف يُسْلبُ قلبُ الأمين
في كوفة الوعد. أيّ وعد؟
لبّيك
- صرختُ عندَ رأسكَ الطيّب-
يا صاحبَ الوعد
- ولوّحتُ بقلبي المُمزَّق-
وداعاً أيّها المُتبرقع بدمِ الأنبياء.
وبكيتُ أكثر من ألف عامٍ وعام
بدموعٍ من لوعةٍ واشتياق.
كانتْ خيولُ عبيدِ الدنانير
تنهبُ الأرضَ نهباً
ورأسكَ ينهبُ التاريخَ نهباً
بدمه الطيّبِ الزكي
ليكتبَ سرّاً لا يدانيه سرّ،
ليصبحَ اسم الشهيد له وحده
سرّاً لا يدانيه سرّ:
سرّ الحاء والسين والياء والنون
يُقْتَلُ غدراً
ويُمَثَّلُ
به في كربلاء البلاء
ثُمَّ يُطافُ به في وضحِ النهار
في كوفة الوعد. أيّ وعد؟
النخلة
لم نكنْ أذكياء بما ينبغي
لنقدّمَ ولاءنا المُطلق
إلى النخلة.
انشغلنا بأدويةِ ضغطِ الدم
ومُسكّناتِ الألم.
لم نكنْ أذكياء، إذن،
رغمَ أنّنا نعرفُ بهدوءٍ لا يسبقُ العاصفة
أنّ النخلةَ رمز الله
بل هي فاتحة قصيدته الغامضة.
وهي صورة حرفه
وبوّابة نقطته
وبيت نبيّه
وسكينة مريمه.
انشغلنا بأخبارِ الفيضان
وأسماءِ مدنِ الزلازل والنكبات
وأسعارِ العملاتِ وعُري النساء العجيب.
وحدّقنا كثيراً في تيجانِ الملوكِ الظَلَمة
وقصورِ شعرائهم السَّفَلَة.
كنّا أرضيين تماماً،
وا أسفاه،
ولم نرفعْ الرأس
لنرى النخلة
ببهائها السِّحريّ
ولطفِها الإلهيّ
وبركتِها الأموميّة
وحنانها الأخضر
ورطبِها الذهبيّ
إلّا في آخر لحظة!
انسلال
مثل كلّ مرّة
اختفى الطريقُ إلى البيت
وأنتِ معي.
فماذا سأقول؟
بل ماذا سأفعل
والظلامُ يحيطُ بي من كلِّ صوب
كما يحيطُ الصِبْيةُ العابثون بمجنون؟
وكيفَ لي
وسطَ ليلٍ يستقبلني بحجارةٍ من سجّيل
أن أقودكِ ثانيةً
لأعبرَ بكِ الشارعَ المُظلم
إلى الغرفةِ المُعلّقةِ في الأعالي؟
أقودكِ كي لا أترككِ تنسلّين
وقت الفجر إلى الأبد.
أقودكِ كي أعاهدك
أن أبقى الليل كلّه،
أعني العمر كلّه،
يقظاً مثل جمرة.
2.
كنتِ حرفي ونقطتي وعنوان قصيدتي.
كنتِ مطري الأسْوَد الذي حاصرني
فرقصتُ عارياً مثل سكّين،
وكنتِ فجري الذي أشرقتْ
فيه شمسي الخضراء.
ولكنّي غفوتُ في آخر الرقصة
بعدما نزفتُ آخرَ نبضةٍ في قلبي
وآخرَ قطرةٍ من دمي.
غفوتُ
فمررتِ بين البُطين وبين الأُذين
إلى أبدِ الآبدين.
3.
إذن،
كلُّ شيء تحوّلَ إلى رماد،
والرماد طارَ في الريح،
والريح مضتْ إلى البحر،
والبحر أبحرَ إلى الشَّمس،
والشَّمس مضتْ لتنامَ بعدَ نهارٍ طويل،
وجاءَ القمرُ إليَّ رمادياً بعينين مُتعبتين.
أنتِ معي
أمسكُ بكِ بقوّة
أمسكُ بكفّكِ بقوّة.
أعاهدُكِ أنّني لن أغفو،
وسوفَ أراقبُكِ العمر كلّه
مثلما يُراقبُ البخيل
صندوقَ ليراته الذهبيّة،
ولن أترككِ تمرّين بهدوءٍ سِحْريّ
بين البُطين وبين الأُذين
لأصحو بعدها جسداً دونَ قلب،
لأصحو بعدها جسداً أزرق دونَ قلبٍ أبْيَض.
تمسّكْ بها واستعنْ!
إلى: د. حسن ناظم
1.
صديقي الذي جمعَ الدنيا في حروفٍ ثلاثة
كانَ دليلي الوحيد
حينَ سقطت الشَّمسُ وسطَ الصحراء،
فصارَ عليَّ لكي أرى
صاحبي وطريقي
أن أجمعَ شظايا الشَّمس
قطعةً قطعة.
وصارَ عليه
أن يتماسكَ وسطَ الظلام
ويكون أخي ودليلي.
2.
قلتُ له:
يا مَن بدأتَ بالحاء
كيفَ يمكنُ أن نجمعَ شظايا الشَّمس
ونحن لا نجيدُ الرمايةَ ولا التدليس
ولا مدحَ السلطان
ولا الرقصَ عند باب إبليس؟
3.
قلتُ له:
يا مَن توسّطتَ بالسين
كيفَ يمكنُ أن نجمعَ شظايا الشَّمس
وقد مدحنا الحاء
دونما أملٍ أو رجاء؟
فحين مدحنا حاءَ الحُبّ
نلنا حاءَ الحرب،
وحين مدحنا حاءَ الحرّيّة
نلنا، بكرمٍ أسطوريّ، حاءَ الحقد
لنبكي مثل طفلين ضائعين
عند بابِ السوق.
كيف
وقد ضاقتْ علينا الأرض
وامتلأتْ حقائبنا بالمنافي والبرد؟
4.
لم تبقَ لنا سوى النون
يا مَن تختّمتَ بالنون!
هي نون نهرٍ
يتألقُ وسطَ الظلام،
يتألقُ في كلِّ ليلة
ربّما ليغرقَ في كلِّ ليلة.
وهي نون أغنيةٍ تبزغُ
منذ بدءِ القصيدة،
أغنية جمعتْ لغةَ الياءِ والسين
إلى رقّةِ التينِ في القلبِ والياسمين.
قلتُ له:
تمسّكْ بها واستعنْ!
علّها تكون المعين لنا
وسطَ زمجرةِ البحر،
علّها تعلّمنا كيفَ نرقص
ذاتَ يومٍ
مثل الدراويش على بابِ بغداد
أو علّها تعلّمنا
كيفَ نجمعُ شظايا الشَّمس
حينَ يصطادنا الموت،
ولابدّ أن يصطادنا الموت
يا أخي ودليلي!
أقوال
1.
قالَ الحرفُ الحكيمُ للنقطةِ الشاعرة:
تعالي إليّ!
فأجابت النقطة:
بل أنتَ تعال إليّ!
قالَ الحرفُ:
إن جئتكِ عشقتك
وأصبحتُ ساحراً،
وأنا لا أحبُّ السِّحر.
فأجابت النقطة:
إن جئتكَ ذبتُ فيك
وأصبحتُ نبيّةً،
والنُبُوّة لا تصلحُ للنساء!
2.
قالَ شاعرُ الملوكِ الظَلَمةِ للشاعرِ الفقير:
انظرْ إليّ: لقد ضحكتُ من الملوك
وبنيتُ بدنانيرهم قصراً عظيماً
وضحكتُ من الناس
حينَ أوهمتهم أنّني مِن الثائرين.
فردّ الشاعرُ الفقير:
أمّا قصرك
فعمّا قريب ستموت
وستسكنهُ من بعدكَ الغربان،
وأمّا ذكراكَ عند الناس
فستتحوّلُ إلى شتيمة
تخفقُ في الهواء
مع رفّةِ كلِّ
جناحِ غُراب!
3.
قالَ الشاطئُ للبحر:
أما تعبتَ من السفرِ طوال الدهور؟
أما آنَ لأمواجكَ الزرق أن ترتاح
بين يديّ قليلاً؟
أما تعبتَ مِن هذا المكتوب؟
فأجابَ البحر:
لستُ بطالبِ راحةٍ أبداً.
لو أردتها لنمتُ بين يديك
منذ آلاف السنين
إلى أن يضمحلَّ لوني
وتنهارَ أشرعتي وأسطورتي.
لكنّه السفر،
لكنّه المجهول،
يا صديقي، وشقيقي، ورفيق الشموس.
قصيدتان
1.
قالت الشجرةُ الوحيدة،
الشجرة التي أزورها كلّ يوم
عندَ عشّ الطائر ونهاية النهر،
قالتْ: لأنّني خرافةٌ مُقدَّسة
وأنتَ خرافةٌ نُزِعَ منها التاجُ والصولجان
لذا فالحوارُ معكَ لا يجوز
وإن جازَ فهو لا ينفع بشيء!
2.
قال الطائر،
الطائرُ الذي ينامُ عشّه فوقَ الشجرةِ الوحيدة:
لا تسألْ عن اسمي
سواءً كانَ اسمي الغُراب أو الحمامة
بل اسألْ عن سفينتك:
سفينتكَ التي غادرها نوح
منذ زمنٍ طويل
ونزلتْ منها الكائناتُ كلّها
فرحةً مستبشرة
وبقيتَ أنتَ فيها وحيداً كالموت
تنتظرُ معجزةَ أن تبحرَ السفينة
لوحدها من جديد!
أيّتها المرآة
1.
أيّتها المرآة
تذكّرتُك الآن.
تذكّرتُ اسمَكِ وكانَ مزيجاً من الضحكِ والبكاء
وتذكّرتُ قُبْلَتَكِ وكانتْ مضيئةً بالوهم
وتذكّرتُ موتَكِ أيضاً.
وتذكّرت،
نعم، تذكّرتُ كلَّ شيء
وأنا أنظرُ إليكِ وفيكِ وبك.
تذكّرتُ شبابي الذي سقطَ من النافذةِ الخلفيّة
لمسرحيّةِ الغربة في العَرَبة،
والعَرَبة في العائلة،
والعائلة في الجسد،
والجسد في الغربة.
تذكّرتُ أيضاً
(يا للسرور!)
صباي في الغرفةِ المُعلّقةِ بسماءِ الحرمان،
ومنظر الصِّبيان يلعبون في الشارع
وأنا أنظرُ إليهم دونَ عينين.
كما تذكّرتُ
(وهذه إضافةٌ مهمّة)
ركضي من شارعٍ إلى شارع
حينَ سمعتُ بِاسم من أسمائك
فَرِحاً كأنّما مُنحتُ خاتم سليمان!
(أهو العباءة؟)
2.
هذه فرصةٌ لا تتكرّرُ للوضوح.
ولذا سأتذكّرُ معكِ غرقي في النهر
ثُمَّ خروجي منه إلى سرِّ الأنثى
وهي تلبطُ فيه مثل السمكة،
السمكة التي ستسحرني
ثُمَّ تذرُّ رمادي وقصائدي
في عذابٍ أخّاذ.
كما سأتذكّرُ طفولتي: دمعتي
وهي تحاصرني كلّ ليلة
من ليالي الشتاء
لأنّني وُلِدتُ لحرفٍ قاسٍ
ولنقطةٍ أكثر قسوة.
كما سأتذكّر
أمامَ سيلِ أمواجكِ أيّتها المرآة
يدَ الغريقِ تصرخ
ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال
(أتراها يدي؟)
كما سأتذكّرُ أنّني تهتُ في اسمِ الله
رغمَ حنيني إليه،
حنيني الذي ربّما يشبه حنينه إليّ.
3.
إذن، تهتُ وأنا أنظرُ إليك،
ففيكِ رأيتُ لهيبَ النار
ولمعان الذهب
وشبّاكَ الحلم
ودائرةَ الرغبة
ومُثلّثَ الجسد
ولامَ الحرف
وشينَ النقطة
وطائرَ الموت.
ومعَ أنّكِ، أيّتها المرآة،
تشبيهن المرأةَ إلى حدٍّ كبير،
بل كأنّكِ المرأة نفسها،
لكنّكِ
(وهذا هو الفرق الوحيد)
صادقة حدّ اللعنة
وهي (كما أظنّ) كاذبة حدّ اللعنة.
معَ ذلك،
فإنّني أفضّلُ أن أترككِ الآن
لأنّ حديثَ التذكّرِ مُتعِبٌ ولا نهاية له
مثل أيّ حديثٍ مُخيفٍ آخر.
سؤال مسدود
1.
كيفَ مُتَّ
أنتَ الذي كانت الحياةُ كأسكَ المُفضّل
والقمرُ نديمكَ الأبيض
والشَّمسُ بهجتكَ الخضراء
والضحكةُ المُجلجلةُ غيمتكَ الصافية
والنساءُ صندوق بريدكَ المليء بالطيورِ والقُبَل؟
2.
كيفَ مُتَّ
أنتَ الذي اقترحتَ للعيدِ فجراً وأرجوحة،
وللفراتِ عنوانَه السعيد،
وللرفقةِ دمعةً وضحكة،
أعني حرفاً ونقطة.
وللعذابِ المُغلّفِ بصوتِ الكمان
اقترحتَ سذاجةَ الأغنيةِ التي بادلتَها
بُعداً بقُرب
ولحناً بدم؟
3.
كيفَ مُتَّ؟
بأيّ ليلٍ بهيمٍ سقطتَ كنجمةٍ تائهة؟
وبأيّ لحنٍ سحريّ
رقصتَ عارياً كالسكّين وسطَ الظلام
مفجوعاً كنبيٍّ طردَهُ ربُّه
بعدما
خانهُ أقربُ الناسِ إليه؟
4.
كيفَ مُتَّ،
يا فراتَ الروح
وسينما الطفولة
ومقهى الحلم،
لاذعاً مثل كأس عرقٍ مغشوش
في شمسِ آب؟
كيفَ متَّ، إذن،
وتركتَ جثّتكَ مرتعاً للطيورِ والكلاب؟
"صباح الخير" على طريقة شارلي شابلن
صباح الخير أيّها الضحك.
صباح الخير أيّتها القهقهة،
أيّتها
السخرية،
أيّتها السعادة،
أيّتها الطفولة المُتهرّئة،
أيّها الفقر الأسْوَد،
أيّها الغنى الأبْيَض.
صباح الخير أيّتها الدموع،
أيّها الجوع،
أيّها الحذاء المسلوق،
أيّتها البطالة،
أيّتها المغامَرة،
أيّتها المرأة الجميلة المعشوقة،
أيّها المُتشرّد العاشق.
صباح الخير يا أمريكا الأعاجيب،
أيّتها الرأسمالية البشعة،
أيّتها البروليتاريا الرثّة،
أيّتها الحرّيّة،
أيّتها العبوديّة،
أيّتها الأثداء والسيقان،
أيّها الحرمان.
صباح الخير أيّها الكائن الصغير:
بالقبّعةِ المُتحرّكةِ والعصا اللطيفة،
بالشواربِ الهتلريّةِ والمشيةِ المُسلّية.
صباح الخير يا أفلامي الجميلة التي غزتْ
دورَ السينما في كلّ مكانٍ وزمان.
صباح الخير أيّها النجاح العظيم،
أيّها الضحك والضحك والضحك حدّ الموت!
الموكّل بفضاء الله
1.
أيّها الألف
سيشتمُ همزتَكَ شاعرُ الملوكِ الظَلَمة،
وسيحاولُ أن يعضّها
وهو في قمّةِ الهيجان والوحشيّة
الكلبُ المغربيّ،
أعني الوغد المغربيّ
المُدرَّب على الشتمِ والقذف.
وسيحاولُ أن ينالَ من أبجديتِك
كاتبُ التقاريرِ العراقيّ
اللامعُ بأمّيّته وساديّته،
وسيحاولُ أن يسرقَ جوازَ سفرك
اللصُّ المصريّ
وأنت في الطريقِ إلى المنفى،
أعني إلى المنفى الأبديّ.
نعم،
سيحاولُ المُخنّثُ الهنديّ
صاحبُ الشَّعْرِ الطويلِ والأكاذيب الطويلة
أن يزوّرَ اسمَكَ الحَلّاجيّ
وقلبَكَ البسطاميّ
ليضعه في كتابِ عَبَدةِ النارِ والدينار.
وأنتَ الذي لم تعرفْ أحداً إلّا الله
ولم ترَ إلّا الله
ولم تعشقْ إلّا الله
ولم يكنْ في قميصِكَ- الذي مزّقه
إخوةُ يوسف- إلّا الله!
2.
ما أجملكَ، إذن،
وأنتَ في طائرةِ الزمن
تتسامى بلطفِكَ النبويّ
وابتسامتكَ الإلهيّة،
تنظرُ إلى أعدائكَ السفهاء
بعيني المسيح الدامعتين
لتعبرَ المُحيط
مُتماهياً معَ زرقة الماءِ والسماء
ومعَ الغيم الذي يُسبّح
من خلالِ نبضك
بسمِ الله.
3.
اسمحْ لي أيّها الألف
الموكّل بفضاءِ الله
والموكّل بفضاءِ الصبر
والموكّل بفضاءِ الكتابة
تذرعُها وتذرعُك،
اسمحْ لي أن أمتدحَك
وامتدحَ محبّتكَ التي مَلأتْني
شمساً حقيقيّة
منِ السُّرّةِ حتّى العنق.
الكثير من الصور
التقطنا معاً،
يا صديقي الحرف،
الكثيرَ من الصورِ التذكاريّة
قربَ الجسر
وقربَ بابِ المدرسة
وقربَ محطّةِ القطارِ النازلِ إلى الجحيم.
وعلى مائدةِ
النقطة
وكأسِها المُترعةِ بالشوق
التقطنا صوراً عاريةً
إلّا من الألم،
صوراً عاريةً إلّا من صرخاتِ الليل،
صوراً عاريةً إلّا من قميصِ الله.
نعم،
التقطنا صوراً مُلوّنةً
بلونِ الغروبِ عندَ البحر
أو بلونِ الأمطارِ الأستوائيّة
أو مُلوّنةً بغيومِ الشتاءِ البعيد
أو بظلالِ النساء
أو بنورِ الشَّمس
وهي تتعرّى على امتدادِ المُحيطِ العظيم.
هذه الصور تسمّيها أنت،
وأنتَ على حقّ،
تسمّيها قصائد.
وأنتَ فرحٌ بها
لأنّكَ ابتكرتها
وكنتَ فيها الظاهر والباطن.
أمّا أنا فسأموتُ
دونَ أن أكتب
قصيدتي التي أقول فيها الحقيقةَ عاريةً
دونَ صور،
دونَ صورٍ من أيِّ نوعٍ كان!
الحاء والألف
قالتْ حروفُ الحقّ
وهي تناقشُ
في الألفِ الشاب:
هل سَيُكْتَب لهُ أن يعيش؟
بل هل ينبغي أن يعيش
أو ينبغي- ربّما-
أن يموت!
قالتْ حروفُ
الحقِّ كلاماً كبيراً
وكلاماً كثيراً.
نصفه غامضٌ ولا تذكرهُ الذاكرة،
ونصفه لا يُفسّرهُ
إلّا
العارفون.
وحدهُ الحاء
قالَ: اتركوه فهو شمسي.
هو مَن سيذكرني كلّما هلَّ اسمي.
وسيكتبُ عن رأسي وقد تناهبهُ الغُبار
وحُمِلَ فوقَ الرماح
من بلدٍ الى بلد
ومن عطشٍ إلى عطش
ومن واقعةٍ إلى واقعة.
بل إنّ رأسي سيكونُ قصّته
ودمي لوعته
وأنيني نبض قلبه.
قال: اتركوه.
هل ستناقشون أخطاءَه؟
نعم، سيقعُ في الخطأ
لينجو إلى خطأ آخر
وسيقعُ في الظلام
ليرتحلَ الى ظلامٍ جديد.
لكنّه مثلي
سيموتُ غريباً
في البلدِ الغريب.
وستطفرُ دمعته
كلّما غابت الشَّمس
حزناً عليَّ وعلى آلِ سرّي.
قال: اتركوه فأنا منه وهو منّي!
أو أكثر بقليل
بعدَ أن تكرّرتْ صورتُكِ في قصيدتي
عاريةً
تمشّطين شعرَكِ الطويلَ أمامَ المرآة
لنصفِ قرنٍ أو أكثر بقليل،
قرّرتُ أن أمسحَ هذا العسل المُرّ
من الذاكرة.
ولذا هبطتُ
من قارّةِ الماءِ والمساء
عابراً سبعةَ أبحرٍ أو أكثر بقليل
كي أدخلَ إلى شبّاككِ الباذخِ بالعُري،
الباذخِ بشعركِ الطويل،
الباذخِ بمرآتكِ الكبيرة
أيّتها المرأةُ المرآة.
ففوجئتُ أنّ شبّاككِ لم يكنْ في مكانه
ولم تكنْ هناك مرآةٌ لتتعرّي أمامها
ولم يكنْ هناك بيتٌ على الأرض،
بل إنّ شارعكِ اختفى من الخارطة
وضاعَ معه الحيّ كلّه والمدينةُ برمّتها.
هكذا عدتُ مُسرعاً
لأعبر سبعةَ أبحرٍ أو أكثر بقليل
كي أدخلَ في صورتكِ الحيّةِ في قصيدتي
لنصفِ قرنٍ جديد
لنصفِ قرنٍ أو أكثر بقليل!
مُشاهد
في المشهدِ الأخير
أيقنتُ أنّكِ مُتِّ حقّاً وصدقاً.
كنتِ تنظرين إلى البحرِ في الليل
والبحر أبْيَض،
وثوبكِ- كما اختارَ له المخرجُ- أبْيَض،
والشجرُ الذي يحيطُ بكِ أسْوَد أسْوَد.
ليسَ عجيباً أن تموتي،
العجيب أنّي كنتُ أنظرُ إليكِ في المشهد
وكنتِ تموتين بهدوء
وكأنّكِ لستِ عنوان قصيدتي،
وكأنّكِ لستِ جرحي العجيب الذي يطاردني
العمر كلّه
من غيمةٍ إلى أخرى
ومن ظلامٍ إلى آخر.
كنتُ أنظرُ إليكِ بحيادٍ تام
وكنتُ ذكيّاً بما يكفي
لأنسى كلَّ ما رأيت
في اليومِ التالي،
أعني في اليومِ التالي
لموتكِ السينمائيّ السعيد!
لم يعدْ مطلعُ الأغنيةِ مُبهِجاً
1.
تعبتُ من أكوابِ الشاي والقهوة
ومن الشَّمسِ التي لم تعدني بشيء.
تعبتُ من المحطّاتِ والمُحيطاتِ والطائرات،
ومن المطرِ والصحو والغيوم،
ومن الشوارع الفارغةِ والمُكتظّة،
ومن الأعدقاء وأشباهِ الأعدقاء،
ومن المُتشاعرين والمُتشاعرات،
ومن مدّاحي الطغاة
ومدّاحي القنابل
حينَ تُفجّرُ وسطَ جموعِ الأبرياء.
2.
"لم يعدْ مطلعُ الأغنيةِ مُبهِجاً"
يكتبُ لي شاعرٌ من بغداد ويضيف:
"ألم تجدْ في الكنغر تسليةً ما؟"
قلتُ له:
لم أجد الكنغرَ في بلادِ الكنغر
بل وجدتُ القرد
- وا خيبتاه-
وجدتُ القردَ الأصلع!
3.
النهرُ هنا يتجدّدُ قطرةً قطرة
ليسَ كالفراتِ الذي يدفعُ ماؤه الضفافَ دفعاً.
النهرُ حبيسٌ هنا
وقد جَمّلوهُ رغمَ عفونةِ مائه.
نعم، جمّلوهُ فأمسى جميلاً
بنافوراته ونسائه
وملابسه الضوئيّة الراقصة.
4.
مَن يعيد إليَّ سمكَ الفرات؟
ومَن يعيد إليَّ مَركباً خشبيّاً وسطَ الفرات؟
ومَن يعيد إليَّ سمكاً يلبطُ فيه،
سمكاً من الضوءِ
والمسرّة
كأنّني حينَ ألمسهُ بيدي
ألمسُ سرَّ المسرّة.
5.
كلُّ شيء مضى.
سأحتاجُ إلى كلمةٍ لأصفَ غربتي
وسأخترعُها إن لم أجدها.
غربتي ليستْ هي البحر،
فالبحرُ، رغمَ
وحشته وأكاذيبه ومجونه، طيّبٌ
إذا روّضته أو روّضك.
غربتي، إذن، بدأتْ في الفرات
وغابتْ معَ شمسه التي غابتْ
وسطَ مائه وصيحاتِ أطفاله
وسطَ دموعه وأسراره.
6.
غربتي هي غربةُ العارفين
إذ كُذِّبوا أو عُذِّبوا.
غربتي هي غربةُ الرأس
يُحْملُ فوقَ الرماح
من كربلاء إلى كربلاء.
غربتي هي غربةُ الجسرِ الخشبيّ
إذ يجرفه النهرُ بعيداً بعيداً.
غربتي هي غربةُ اليد
وهي ترتجفُ من الجوعِ أو الارتباك،
وغربةُ السمكِ إذ تصطاده
سنّارةُ الباحثين عن التسلية،
وغربةُ النقطة
وهي تبحثُ عن حرفها الضائع،
وغربةُ الحرف
وهو يسقطُ من فم السكّير
أو فم الطاغية.
في المطار الأخير
حسناً نحنُ الآن في المطار.
(أهو المطار الأخير؟)
السماءُ مُلبّدةٌ بالغيوم
والشتاءُ هو الوقت.
حسناً أيّها الحرف:
هل حانَ وقتُ الوداع؟
لماذا أنتَ مُرتبكٌ كلّ هذا الارتباك؟
لماذا؟
لقد رافقتُكَ سبعين عاماً
فماذا سمعتَ في أعماقي؟
هل سمعتَ صوتَ البحر
أم صوتَ الزلزال؟
أم سمعتَ صراخَ الطفولة
تنشجُ في آخر الليل؟
الطائرةُ اقتربتْ من المدرج
وهاهم ينادون بِاسمي.
أرجوكَ إن عرفتَ الجواب
فاكتبْ إليّ.
أنا في الانتظار.
اكتبْ إليَّ أو هاتفْني في أيّ وقت.
الطائرةُ على وشكِ الإقلاع
سأركضُ نحوَ البوّابة الأخيرة
فرحاً مثل طفل
يكسرُ بحجارته
بوّابةَ المتحفِ الكبيرة،
فرحاً مثل بحر
يُغرِقُ نَفْسه بنَفْسه،
فرحاً مثل زلزال
على وشكِ الحدوث.
+
في شارع الحشّاشين
من شرفةِ غرفتي المُطلّة
على شارعِ السكارى
والحشّاشين والنساءِ العاريات،
كنتُ أطلُّ كلّ ليلة
على جمهوري المخمور
لأحدّثه عن الله،
والمحبّة،
والسلام.
كانَ جمهوري صبوراً
لكنّه كانَ يسخرُ منّي حينَ أغادرُ الشرفة.
وحينَ بلغتُ السبعين
صرخَ أحدهم،
وكانَ في قمّةِ السُّكْرِ والهيجان:
أيّهذا النبيّ الدعيّ
مللنا من إلهك
وكلامكَ المعسول عنه.
اخرجْ لنا مُعجزةً
أيّهذا النبيّ الكذّاب!
فارتبكتُ
وارتجفتُ
وجفَّ حلقي
وغامتْ عيناي
ولم أعدْ أبصرُ شيئاً.
غيرَ أنّ أصابعي
امتدّتْ إلى قلبي
وخلعتُه من مكانه
وأخرجتْ منه طائراً أبْيَض
ورمتهُ باتجاه الجمهور.
حلّقَ الطائرُ فوقَ الجمهور
ثُمَّ ارتفعَ عالياً عالياً
حتّى صرخَ الجمهورُ من السعادة
وبكى ذاك الذي شتمني
حينَ رأى جُثّتي
وهي تنهارُ على الأرض.
حوار
1.
حينَ طرقتُ بوّابةَ مقصورةِ الطيّار
قالَ الطيّارُ بهدوء:
ماذا تريد؟
هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمحاذير
وستستمرُ دونما توقّف.
ولكن كيفَ دخلتَ هنا؟
قلتُ بصوتٍ مُرتبكٍ: بالصدفة!
قال: إن أردتَ أن تتكيّف
مع مأساتكَ الطائرة،
فتذكّرْ أنّنا يوماً ما
سنسقطُ في البحر
أنا وأنتَ والطائرة!
بالأدق:
أنتَ والطائرة!
بالأدق:
أنتَ فقط!
2.
ثُمَّ قالَ الطيّار
بعدَ أن تأمّل مشهدَ النجوم
الذي كانَ يتّسعُ ويتّسع:
هذه رحلةٌ مليئةٌ بالمتاعب.
لا تحزنْ إن وجدتَ
معطفكَ يحترقُ دونما سبب،
ولا ترتبكْ
إن سرقوا جوازَ سفرِكَ أو نقودك
أو نبضكَ أو حتّى اسمك،
ولا تبكِ إن أخبروك
بأنّ المدينةَ التي حلمتَ بها
طوال عمرك
قد غرقتْ واختفتْ منذ طوفان نوح
أو أنّ المرأةَ التي تُحبّ وتعشق
أضحتْ هباءً منثوراً
أو أنّ هذه الطائرة التي لا تكفّ
عن الطيران
منذ مليون عام
ستسقطُ عمّا قريب
وسطَ المُحيط.
3.
الآن
أجلسْ في مكانِك:
الكرسيّ
الأخير على اليمين.
ولأنّ رحلتنا أبديّة
حاولْ أن تُغنّي
إن كنتَ تستطيع الغناء
أو أن تُصلّي
إن كنتَ تستطيع الصلاة
أو تتكلّم معَ النافذة
حيث الليلُ يتّسعُ ويتّسع
ومشهدُ النجومِ يتّسعُ ويتّسع.
وإذا كنتَ محظوظاً بما يكفي
فحاولْ أن تنام!
أعتذر الآن
1.
لم نكنْ نفهم كثيراً،
أيّتها النقطة،
حينَ قرّرنا أن نمارسَ العناقَ الأبديّ
في حديقةِ السَّرير.
إذ لم يخطرْ ببالي
أننا سنكتبُ كلماتٍ أو جُمَلاً،
قصائد أو روايات
كلّها لا تؤدّي إلّا لموتِ الشاعر
وهو يتوهّجُ بماءِ القصيدة،
ولموتِ الروائي
وهو يشرحُ قصةَ هروبه
من ثقبِ المرآة،
ولموتِ المُغنّي
حينَ يتسلّقُ صوتُه
آخرَ مرحلةٍ في سُلّمِ الواقعة.
2.
لم نكنْ نفهم
بل لم أكنْ أفهم أنا
أنا الذي قادتني الصَبَوات
والهوى والشباب
إلى بابكِ: الرمز
وعنوانكِ: الفخّ.
3.
أعتذرُ الآن
لشدّةِ سذاجتي.
أعتذر
ليسَ من أجلكِ
بل مِن أجلِ ما كتبتُ بعدَ العناق
من دَمْدَمةٍ
وهَمْهَمةٍ
وهَلْوَسةٍ
امتدّتْ وامتدّتْ إلى ما شاءَ البحر.
أعتذرُ الآن
لشدّةِ سذاجتي
أنا الحرف الذي كانَ ترتيبه الصفر!
مديح إلى مُهنّد الأنصاريّ
كانتْ حقيقيّة
شمسُكَ أيّها الراحل- الباقي.
ليستْ مُحاطة بالغُبار
ولا معجونة بالأكاذيب.
ليستْ بحجمِ حبّةِ قمحٍ
ولا بحجمِ برتقالةٍ ذابلة.
ليستْ بالتي تنام
ولا تدري أتقومُ غداً
مِن سريرها أو لا تقوم.
ليستْ بالتي تكرهُ ساعاتها
ولا دقّات قلبها.
ليستْ بالتي تلبسُ وجهين
ولا تغيّرُ دفّتها كلّ حين.
ليستْ بالتي تدوسُ على الكواكب الأخرى
إن زاحمتها في الطريق،
ولا بالتي تهجو القمر
حينَ يتأخرُ في حانةِ النجوم،
ولا بالتي ترى الدنيا رماداً
أو عذابَ السموم.
شمسُكَ كانتْ طيّبةً تحبُّ دجلة
وتعشقُ ثلجَ الجبل
وترقصُ معَ الحرف في كلِّ فجر
وتتماهى معَ النقطة في كلِّ ليلة.
شمسُكَ كانتْ تشرقُ بلطفِها
على كلِّ شيء:
على المُمثّلين والمُمثّلات
والمُطربين والمُطربات
والمُذيعين والمُذيعات
والعُشّاقِ والعاشقات
ومُعدّي البرامج والشعراء
والمُوسيقيين العميان.
ولا تنسى أن تشملَ بنورِها وذهبِها
حتّى كلاب الإذاعة
وقِرَدَتها التي كانتْ تملأُ الممرّات.
شمسُكَ كانتْ تحبُّ الله
والله يحبُّها مثلما يحبُّ سرَّ النون
وصاحبَ النون!
***********************************
مُهنّد الأنصاريّ فنّان عراقيّ من الطراز الأوّل في حقل
الإذاعة والإخراج الإذاعيّ، غيّبه الموت عام 2000
لِمَ أنت؟
يا شاعرَ الحروفِ المريرة
رأيتُكَ البارحة
تحملُ حقيبتَكَ السوداءَ من جديد
حزيناً كقاربٍ مُحطّمٍ على ساحلٍ مهجور.
خفتُ أن أسألك
عن اتجاهِكَ الجديد،
أعني عن منفاكَ الجديد.
خفتُ أن أسألك
فقد كنتَ تتعكّز على ضياعِكَ الأبديّ
وعلى صمتِكَ الذي لا يطيقُهُ الجبل
وعلى وحدتِكَ ذات السياط السبعة.
خفتُ حتّى أن ألقي عليكَ السلام
فَمَن يضمنُ لي أنّكَ ستعرفني
بعدَ أن أفترقنا منذ أيام نوح،
منذ أن ضاعَ يوسف
وباعه إخوةُ الذئبِ إلى ظلامِ البئر،
منذ أن رُفِعَ رأسُ الحسين على الرماح،
منذ أن صُلِبَ زيد الشهيد على بابِ الكوفة،
منذ أن صُلِبَ الحلّاجُ ورماهُ مريدوهُ بالورد،
منذ أن قُتِلَ الملكُ المسكينُ بين خالاته وعمّاته،
منذ أن اشتعلتْ بغداد سبعين مَرّة
بالحربِ والرعبِ والنهبِ والزلزلة،
منذ أن غادرتُ أو غادرتَ
بابل الأسطورة والبَلْبَلة
وعلى بابها الكبير
كانَ كلكامش وأنكيدو والأفعى
يشيرون إلى صورةِ مأساتهم
التي لا تكفُّ عن التكرارِ في كلِّ يوم
وكأنّهم يبوحون بسرٍّ خطيرٍ إليك.
فقلْ لي:
أيّ سرٍّ كانوا يبوحون به؟
ولِمَ أنت،
دونَ غيرك،
مَن يُباحُ له بالسرِّ العظيم
يا شاعرَ الحروفِ المريرة؟
القمر والبئر والقطار
1.
ستجنُّ النقطةُ من الحُبّ
والحرفُ من الحرمان!
2.
قالَ القمرُ للحرف:
لا تمنحني اسماً جديداً
فاسمي هو الذي تعرفهُ حقاً
حينَ يصيبكَ الأرق
وأنتَ تحاولُ النوم
في حديقةِ ليلةٍ صيفيّة.
3.
مرَّ القطارُ مُضيئاً وبطيئاً.
لم أعرفْ وجهته ولا هدفه
غير أنّي متأكّد أنّ حجمه يصغرُ كلّما ابتعد!
4.
كلّما تذكّرتُ الماضي
وددتُ لو أنّ بئراً في البيت
لأنظرَ فيها وأمسح الذكريات بهدوء.
5.
هل ينبغي الآن
الرجوع إليك؟
والرجوع إليك
يشبهُ كتابةَ قصيدة حُبّ
دونَ دموعٍ أو أصابع أو حروف!
6.
القمرُ مُحاصرٌ بالغيوم
وفي وسطِ الحلم
تبدو النساءُ جميلاتٌ وعاريات
أو تبدو النساءُ قبيحاتٌ ولا يتوقّفن عن الثرثرة.
لا يهمّ،
فالحرفُ ميّتٌ في حلمه
فيما النقطةُ تحاولُ النهوضَ من الموت.
7.
سيجنُّ الحرفُ من المَلَل.
أعرفُ هذا.
وستجنُّ النقطةُ من الخوف.
ذلك ما أخشاه.
8.
اختفى القمر
ولم يقلْ لهُ أحدٌ وداعاً.
حرف يحتضنُ نفسه
في النهاية
لن تكونَ أنت
سوى حرف أضاعَ نقطته،
سوى حرف يحتضنُ نَفْسه
وينامُ وحيداً
مثل يتيمٍ طُرِدَ من الملجأ.
أشياء على المائدة
1.
كيفَ أنجو من الغرق
والبحرُ قد غرقَ فيَّ؟
2.
حينَ لم أجدْ أحداً أنتصرُ عليه
انتصرتُ على نفسي.
3.
لم يكنْ هناك الكثير
من الأشياء على المائدة.
كانَ هناك تفّاحُ الشهوة
وشاي السمِّ المنقوع بالعسل
وقطعةُ خبزٍ كبيرةٌ سوداء
وسيكارةٌ أنفثُ دخانها ببطء
طوال حياتي
وأنا أتلقّى الأخبارَ السيّئة
الواحدَ تلو الآخر.
4.
فاجأني موتي قبلَ أربعين عاماً،
فاجأني حينَ رآني صَبيّاً
أحاولُ أن ألقي جَسَدي في النهر
من فوقِ الجسر.
كانَ صوتُهُ عنيفاً
وأوامرهُ شديدةُ الصرامة.
لكنّني اخترعتُ الحلمَ قصيدةً
والحرفَ شاعراً
والنقطةَ بدايةً لرغباتي الدفينة
ونهايةً لرعبي المُوشومِ بالطلاسم،
بعدما تركتُ الجسرَ والنهرَ والصَّبيّ
يختصمون
فيما الموتُ يرعد
ووميضهُ يَملأُ كلَّ شيء.
4.
في آخر معاركي
(وكانتْ مأساويّة بالطبع)
بكى قائدُ جُنْدي وهو يُسلمُ الروح
بين يديّ،
بكى وهو يوصيني بجثمانه.
قالَ لي:
رغمَ الهزيمة الهائلة
أريدُ احتفالاً مُهيباً لجنازتي.
فأقسمُتُ له أنّني سأنفذُّ وصيّته،
أنا الذي لا أستطيع
أن أوفّرَ تابوتاً لجُثّتي!
المطربة الكونيّة
1.
لأربعين عاماً
كنتُ أشكو لواعجَ روحي
وارتباكَها الأزليّ
إلى أغنياتِكِ المُزهرةِ بالشوقِ والأنين
إلى صوتِكِ الذي تحفُّ به
ملائكةٌ من الدمعِ والياسمين
إلى نيلكِ وشمسِ أصيله الغامضة.
2.
لأربعين عاماً
كنتُ أشكو إليكِ
- دونَ أن أدري أو لا أدري-
حبيباتي الجاحداتِ والساذجاتِ والخائنات
وسنواتي التي أنفقتُها
بكرمٍ حاتميّ
على حروبِ الطغاة،
أعني على الموت
وظلماته وشموسه الساطعات.
3.
لأربعين عاماً
كنتُ أراقصُ صوتَكِ
حتّى صرتُ ساحراً من الحرف
ثُمَّ صرتُ حرفاً من السِّحر.
أعني صرتُ نقطةً من الشوق
ثُمَّ صرتُ منارةَ شوق.
واكتملتْ طلاسمي ورسالتي
حينَ تبعتُ أثرَ صوتِكِ
من صبا إلى صبا
ومن شبابٍ إلى شباب
ومن لوعةٍ إلى لوعة
ومن هوى إلى هوى
ومن شبّاكٍ إلى شبّاك
ومن رصيفٍ إلى رصيف
ومن شظيّةِ وطنٍ إلى دخان وطن.
4.
حينَ أخبروني أنّكِ قد متِّ
بكيتُ عليكِ بدمعتين
ثُمَّ تركتُ سريرَ الحزنِ خفيفاً
لأتبع أثرَ صوتِكِ من جديد،
صوتكِ الذي تحفُّ به ملائكةُ الضائعين
إلى المنافي السحيقة:
حيث تنعدمُ الأسئلةُ والأجوبة،
حيث يلعبُ الغيمُ والبحر
والجسدُ والذهب
لعبةَ الصواعقِ والعبثِ والزلزلة
كلّ يوم.
إلى المنافي السعيدة
حيث الموت الذي لا يعرفُهُ أحد
ولا يسألُ عنهُ أحد،
أعني إلى المنافي السعيدةِ التي ترى الموت
لوحةً معلّقةً فوقَ جدارٍ قديم!
تحليق
بسببِ اللاسبب
(وقيلَ بسببِ الحُبّ)
صارت النقطةُ ظلّاً للحرف
يتبعهُ في كلِّ خطوة
وفي كلِّ حركة.
لكن حينَ يبلغُ السأمُ بالحرفِ أقصاه،
بسببِ اللاسببِ أيضاً،
(وقيلَ بسببِ الحُبِّ أيضاً)
يتوكّأ الحرفُ على جناحيه الكسيرين
ليحلّقَ بعدَ جهدٍ جهيد
إلى سماءِ اللاضوءِ واللاظل
إلى سماءِ اللاحرفِ واللانقطة،
أي إلى سمائه الوحيدة!
تحت شجرة الكلمة
1.
تحتَ شجرةِ الكلمة
جلسَ الحرفُ والنقطة
وقبّلا بعضهما بعضاً.
2.
كانَ الحرفُ أخرقَ
لا يجيدُ سوى فنّ الكلام
ولا يجيدُ، بالطبع، فنَّ التقبيل.
فقامت النقطة
بتعليمه سرَّ القُبْلة
تحتَ شجرةِ الكلمة.
3.
حينَ تعلّم الحرفُ سرَّ القُبْلة
صارَ عاشقاً
ثُمَّ شاعراً
ثُمَّ مجنوناً
كما ينبغي في مثلِ هذا الحال.
أمّا هي،
أي النقطة،
فاكتفتْ بأن عرضتْ مفاتنها
كاملةً
تحتَ شجرةِ الكلمة.
4.
مرَّ صيفٌ لاهبٌ
وشتاءٌ ثلجيّ
وربيعٌ مَهووسٌ بالجنس.
وتكرّرَ الزمن
وتكرّرت القُبْلةُ بينهما
في الفراشِ أو في القصيدة
حتّى أصابَ الحرفَ العمى
وأصبحت النقطة
قبيحةً كجهنّم
بعدَ أن انهارتْ عليهما،
دونَ سابق موعدٍ أو إنذار،
شجرةُ الكلمة!
أمطار موسميّة
ليسَ كثيراً ما طلبتهُ منكِ
أيّتها الأمطار الموسميّة.
فقط
أردتُ أن أقبّلكِ:
أن أقبّلَ شفتيكِ الرطبتين بالشوق.
لكنَّ سوء الحظّ
وسوء التوقيت
والحرب وجُثثها
والطاغية وذنوبه التي لا تُغتَفَر
والإفلاس وذنوبه التي لا تُغتَفَر هي الأخرى
والخوف
والمجهول
والظلام
وإخوة يوسف
ويعقوب الذي ماتَ بين يديّ
كمداً على يوسف الذي لم يعدْ.
كلُّ ذلك
جعلَ هذه القُبْلة مُستحيلة
أيّتها الأمطار الموسميّة.
ما اسمكَ أيّها الحرف؟
ما اسمك؟
قلتُ للحرفِ في مساءٍ شديد الظلام.
قالَ: بعد هذي السنين الطوال
والانتقال العجيب
من منفى إلى آخر
ومن شظيّةٍ إلى أخرى
بل من زلزلةٍ إلى أخرى،
وأنتَ لا تعرفني؟
قلتُ، كَمَن يتصنّعُ الهدوء،
لا.
قالَ: كيف؟
ألم تكتب المئات من القصائد
لتصفَ الحرفَ وعرشَه
وأساطيره وشموسه وفراته؟
ألستَ الذي يُدعى بالحُروفيّ
أو ملك الحُروف
أو النُقطويّ أو الطلسميّ؟
قلتُ: لا أدري.
قال: إذنْ خذْها منّي،
يا شبيهي المُعذّب بالموتِ والارتباك،
أنا الحاء
حلمكَ الباذخ بالحُبّ
أيّها المحروم حدّ اللعنة،
حلمكَ المُتشظّي بالحرّيّة
أيّها المنفيّ إلى الأبد،
وأنا الباء بسمَلَتك
أعني جمرتكَ التي لم تزلْ
شوكةً في قلبك،
وأنا النون: بئركَ الأولى
وعنوانكَ المستحيل،
وأنا السين:
طفولتكَ التي ضيّعتَها باكياً
معَ دشداشتكَ اليتيمة
ودراهمكَ السبع على بابِ بغداد
ومحرابِ بابل.
قلتُ: وماذا بعد؟
قال: أنا الألف:
جرحكَ الممهور بالدمِ والندم
وأنا النقطة:
نبضُكَ الذي يولدُ كلّ يوم
في ثوبٍ جديد
ورقصٍ جديد
وعُري جديد
وموتٍ جديد
حيّرَ الأوّلين والآخِرين!
البيّاتي
1.
كنتَ تجيدُ لعبةَ الشِّعْرِ بنجاحٍ ساحق:
تجيدُ لعبةَ البوكرِ الشِّعْريّ
والنردَ الشِّعْريّ
والدومينو الشِّعريّة.
وفي الشطرنج
أنتَ الأستاذ الذي يمرّرُ الجنودَ بخفّة
ويطلقُ السهامَ من فوقِ القلاع
بمهارةٍ وبدقّة.
أمّا في المبارزةِ الشِّعريّة
فَلَكَ القدح المُعَلّى،
لتجهزَ على الشاعرِ الديناصور
والشاعرِ المُهرّج
والشاعرِ البهلوان
والشاعرِ الدونجوان.
2.
كنتَ تجيدُ لبْسَ القميصِ الأحمر
وحمْلَ لافتةِ الشغيلةِ والتقدّمِ والصراعِ الطبقيّ،
والبكاءَ على ناظم حكمت
حينما يقتضي الحال.
ثُمَّ تذرفُ دمعتين
على صليبِ الحلّاج
وأنتَ ترتدي خِرْقَةَ الصوفيّة
وترسلُ برقيّةَ ألمٍ
إلى وضّاح اليمن
حينما أُلقِي في البئرِ الدمشقيّة.
كنتَ تعرفُ كيفَ تتنقّلُ بين العواصم
مخترقاً بوابات العالمِ السبع،
وتعرفُ كيفَ تسخّرُ ماردَ الأيديولوجيا
لتلميعِ عرشكَ الشِّعْريّ
وتسخّرُ عفريتَ النقد
لخدمةِ سبأكَ الوهميّ.
3.
لكن قبلَ أن تموتَ بقليل،
وقد صرتَ شيخاً عليلاً،
بدأ أعداؤكَ بالصعودِ إلى المسرح
وهم يتهامسون.
وحينَ أخذتَ تنامُ فجأةً
في جلساتكَ الأخيرة
ضحكوا قليلاً.
ثُمَّ إذ ابتلعتكَ الأرض،
أعني في اللحظةِ التي ابتلعتكَ الأرض،
شتموك
وطالتْ ألسنتهم كثيراً كثيراً
حتّى صرتَ "الشاعر الضحل" لا "الشاعر الفحل"!
4.
وا أسفاه
هكذا هي حالُ الشِّعْر!
آراء في التجربة
في تجربة أديب كمال الدين الحروفية نجد أنّ قصيدة النثر
العراقية قد شقّت لنفسها طريقاً أسلوبياً خاصاً وثرياً، وليس
هذا حكماً على تجربة الشاعر أو على قصيدة النثر بل هو توصيف
حقيقي ودال يعبّر عن المسارات التي بها استطاعت حروفية الشاعر
أن تمتلك آفاقها الشعرية الفارقة التي انمازت بها عن سواها من
قصائد النثر العراقية، فضلاً عما أكسبته إياها من مستويات
أسلوبية مغايرة للمألوف تفتح عين القراءة النقدية صوبها.
أ. د.
بشرى موسى صالح
(الواحد والمتعدد: مقاربات جمالية- ثقافية في الأدب والنقد)،
أ. د. بشرى موسى صالح، منشورات مكتبة عدنان، بغداد، العراق
2017 ، ص 13
***
لقد شكّل أديب كمال الدين- وبجهد دؤوب- مملكته الشعرية على عرش
الحرف، وأودع فيه معاني جسدت فضاء انفصام الذات، ومادة خصبة
اكتنهت عالم الشاعر بالضيم، وسبرت أغوار المتلقي بالحدس
والتأويل سعياً إلى إدراك خباياها من خلال الحفر في ترميز
الحرف عبر تنوع أدوار معناه وعلاقة دلالته مع الشاعر.
أ. د. عبد القادر فيدوح
(أيقونة الحرف وتأويل العبارة الصوفيّة في شعر أديب كمال
الدين)، أ. د. عبد القادر فيدوح، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2016 ، ص 41
***
الشحنة التراجيدية في قصائد أديب عالية. ليس هناك من كوميديا
أو سخرية واضحة، وإن لم تعدم قصائده قدراً من التهكّم الخفي،
التهكّم الذي مصدره الإحساس بالإحباط والعجز أمام هول الأحداث
وفجائعية القدر. ولهذا يفاجئنا أديب كمال الدين، على الدوام،
في المتن بمعترضات تواجه خط القصيدة في لحظة ما، أو موضع ما،
من النص. وهي معترضات تمنح القصيدة سمة طباقية ومن ثم بُعداً
حوارياً. إنّ الصراع المحتدم على مسرح القصيدة يشي بحوار ساخن
معلن أو خفي أو مسكوت عنه في زاوية خفيّة منها. نقرأ مثلاً؛
"في
الطريقِ إلى الموت:
الموت
القديم المُقدّس
فاجأني
موتٌ جديد،
موتٌ
لذيذٌ بطعمِ السمّ،
موتٌ لم
أحجزْ له موعداً أو مقعداً"
المفارقة ثمّة جليّة وصادمة، لا على الصعيد البلاغي وحسب، بل
على صعيد الدلالة والمعنى كذلك. وهي تعبير عن مأزق الكينونة
الإنسانية في مواجهتها لمصيرها.
سعد محمد رحيم
(إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)، صباح الأنباري،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2014 ، ص 12
***
قُدّر لي أن أقف عند خطاب الشاعر أديب كمال الدين، أي أن أقف
عند إشاراته، وهو يختزل من خلالها اللغة، ومواقف الوعي، وأن
أقف عند خصيصة استنطاقه المكبوت من أطلس الحياة، فأشعاره كلّها
ناطقة بالإشارات المحيلة على المعاني الثواني البعيدة في سلسلة
التلقي العتيد حتى الجمادات، والمعاني العقليّة في شعره تنطق
بقوة المجاز، ودلالة التشكيل المركب بما هو استثنائي فاعل في
النمط المتعالي على اللغة الحقيقيّة، ولهذا صارت تهويمات
الشاعر، ومرموزاته، وإشاراته، واستعاراته، وكناياته، وإحالاته،
ونجاحاته، وإخفاقاته (تقترف) الانتماء إلى حقل التحسس
العلاماتي، وكذلك ألفاظه، وعواطفه، وانفعالاته، وإشكالات وجوده
التي تفصح عن سيمياء لم يتعمدها الشاعر، وإنّما جاءت عفو
الخاطر بفعل عوامل التخيّل، والإبداع التي يصعب الإمساك بها أو
توجيه مساراتها.
أ.
د. فاضل عبود التميمي
(أيقونة
الحرف وتأويل العبارة الصوفيّة في شعر أديب كمال الدين)، أ. د.
عبد القادر فيدوح، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2016 ، ص 11
***
مع أديب كمال الدين لا يمرّ حوار الحرف والنقطة دون أن يطرح
عمق السؤال الوجودي القائم بين الشاعر وأبجديته. وليس جزافاً
أن يختار الحروفي لحواره فضاءً زمانياً يشي بعسر المحاسبة بقدر
ما يوحي بشدّة الاحتياج.
د. حياة الخياري
(أضفْ نوناً: قراءة في "نون"
أديب كمال الدين)،
د. حياة الخياري،
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، لبنان
2012
ص 69
***
لو وضعنا "حروفية" كمال الدين جانبًا لتألّق فيه الجانب
الصوفي. ولو نحّينا صوفيته لتوهّج فيه الرسّام أو الفوتوغراف
أو القاص أو السينارست أو المصوِّر السينمائي الذي يصوِّر بعين
الطائر المُحلِّق أو بعين القط المتسلل أو بعين السمكة
المدهوشة. فقصائده لم تعد حكراً على "الشعر" كنوع أدبي وإنما
امتدت إلى مجمل الفنون القولية وغير القولية.
عدنان حسين أحمد
(أديب كمال الدين: الشاعر المتعبِّد في صومعة الحرف ومحراب
النقطة) جريدة الصباح الجديد 15 تشرين أول 2017
***
إنَّ شعر أديب كمال الدين يقف ضدّ الحسيَّة التي تضرب بجذور
عميقة في عالم الشعر؛ ليس فقط لأنَّ داعي الروحانيَّة ذو أثر
بيِّن في شعريَّته، بل لأنَّ الحسيَّة لم تُسعفْه أداةً في
الإيفاء بخلق عالمٍ روحانيٍّ موازٍ لعالم الباطن. نحن نعلم
أنَّ الاقتراب من الحسِّيّ يُطاوع الشاعر في ابتناء عالم
روحانيّ، إذ تتخذ المحسوساتُ هالاتٍ روحانيَّةً، فيصبح الحجر
كآبة الأبد، والنهر عنفوان الوجود وتجدّده، إلخ، لكنَّ أديب
كمال الدين غالباً ما يفضِّل صفاء روحانيَّاً يعيد للكلمات
طاقاتِها الأصلية وهي تتماهى بموضوعها ولا تكتفي بمجرد الإشارة
إليه أو الإيحاء به.
د. حسن ناظم
(أديب كمال الدين و"مواقف الألف")، جريدة الصباح البغدادية 17
حزيران 2015
***
طالما جعل الشاعر أديب كمال الدين من حروفه ـ طوال مجموعاته
الشعرية- حصانه الذي يمتطيه للوصول إلى "أهدافه" الشعرية، حتى
كرّسته شاعراً حروفياً باستحقاق، يقول من خلالها ما يعنيه
مباشرة أو ما يعني متلقيه معه في الوقت نفسه، و"آخى" هذه
الحروف وصاحبها مثلما آخته وصاحبته طوال هذه السنين، وعرف
خباياها وعرفت أسراره، وأيقظ فيهاـ بل أشعل فيهاـ جذوة روحه،
فألفته وتعاونت معه على مواصلة مسيرة "الكشف" بمعانيها
ومداليلها الشعرية والصوفية في آن.
د. عبد المطلب محمود
(الحرف يوقظ إشراقات الذاكرة)، مواقع المثقف ودروب والنرد
والنور 12
نيسان 2011
***
أحسب أن الشاعر أديب كمال الدين رضي بدور الصيّاد الذي تنوب
عنه طريدته ـ الحروف ـ وتقول عنه ما لا يقوله هو.
أ. د. حاتم الصكر
(حوار النقطة والحرف)،
(الحروفيّ:
33
ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية)،
إعداد وتقديم د.
مقداد رحيم ،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت، لبنان
2007،
ص 76
***
يتمحور شعره على الوحدة والموت والحب. إنّ اهتمام أديب بهذه
القضايا الكونيّة يوصله إلى البحث العميق عن الحكمة. فهو
يجذبنا من خلال صوره الشعرية التامّة في شموليتها، واستخدامه
الأنيق والبسيط والإضماري في بعض الأحيان للعبارات.
ويرينا
هذا الشاعر أنّ المفاهيم الكونية التي تؤثر علينا جميعاً ليست
مفاهيم محددة ثقافياً بشكل صارم. فنحن ندرك التجارب العاطفية
العامة التي يناقشها. صور شعرية يمكن أن تكمن في أبعاد مختلفة
وتشير إلى تنوّع الأجناس والأكوان:
تريدُ الشمسُ أن تسهرَ الليلة
في نادي الكواكبِ والنجوم
لكنّها تخاف أن تتأخر
ولا تشرق غداً في موعدها المحدد. (قصيدة: رغبات)
نحن نشاركه في بطولته كراوٍ وفي تجربته اليوميّة المعاشة،
ولكننا نفعل ذلك دائماً في خطّ أبديّ ومن منظور عالميّ النطاق.
د. آن ماري سمث (ناقدة أسترالية)
Anne-Marie
Smith
(مقدّمة مجموعة: ثمّة خطأ
Something Wrong
، شعر:
أديب كمال الدين)،
أديلايد، أستراليا،
2012
***
الشاعر أديب كمال الدين من الشعراء الذين سخّروا شعرهم كي
يتحوّل إلى أغنية إنسانيّة كبرى تغمر الإنسان أينما كان
بالمحبّة والسلام والفرح. وله تجربة واسعة وعميقة وأصيلة
امتدّت على عقودٍ قدّم فيها تجربة مميّزة وخاصّة ونوعيّة.
د. محمد جواد علي
(مسارات الخطاب الشعري: التجربة والثقافة والرؤية)، دار غيداء
للنشر،
عمّان، الأردن 2016،
ص 137
***
الحرف هنا شخصية مركزية فاعلة لها ما يميّزها من الأفعال،
والأقوال، والسلوك، والغايات، ولا يتوانى في خوض صراعه بغية
الوصول إلى الحقيقة تحت أيّ مسمّى لهذه الشخصية فهو العاشق
والمعشوق، والقاتل والمقتول، والرافض والمرفوض، والطفل والكهل،
والصوت والصمت، والذكرى والنسيان، والشاعر والمعربد والمشرّد
والصعلوك والساحر والمشعوذ و.. و.. إلخ من المسمّيات التي لا
يمكن عدّها في قصائد أديب كمال الدين.
صباح الأنباري
(إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)، صباح الأنباري،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2014 ، ص 82 و 83
***
إنّ شعر أديب كمال الدين إدانة صريحة لحالة العالم الموسومة
بالخطأ، الخطأ الذي يطغى على كلِّ شيء ويفرض انتصاب القول
وَوَعْيَه :
"ثمّة خطأ في السرِّ، والقبرِ، والمنفى
وما بين الساقين.
ثمّة خطأ في الطائرة
وفي مقصورةِ الطيّار
والسنواتِ التي انقرضتْ فجأةً
دونَ سابق إنذار."
إنّ شعر أديب كمال الدين حقّا شعر الفقدان؛ إنه صرخة شاهد على
الفترة التاريخية الرهيبة، لكنّه ليس شهادة فقط، إذ أنّه
يتشكّل حسب نفسٍ خاص ويشكِّل تنديداً بالشرّ ويتواصل نحو تأسيس
أرض مُستقلَّةٍ لا تتوقّف عن الاتِّساع وهي تُبنَى بطريقةٍ لا
نهائيّةٍ لا يمسّها سوء، متينة كخلق، سِرُّها الحرف، وحدة
تأسيسية للكتابة وقدرة تتجاوز كل قوّة.
د. ناجح جغام
(الحرف وقطرات
الحُبّ)، شعر: أديب كمال الدين، ترجمها إلى الفرنسية وقدّم
لها: د. ناجح جغام، دار جناح للنشر، نانت (فرنسا)، 2017
***
خطاب التفوّه عند الشاعر
أديب کمال الدين صيرورة تداولية تستثمر حوار النص الشعري في
إنشاء مغامرة سياقية يتشكّل على ضوئها بيان الإنجازية الأولى
للمتكلّم من حيث اعتماده أنظمة لسانية مغايرة تخترق آفاق
التوقع عند المتلقّي.
أ.
د. هاني آل يونس
(التداولية
الحوارية:
تأويل خطاب المتكلّم في شعر أديب كمال الدين)،
د.
هاني آل يونس،
دار دجلة،
عمّان ،
الأردن
2016،
ص 11
***
حين يكون الحديث خاصّاً في زاوية من زوايا تجربة الشاعر أديب
كمال الدين، يكون من المناسب الحديث أو الإشارة على أقل تقدير
إلى النمط. أعني به حين يستقل الشاعر في نمذجة كتابته وترسيخ
تجربته عبر اتجاه واحد وأساليب مختلفة تتحكم في نصوصه وتخرجها.
ومن المؤكد أنّي أشير هنا إلى تجربته مع الحرف التي امتدت إلى
ما يقرب من نصف قرن اشتغل فيها أديب كمال الدين اشتغالات
متنوعة خضعت في كلّ مسافة شعرية قطعها لتجارب مختلفة انصهرت
لتكمل أو تستكمل جوانب شعريته.
د. علي متعب جاسم
(حينما يذبل عود الياسمين)، مواقع النور وقاب قوسين وبصرياثا
ومعارج الفكر 1 كانون أول 2013
***
بهذه الشعرية المحلّقة في تنويعات صوفية فريدة ومتنوعة يشكّل
أديب كمال الدين شعريته الفريدة التي تغرّد على نغمات مخصوصة
غير مسبوقة في الشعرية العربية.
د. محمد المسعودي
(حدود
الأسى وأفق الفرح الإنساني في "إشارات الألف" لأديب كمال
الدين)، جريدة المدى، ملحق أوراق، 24
تشرين الثاني
2014
***
أديب كمال الدين أنسن الحرف لمنحه طاقة روحية مشعّة عاكسة لكلّ
الهموم الإنسانية، كأنّما الحرف مثل كلّ كائن حيّ.
باقر صاحب
(أديب كمال الدين في المجلّد الثاني لأعماله الشعرية)،
ملحق (بين نهرين)، جريدة الصباح البغدادية 14 كانون أول 2016
***
يرى أديب كمال الدين بعمق ترابطَ الإنسان إلى الطفل إلى الطائر
إلى العناصر و(هذا ما أفضّله شخصياً) إلى الحرف. هكذا فإنّ
أحزان ومباهج وألغاز عالمنا هي شبيهة بأحزانه ومباهجه وألغازه
هو أي الشاعر. فنراه حاملاً ثقلا مساوياً، معطياً معنى
لفوضانا- بعظمتها المتأصّلة- من خلال فضائه الشخصيّ الخاص به.
د. هِثر تايلر جونسن (ناقدة أسترالية)
Heather Taylor Johnson
(قراءة في مجموعة "ثمّة خطأ" للشاعر أديب كمال الدين: إحساس
بالسحريّ)،
مجلة Rochford
Street Review ،
أستراليا، 12
تشرين الثاني 2012
***
للحرية في جوهر قصيدة أديب كمال الدين هامش واسع من التفاؤل
يكاد القارئ العادي لا يشعر به. فهو، أي الشاعر، لا يسرف مثل
الآخرين في سرد مواجع الواقع ومخاوفه وإن اقترب من ذلك الواقع
الذي يصعب الفرار من انعكاساته، فإنّ روح الأمل تظل نابضة حيّة
ويظل الحلم حاضراً بما يكفي، ليس بالتمسك بالحياة وحسب، وإنما
للوعي بأهمية تجاور ردود فعل المرحلة الصعبة ودائماً تكون
الكلمة الضوء والدليل.
د. نعيم عموري
(موتيف الحياة والموت
في شعر أديب کمال الدين)،
مجلة اللغة العربية وآدابها، جامعة طهران، السنة 10 العدد 4-
2015 ، ص 587 - 601
***
يستند هذا السِّفر الشّعري على هاجس مركزي وهو الحروفية في
مواجهة بناء القصيدة الشّامل، وكأنّ الشّاعر أديب كمال الدين
يريد أن ينهي بناء القصيدة كقيد ليبعث صرح الشّعر في المطلق،
فلا يبقى من القصيدة سوى الحرف والنّقطة
يؤسّسان للجسريّة نحو
الشّعر.
عبد الحفيظ بن جلولي
(بداية
الشعر نهاية القصيدة) موقع الصدى 28 تموز 2017
***
يتجاوز
الحرف وظيفته الاتصالية، ويعيد تكوين
صورته في سياق النص وتداعياته، وكذلك
في صيرورة التجربة بالمفهوم الفلسفي
النيتشوي في ديوان أديب كمال الدين؛
فالحرف شخصية فنية تمثيلية لها
كينونة أو صوت، وهو يقع بين أحلام
اليقظة للمتكلّم، والواقع بمستوياته
اليومية، وفضاءاته المجازية، وهو يتصل
بوجود المتكلم النسبي، وآثاره،
واستبدالاته المشكلة للهوية الجمالية
في الكتابة.
إن الحرف يمارس نوعاً من
المحاكاة الساخرةـــ ما بعد الحداثيةـــ لمدلوله الذاتي
المستقر في الوعي،
وللمتكلّم، ولعلامات النص الثقافية،
والفلسفية من خلال تواتر الأسئلة،
والتحوّلات.
د. محمد سمير عبد السلام
(الصيرورة الجمالية للحرف)، أخبار الأدب، مصر 6 شباط 2015
***
إنّ الشاعر أديب كمال الدين يصل إلى مستوى إبداعي يتحوّل فيه
الحقل اللغوي إلى حقل شعري بالغ الكثافة. إنّه هنا أشبه
بالصياد الذي يلقي شبكته في المياه العميقة وما يستخرجه من صيد
يرميه في زورقه. وهو لا يفصل بين مكوّنات صيده ولا يفضّل بعضه
على بعض، فكلّ
ما يدخل في بناء قصيدته حتى أكثر أنواع صيده رثاثةً يتحوّل الى
لقى ثمينة وأغانٍ بالغة العذوبة والألم.
عيسى حسن الياسري
(تحوّلات الزمن وعذاب المنفى)،
(الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين
الشعرية)، إعداد وتقديم د.
مقداد رحيم، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، بيروت،
لبنان، 2007ص
103
***
أديب كمال الدين شاعر متوحّد مع جميع المحتفلين بالإنسان، وهو
في الوقت ذاته صوت ضاجّ بالغربة والنأي بالنفس خارج أسربة
الضلالة. يسلك طريقاً آخر لم تسلكه أقدام القطعان الناعقة،
يبكي وحده ويضحك وحده ويغنّي وحده، حتى صار حرفه كرسيه الوثير
وكلماته قراطيس الألم ولمعان سيف الروح البتّار الذي يشقّ
عباءات الرحيل وصهيل الليل في خلوات الشاعر.
حميد المختار
(الحروفي: قراءة في المجلّد الثاني للأعمال الشعرية الكاملة)،
جريدة الصباح البغدادية 26 آذار 2017
***
شكّل الشاعر أديب كمال الدين فضاءَه الشعري
بلغة تشكيلية دينامكية
اعتمدت على حركة الأشياء وطاقة
الاتصال بينها فهو يقترب
كل الاقتراب من الإمساك بكلّ ما هو عابر وزائل في لحظته
الشعرية ويعيد إنتاجه من جديد، بلغة مزج فيها الظل والضوء،
والصوت والصدى، الصورة وانعكاس صورتها في القصيدة وفي ذات
المتلقّي.
ناظم ناصر القريشي
(ابتكار لغة الضوء والمرايا)،
جريدة الصباح البغدادية 4 تشرين أول 2016
***
حين بدأ أديب كمال الدين كتابته للشعر في سبعينيات القرن
المنصرم ومع أول ظهور ديوان له "تفاصيل" عام 1976 أظهر رغبة في
أن يكون شعره مالكاً لبصمة تميّزه عما قيل منه ويُقال. فاختار
الحرف موضوعاً ومنهلاً ليصوغ به قلائده الشعرية. فأصدر مجاميعه
التي بلغت 19 مجموعة، جميعها تتحدّث عن تجربته الحروفية هذه.
تُرجِمَ بعضها إلى عدّة لغات حيّة منها الإنكليزية والفرنسية
والإيطالية والإسبانية والأوردية وغيرها من اللغات.
أحمد فاضل
(الحروف حينما نغترفها ماءً)، موقع إيلاف 9 حزيران 2017
***
زيادة على اهتمام أديب كمال الدين بالمعنى وتنويعه له ما يشدّ
القارئ من طريق توظيف الحروفية في شعره فإنّ أديب كمال الدين
يهتم بالصياغة اللغوية والنحوية في شعره أيضاً.
د. نجاح هادي كبّة
(اللغة تتهجّى مضامين القصائد)، جريدة
الزمان 12 آذار 2017
***
إن النصّ الذي يأسر الشاعر أديب كمال الدين ويدفعه لخلقه ورميه
إلى ذائقة المتلقى هو النصّ المتماوج على حدّة اللغة، وقسوة
الصورة، والإيغال في تشظّيات النفس الإنسانية.
د. سامان جليل إبراهيم
(البوح الأنويّ بين الاعتراف والانكسار)،
جريدة العالم 8 كانون الأول 2015
***
ثمّة
تحوّلات شعرية في نصوص أديب كمال الدين، أعني في اشتغاله
الحروفي، إذ أنه أعطى للحروف سمات وظيفية، سمات حرّكت المضمون
من قولبته النظرية والفلسفية إلى مضمون تنقيبي- إن صحّ
التعبير- بالاعتماد على اللعب باللغة وتشكّلاتها الحروفية،
وكذلك بالاعتماد على رسم الصور الشعرية المكثّفة والأخذ ب
(تأطيريتها) وفق مزايا أسلوبية حديثة.
زهير
الجبوري
(إنتاج الحروفية: إنتاج المعنى)، صحيفة التآخي 5 حزيران
2008
****
امتاز الشاعر بالثراء الشعري لإصداره 19 مجموعة شعرية، ضمّت في
متنها قصائد غلب عليها التشكيل الحروفي حتى عُرِفَ بـ (ملك
الحروف) فاستمدّ موضوعاتها من خلال رؤيته الواقعية ونزعته
الصوفية في نظرته للوجود والأشياء من حوله، فجسّد أنفاسه
الملتهبة وما أحسّ به من غربتين داخلية وخارجية قيمةً تعبيريةً
تشكّلت في النهاية مجاميع شعرية لها الصدارة في الوقت الحاضر،
إذ نالت إعجاب قدر لا يُستهان به من النقاد والدارسين.
إبراهيم خزعل العبيدي
(التشكيل الاستعاري في شعر أديب كمال الدين)، إبراهيم خزعل
العبيدي، المركز الثقافي للطباعة والنشر، بابل، العراق 2017، ص
215
***
يعتزم الحروفي أديب كمال الدين على رسم تحوّلات العشق للمرأة،
بين جموحه ورغائبه، وبين روحيته والتحليق في رحاب جمالها، وعنف
تمنّعها، وجعلها ذاكرة طريّة، إزاء عواصف الغياب، والفقدان،
ومزج تجربة الحُبّ، بتجربة الحروف، الصيغة الشعرية التي أجاد
الشاعر تركيبها منذ انطلاقته الأولى قبل أكثر من أربعين عاماً،
وأعاد تبويب نسقها في مجاميعه المتلاحقة.
محمّد فاضل المشلب
(رؤى العاشق وشعريّة الحرف عند أديب كمال الدين)، جريدة الصباح
الجديد 31 تشرين أول 2017
***
إنّ الصورة الشعرية عند أديب كمال الدين جَلِيّة، دالّة،
ممتِعة، حدّ الغرابة والدهشة.
ياسر العطية
(الوصايا التسع وقصائد أخرى)، موقع الفكر 9 آذار 2016
***
لو كتب أديب كمال الدين ديواناً واحداً في الحرف لكان ذلك في
منتهى الغرابة، فكيف وقد سكن الحرف جميع دواوينه ومجاميعه
وقصائده وحتى ومضاته ليكون أكبر شاعر حروفيّ في العالم
وبامتياز؟
صالح الطائي
(أديب كمال الدين: أكبر شاعر حروفي في العالم وبامتياز) مواقع معارج
الفكر والنور والمثقف، 27
مايس 2017
***
أديب كمال الدين
شاعر
ذو تجربة عميقة وغنية قائمة على المكابدة الحقيقية، ومعانقة
الهم الإنساني. وقد أقام هذه التجربة على الإخلاص لفنه، وتطوير
أدواته وتحولاتها- منذ بواكيره الأولى- من قصيدة التفعيلة إلى
قصيدة النثر، واستطاع عبر هذا المخاض الطويل مع الكتابة أن
يؤسس منطقة خاصة به، منطقة تسمى (الحرف والنقطة)، إذ أطلق عليه
بالشاعر الحروفي أو شاعر الحروفية الجديدة، وهي منطقة لا يمكن
لأي شاعر آخر تقليدها أو استنساخها، وان الاستدلال إلى منتجها
يتأتى من خلال فضاءاتها اللصيقة بالحرف، وما يفضي إليه عالم
الحرف من تنوع وابتكار جديد.
عبد الأمير خليل مراد
(فضاءات
السياق الدلالي عند أديب كمال الدين)، ملحق أوراق، جريدة المدى
3 نيسان 2016
***
في
أغلب
قصائد
الشاعر أديب
يكون
الحوار
بين
الحرف
والنقطة
وكذلك
يجعل
من
البنية
الحوارية
بنية
سردية
يلعب
الشاعر
فيها
دور
الراوي
أو
السارد
المصاحب
الذي
يسمح
للشخصيات
بأن
تدلي
بدلوها
وتعبرعن
آرائها
في
حرية
تامة
لتقدم
الرؤية
الشعرية.
وقد
سجّل
حضور
الحرف
والنقطة
القسم
الأكبر
في
صراع
الشخصيات
المتمثّلة
في
صوت
الشاعر
في
كل
قصيدة
من
قصائده.
سمير عبد الرحيم أغا
(جماليات
التشكيل
اللونيّ
في
شعر
أديب
كمال
الدين)،
سمير
عبد
الرحيم
أغا،
جامعة
ديالى،
ديالى،
العراق
2017
، ص 187
****
النص الذي يكتبه الشاعر أديب كمال الدين له مجسّاته التي
تسعى في المتخيّل وتنتشي في إشراقة المعنى من خلال
الانفتاح على تأويل الحرف وإشاراته وتشابكه كبرهان في
الرمز والإشارة وتحويل العلامات إلى فضاء تجريدي يتيح للنص
آفاقاً وإضافات واستيهامات خاصة.
علي الفواز
(نون وكتابة الإغواء)، (الحروفي: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة
أديب كمال الدين الشعرية)، إعداد وتقديم: د.
مقداد رحيم، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، بيروت
2007
ص 333
***
يمكن
أن نصف نصّ أديب كمال الدين على أنّه يتموقع بين مستويين من
الرؤية التأويلية، أولها تعمد على تجاوز حرفية الواقع الخارجي
وشخصنة المعنى إلى حيث المحاكاة بنمط كلّي عام لا يشير إلى
المؤلف على الإطلاق بل إلى الحياة ذاتها بكل ما تتصف به من
تاريخية وزمانية، وثمة رؤية مغايرة تستند في تخومها على نزعة
سيكلوجية تجعل من المؤلف جزءاً رئيساً في عملية الفهم
والتأويل. فبين هاتين الرؤيتين يتجاذب نصّ أديب كمال الدين،
فلا يغادر تجربته المعاشة مطلقاً ولا يعمد إلى انحباس النصّ
داخل تلك التجربة، وهذا التواشج بين الرؤيتين يتشكّل عبر
القدرة الكتابية للشاعر وإمكانيته في خلق سياق مغاير.
أسامة غالي
(حين طار الغراب ولم يرجع!)،
جريدة القدس العربي 6 أيلول 2013
***
إن الشاعر أديب كمال الدين الذي بدأ كتابة الشعر في السبعينات
من القرن المنصرم قد
استطاع أن يتطوّر مع حركة الحداثة وينتقل معها خطوة بخطوة،
ليصل بنا إلى أرقى وأسمى ما يمكن أن يقدمه شاعر في نصوصه
الشعرية من خبرة متراكبة متشعبة زاخرة، موظفاً فيها الحرف
كأداة جديدة تُضاف إلى البناء الفني لقصيدة النثر بالرغم من
صعوبة تدوينها إلّا أنها تصل عنده- أي قصيدة النثر- إلى
المتلقّي مرنةً سهلةً يمكن إدراكها وسبر أغوارها والرحيل
بعالمها دون تعقيد.
يوسف عبود
(شاعر
يوظّف الحاء والباء بشعريّة نادرة)،
جريدة الزمان، 12 تموز 2017
***
تحيلنا نصوص الشاعر إلى الإنسجام الإيقاعي بالوجد الروحي نحو
الكمالات، والاندغام بلغته العالية، بفيض اللغة والمفارقة
والمشاكسة وهو يهزأ بما يصيب الوجود الإنساني إزاء المأساة
والأسى ومرارات الانكسارات والغربة التي يُصاب بها من العسف
السياسي والحروب وغلبة الظلم وإهدار الكرامة بأبشع الصور
المؤذية في الإنسانية.
صباح محسن كاظم
(وجْد
الحرف عند الصوفي الأخير أديب كمال الدين)، جريدة المدى 3
تشرين أول 2012
***
مَن يطلّع على السيرة الذاتية للشاعر الكبير
أديب كمال الدين سوف يرى
العدد الكبير من الأساتذة من ذوي الفطنة والباع الكبير في
النقد الأدبي وعلم الدلالة وما
بين السطور والقدرة على استخلاص المعنى من
رياض مجاميعه الشعرية، ويقف حائراً متهيّباً حدّ اللاجدوى من
إبحار زورقه ليمخر عباب بحره الشعري الهائج بالسؤال، الغني
بجواهر الحكمة، المتوّج بالجمال، المزدان ببلاغة القول، ورصانة
المفردة.
حميد الحريزي
(أسئلة الوجود ومعاني الخلود)، مواقع الفكر والمثقف والناقد
العراقي والنور 20 تموز 2014
***
في
بعض قصائده يورد أديب كمال الدين أكثر من رمز تاريخي، ويُلاحظ
أنه يستدعي رموزاً من عصور مختلفة، ويصبّها جميعاً في بوتقة
واحدة، وتكون النتيجة قصيدة "عصرية" يتكشف فيها الماضي كله،
وتختلط همومنا القديمة بمآسينا الجديدة.
د. ديانا رحيل
(الذاكرة: ملاذ الروح ووجعها)، جريدة الدستور
الأردنية 10 نيسان 2015.
سيرة ذاتيّة
أديب كمال الدين
Adeeb Kamal Ad-Deen
شاعر، ومترجم، وصحفي
* مواليد 1953 ، بابل، العراق.
* بكالوريوس اقتصاد، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة بغداد
1976.
* بكالوريوس أدب إنكليزي، كلية اللغات، جامعة بغداد 1999.
* دبلوم الترجمة الفورية، المعهد التقني لولاية جنوب أستراليا،
أديلايد، أستراليا 2005.
* صدرت له المجاميع الشعرية الآتية:
-
تفاصيل ،
مطبعة الغري الحديثة
، النجف، العراق 1976
.
-
ديوان عربيّ ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق 1981
.
-
جيم ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، العراق 1989.
-
نون ، دار الجاحظ ، بغداد ، العراق 1993.
-
أخبار المعنى ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد، العراق
1996.
-
النقطة (الطبعة الأولى) ، مكتب د. أحمد الشيخ ، باب المعظّم،
بغداد، العراق 1999.
-
النقطة (الطبعة الثانية) ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت، لبنان 2001.
-
حاء ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،
بيروت، لبنان 2002.
-
ما
قبل
الحرف
..
ما
بعد
النقطة
،
دار
أزمنة
للنشر
والتوزيع
،
عمّان، الأردن
2006.
-
شجرة الحروف ،
دار أزمنة للنشر والتوزيع ،
عمّان ، الأردن
2007.
-
أبوّة
Fatherhood
،
(بالإنكليزية)
دار سيفيو،
أديلايد،
أستراليا
2009.
-
أربعون قصيدة عن الحرف ،
دار أزمنة للنشر والتوزيع ،
عمّان،
الأردن
2009
-
أربعون قصيدة عن الحرف،
Quaranta poesie sulla lettera
(بالإيطالية: ترجمة: د. أسماء غريب)، منشورات نووفا
إيبسا إيديتوره ، إيطاليا 2011.
-
أقول الحرف وأعني أصابعي ، الدار العربية للعلوم ناشرون ،
بيروت ، لبنان 2011.
-
مواقف الألف ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان
2012.
-
ثمّة خطأ
Something Wrong
،
(بالإنكليزية)
دار ومطبعة
Salmat
،
أديلايد، أستراليا
2012.
-
الحرف والغراب ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان
2013.
-
تناص مع الموت:
متن در متن موت
(بالأورديّة:
ترجمة:
اقتدار جاويد)،
دار كلاسيك،
لاهور،
باكستان
2013.
-
إشارات الألف ، منشورات ضفاف ، بيروت ، لبنان
2014.
-
الأعمال الشعرية الكاملة:
المجلّد الأوّل،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2015.
-
رقصة الحرف الأخيرة ،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2015.
-
في مرآة الحرف ،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2016.
-
الأعمال الشعرية الكاملة:
المجلّد الثاني،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان
2016.
- الحرف وقطرات الحُبّ
La Lettre et les gouttes de l'amour
(بالفرنسية: ترجمة وتقديم: د. ناجح جغام) دار جناح،
فرنسا 2017.
- حرف من ماء، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2017.
- دموع كلكامش وقصائد أخرى
Lagrimas de Gilgamesh Y Otros Poemas
(بالإسبانية: ترجمة:
جوزيب غريغوري ومراجعة وتقديم: عبد الهادي سعدون) منشورات
لاستورا، مدريد، إسبانيا 2017.
*
كتب صدرت عن تجربته:
-
(الحروفيّ:
33
ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية)،
إعداد وتقديم الناقد د.
مقداد رحيم ،
المؤسسة العربية للدراسات والنشر،
بيروت، لبنان
2007.
والنقّاد المشاركون هم:
أ.
د.
مصطفى الكيلاني، أ.
د.
عبد
العزيز المقالح، أ.
د.
بشرى موسى صالح
، أ.
د.
عبد الإله الصائغ، أ.
د.
حاتم الصكر، د.
ناظم عودة، د.
حسن
ناظم، أ.
د.
عبد الواحد محمد، د.
عدنان الظاهر، عبد الرزاق الربيعي، صباح الأنباري، علي الفواز،
وديع العبيدي، عيسى حسن الياسري،
د.
خليل
إبراهيم المشايخي، زهير الجبوري،
د.
محمود جابر عباس،
د.
صالح
زامل حسين، هادي الربيعي، فيصل عبد الحسن، د.
إسماعيل نوري الربيعي، نجاة العدواني،
د. حسين سرمك حسن،
رياض
عبد الواحد، واثق الدايني، ريسان الخزعلي، أ.
د.
محمد صابر
عبيد،
د. عيسى
الصباغ، عدنان الصائغ،
يوسف الحيدري، ركن الدين يونس، معين جعفر محمد، ود.
مقداد رحيم.
-
(الحرف
والطيف: عالم أديب كمال الدين الشِعريّ "مقاربة تأويليّة")، أ.
د. مصطفى الكيلاني (نشر إليكترونيّ) تونس 2010.
- (الاجتماعيّ
والمعرفيّ في شعر أديب كمال الدين)،
د.
صالح الرزوق،
منشورات ألف لحرية الكشف في الإنسان،
دمشق وقبرص
2011.
- (أضفْ نوناً: قراءة في "نون"
أديب كمال الدين)،
د.
حياة الخياري،
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت ، لبنان 2012.
- (تجلّيات الجمال والعشق عند أديب كمال الدين)، د. أسماء
غريب، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2013.
- (إشكاليّة الغياب في حروفيّة أديب كمال الدين)، صباح
الأنباري، منشورات
ضفاف، بيروت، لبنان 2014.
- (آليات التعبير في شعر أديب كمال الدين)، د. رسول بلاوي،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015.
- (أيقونة
الحرف وتأويل العبارة الصوفيّة في شعر أديب كمال الدين)، د.
عبد القادر فيدوح،
منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2016.
- (التداولية
الحوارية:
تأويل خطاب المتكلّم في شعر أديب كمال الدين)،
د.
هاني آل يونس،
دار دجلة،
عمّان،
الأردن
2016.
- (جماليات
التشكيل
اللونيّ
في
شعر
أديب
كمال
الدين)،
سمير
عبد
الرحيم
أغا،
جامعة
ديالى،
ديالى،
العراق
2017.
- (التشكيل الاستعاري
في شعر أديب كمال الدين)، إبراهيم خزعل العبيدي، المركز
الثقافي للطباعة والنشر، بابل، العراق 2017.
* فاز بجائزة الإبداع الكبرى للشعر، العراق ، بغداد 1999.
*
نال تكريم برلمان ولاية نيو ساوث ويلز عن منجزه الشعري والصحفي
المتميز، سدني،
أستراليا
2016.
*
شهادات جامعية:
- د. حياة الخياري: (الرموز الحَرْفية في الشعر العربي
المعاصر) رسالة دكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من كليّة الآداب
والعلوم الإنسانية، سوسة، الجمهورية التونسية 2011. تناولت
الرسالة أعمال أدونيس، أديب كمال الدين، أحمد الشهاوي.
- مشتاق طالب محسن: (التناص في شعر أديب كمال الدين) رسالة
ماجستير بتقدير جيد عال من كليّة التربية، ابن رشد، جامعة
بغداد، العراق 2014.
- نوال فاضلي: (توظيف الموتيف في شعر أديب كمال الدين) رسالة
ماجستير بتقدير جيد جداً من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية،
الجامعة الأراك، إيران 2015.
-
ليلا یادگاري:
(دلالات
الألوان في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير امتياز من
كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، جامعة خليج فارس، بوشِهر،
إيران 2016.
-
فاطمة بو عذار:
(توظيف
التراث في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير جيد عال
من كليّة الشريعة، جامعة چمران، إيران
2016.
-
إبراهيم خزعل العبيدي:
(التشكيل
الاستعاري في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير جيد جداً عالي من كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة
ديالى، العراق 2016 .
-
ياس عوض رشيد: (المرجعيات الثقافية في شعر أديب كمال الدين)
رسالة ماجستير
بتقدير جيد جداً من كلية الآداب، جامعة البصرة، العراق 2016 .
- هاجر قواسمية: (الخصائص الأسلوبية في ديوان"الحرف والغراب"
لأديب كمال الدين) رسالة ماجستير من كلية الآداب واللغات،
جامعة سوق أهراس، الجزائر 2016.
- د. عذراء مهدي حسين العذاري: (شعر
أديب كمال الدين: دراسة تحليلية) رسالة دكتوراه من كلية
الآداب، جامعة الكوفة، العراق 2017.
*
محاضرات عن تجربته:
-
واثق الدايني:
(فلسفة
المعنى بين النظم
والتنظير،
دراسة في مجموعة
"أخبار
المعنى"
لأديب كمال الدين
(
محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق
ببغداد 2 تشرين أول، أكتوبر 1996.
-
زهير الجبوري:
(قراءة
في
"ما
قبل الحرف..
ما بعد النقطة")
محاضرة أُلقيت في قاعة نقابة الفنانين بمحافظة بابل،
العراق
16
آذار،
مارس
2007.
-
عبد الأمير خليل مراد، جبّار الكوّاز، عباس السلامي،
(قراءة
في مجموعة
"ما
قبل الحرف..
ما بعد النقطة")،
محاضرة أُلقيت في نقابة الفنانين بمحافظة بابل،
العراق
2007.
-
زهير الجبوري:
(شعرية
الحروف:
قراءة في شعر أديب كمال الدين)
-
محاضرة أُلقيت في الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق
ببغداد -
27
تشرين أول-
أكتوبر
2007.
-
مازن المعموري-
(صناعة
الكتاب الثقافي:
كتاب
"الحروفي"
أنموذجاً)
-
محاضرة أُلقيت في
الاتحاد العام للأدباء والكتّاب ببغداد-
30
كانون الثاني
2008.
-
أمسية نقدية خاصّة بعنوان:
(تداخل
الفنون في شعر أديب كمال الدين)
أقامها اتحاد الأدباء والكتّاب في محافظة ديالى، وشارك فيها:
1-
القاص صلاح زنكنة بدراسة عنوانها:
(المنحى
السرديّ في مجموعة:
"شجرة
الحروف").
2-
الناقد سمير عبد الرحيم أغا بدراسة عنوانها:
(تـشكيل
الحرف وتشكيل اللون:
قراءة تشكيلية في مجموعة:
"أربعون
قصيدة عن الحرف").
3-
الشاعر أمير الحلاج بدراسة عنوانها:
("النقطة"
وجدلية اصطياد المعنى).
أُقيمَت
الأمسية في مقرّ الاتحاد بتأريخ
22
شباط
2011.
- مالك مسلماوي، قراءة في (ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة)،
محاضرة أُلقيت بدار بابل للثقافة والفنون والإعلام بمحافظة
بابل، 14 مايس
2011.
-
أمسية نقديّة خاصّة عن مجموعة
"الحرف
والغراب"
أقامها أساتذة قسم اللغة العربية في كلية التربية،
جامعة ديالى.
والأساتذة المشاركون هم:
1-
د.
وسن عبد المنعم الزبيدي التي كانت ورقتها بعنوان
(أديب
كمال الدين في الحرف والغراب).
3-
د.
أنمار إبراهيم أحمد الذي كانت ورقته بعنوان
(الدلالة
السيميائية المضمرة في الحرف والغراب).
4-
د.
علي متعب العبيدي الذي كانت ورقته بعنوان
(حينما
يذبل عود الياسمين:
تصورات عن الحرف والغراب).
5-
أ.
د.
فاضل عبود التميمي الذي كانت ورقته بعنوان
(حمامة
الشاعر وغرابه:
قراءة في مجموعة:
الحرف والغراب).
أدار الأمسية التي أُقيمَتْ في اتحاد أدباء وكتّاب ديالى
بتأريخ
10
-
10
-2013
الناقد
أ.
د.
فاضل عبود التميمي.
-
أمسية خاصّة احتفاء بصدور مجموعة
(في
مرآة الحرف)
أقامها بيت بابل الثقافي في محافظة بابل وشارك فيها الأدباء:
عبد الأمير خليل مراد، د. وسام حسين العبيدي، مالك مسلماوي،
ركن الدين يونس، سعود بليبل، معين جعفر محمد، كامل الدليمي.
وقدّم الأمسية التي أقيمت في 12 نيسان- أبريل 2016، عبد الهادي
عباس.
- د. خالد كاظم حميدي: "العتبات
النصيّة في الشعر العراقي المعاصر، شعر أديب كمال الدين،
مقاربة سيميائيّة" محاضرة أُلقيت في اتحاد الأدباء والكتّاب في
النجف الأشرف بتأريخ 5 تشرين ثاني- نوفمبر 2016.
- ركن الدين يونس: "قراءة في شعر
أديب كمال الدين" محاضرة أُلقيَتْ ضمن نشاط اتحاد أدباء بابل،
تقديم سعد الشلاه 15 كانون أول- ديسمبر 2016
- حفل توقيع مجموعة (حرف من ماء) أقامته الورشة الثقافية في
المركز الثقافي البغدادي في بغداد، وشارك فيه الأدباء:
ناظم
ناصر
القريشي،
كاظم
الشويلي،
عبد
الأمير
خليل،
أحمد
فاضل،
د.
أنور
غني
الموسوي،
حسن
حافظ،
يوسف
عبود،
سعد
المظفر، عبد
الرزاق
كريم،
هيثم
الشويلي. أُقيم حفل التوقيع في 12 آيار- مايس 2017
.
- أ.
د.
فاضل عبود التميمي: "قراءة في كتاب التشكيل الاستعاري في شعر
أديب كمال الدين لإبراهيم خزعل العبيدي"، تقديم مندوب العبيدي.
محاضرة أُلقيَتْ في اتحاد الأدباء والكتّاب في ديالى 26 تشرين
أول 2017.
*
أمسيات خاصّة ومهرجانات:
-
أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة تفاصيل،
محافظة بابل،
1976.
-
مهرجان الأمّة الشعري،
فندق الرشيد ،
بغداد
1984.
-
مهرجان المربد ،
(عدّة
دورات).
-
ربيع الشعر:
ملتقى الشعر العراقي الفرنسي ،
بغداد ،
القصر العباسي
2000.
-
أمسية خاصّة بمناسبة صدور مجموعة
(النقطة)،
اتحاد الكتّاب والصحفيين العراقيين (المنفى)،
عمّان، الأردن،
نيسان
2002.
-
مهرجان الشعر العربي ،
بيت الشعر الأردني،
الأردن ،
عمّان
2002.
-
ملتقى الشعر الأسترالي،
مدينة تاونسفيل ،
أستراليا
2003.
-
ضيف أمسية في جمعية الشعر،
أديلايد ،
أستراليا،
كانون أول
2004.
-
ضيف أمسية
Gallery de la Catessen
،
أديلايد ،
أستراليا
،
آب
2006.
-
حفل توقيع صدور ترجمة
(أربعون
قصيدة عن الحرف)
إلى اللغة الإيطالية،
بالرمو،
إيطاليا، برفقة المترجمة د.
أسماء غريب والشاعر الإيطالي
فينشينسو بومار
والناقد الإيطالي
ماريو مونكادا دي مونفورته الذي
قدّم قراءة نقدية للمجموعة.
الاحتفالية من تقديم الكاتب الإيطالي
فينشينسو بريستد جاكُمو 10 آذار 2012.
-
أمسية خاصّة في قاعة جامعة لاهاي،
هولندا.
تقديم الروائي محمود النجار، والشاعر مهدي النفري الذي قدّم
قراءة نقدية بعنوان
(الحلم
في شعر أديب كمال الدين)
17
آذار
2012.
- حفل توقيع صدور مجموعة: (ثمّة خطأ)، اتحاد كتّاب ولاية جنوب
أستراليا ، أديلايد، أستراليا. تقديم الناقدتين الأستراليتين:
د. آن ماري سمث ود. هِثر جونسن 12 تشرين أول، أكتوبر 2012.
- مهرجان الجواهري الثالث والرابع، منتدى الجامعيين العراقي
الأسترالي، سدني، أستراليا، 2015 و2016.
*
أنطولوجيات:
-
معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، مؤسسة جائزة عبد
العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، جمع وترتيب: هيئة
المعجم، المجلد الأول، الطبعة الأولى، 1995، مطابع دار القبس
للصحافة والطباعة والنشر، الكويت.
-
مختارات من الشعر العراقي المعاصر،
إعداد:
أ.
د.
محمد صابر عبيد ،
اتحاد الكتّاب العرب،
دمشق ،
سوريا.
-
بلد آخر
Another Country
(بالإنكليزية)،
تحريرTom
Keneally, Rosie Scoot
، منشورات مجلة
Southerly
، سدني ، أستراليا 2004.
-
أنثولوجيا الأدب العربي المهجري المعاصر،
إعداد:
لطفي حداد ،
دار صادر،
بيروت، لبنان
2004.
-
أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر،
(بالإسبانية):
إعداد وترجمة
Esteban Castroman
منشورات
Clase Turista
،
بوينس آيرس،
الأرجنتين.
-
العراق،
(بالإنكليزية)،
أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر،
إعداد وترجمة سهيل نجم وصادق محمود وحيدر الكعبي،
منشورات أتلانتا ريفيو،
ربيع وصيف
2007
،
الولايات المتحدة.
-
على شواطئ دجلة،
(بالإسبانية)،
أنطولوجيا للشعر العراقي المعاصر،
إعداد وترجمة عبدالهادي سعدون،
بمشاركة محسن الرملي والمستعرب الإسباني أغناثيو غوتيريث ،
منشورات البيرو إي لارانا ،
كاراكاس،
فنزويلا،
آب
2007.
-
أفضل القصائد الأسترالية لعام
2007 (بالإنكليزية)،
The Best Australian Poems 2007
إعداد وتقديم الشاعر والكاتب الأسترالي:
بيتر روز
Peter Rose
،
ملبورن، أستراليا،
تشرين أول -
أكتوبر
2007.
- الثقافة هي،
Culture is
(بالإنكليزية)، إعداد: الناقدة الأسترالية: د. آن ماري سيمث.
Anne-Marie
Smith
، منشورات ويكفيلد برس، أديلايد، أستراليا، تشرين أول- أكتوبر
2008.
-
عراقيون غرباء آخرون
(أنطولوجيا
الشعر العراقي الجديد)
(بالإسبانية)،
إعداد وترجمة:
عبدالهادي سعدون، دار كوسموبويتيكا، قرطبة، إسبانيا،
2009
-
القيثارة والقربان:
الشعر العراقي منذ السبعينيات حتى اليوم
(مختارات)،
تقديم وتحرير سهيل نجم، منشورات ضفاف،
الشارقة،
بغداد
2009
-
لوحة أوروك
Uruk
A Portrait of
، مختارات من الأدب العراقي (بالإنكليزية) ، ترجمة: خلود
المطلبي ، دار هرست وهوك للنشر، بريطانيا 2011.
-
ديوان الحلّة:
أنطولوجيا الشعر البابلي المعاصر، اعداد:
د.
سعد الحداد، منشورات دار بابل للثقافات والفنون والإعلام،
مطبعة الضياء، النجف، العراق
2012.
-
أفضل القصائد الأسترالية لعام
2012 (بالإنكليزية)
The Best Australian Poems 2012
.
إعداد وتقديم
الكاتب الأسترالي:
جون ترانتر
Jone Tranter
ملبورن،
أستراليا ،
تشرين أول
-
أكتوبر
2012.
*
مسرحيات:
-
(ما
قبل الحرف..
ما بعد النقطة)،
مسرحية راقصة مُعدّة من قصائد مجموعة:
(ما
قبل الحرف..
ما بعد النقطة)،
إعداد:
ذو الفقار خضر.
قام بأدائها الفنانان ذو الفقار خضر وميثم كريم الشاكري اللذان
جسّدا شخصيتي المسرحية:
الحرف والنقطة.
أخرجها ذو الفقار خضر على خشبة نادي الفنانين بمحافظة بابل،
العراق
21
نيسان ،
أبريل
2007.
-
(الحقائب
السود)
سيناريو مسرحية بونتومايم ذات فصل واحد مُعدّة من نصوص الشاعر
أديب كمال الدين ،
إعداد:
علي العبادي
30-
5-
2009.
* كُتِبتْ عنه مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث والمقالات
النقدية، شارك في كتابتها نقّاد وأدباء وشعراء من مختلف
الأجيال والاتجاهات الأدبية والنقدية.
* ترجم إلى العربية قصصاً وقصائد ومقالات لجيمس ثيربر، وليم
كارلوس وليمز، آن سرايلير، والاس ستيفنز، إيلدر أولسن، أودن،
كاثلين راين، اليزابيث ريديل، جيمس ريفز، غراهام غرين، وليم
سارويان، دون خوان مانويل، إيفا دافي، فلادمير سانجي، مارك
توين، موري بيل، إيغرا لويس روبرتس، أدولف ديغاسينسكي، جاكوب
رونوسكي، روست هيلز، ألن باتن وعدد من شعراء كوريا واليابان
وأستراليا ونيوزيلندا والصين وغانا.
* أعدّ للإذاعة العراقية العديد من البرامج: "أهلاً وسهلاً"،
"شعراء من العراق"، "البرنامج المفتوح"، "ثلث ساعة مع..."،
"حرف وخمس شخصيات".
* عمل في الصحافة منذ عام 1975 وشارك في تأسيس مجلة (أسفار).
* عضو نقابة الصحفيين العراقيين، والعرب، والعالمية.
* عضو اتحاد الأدباء في العراق، وعضو اتحاد الأدباء العرب.
* عضو جمعية المترجمين العراقيين.
* عضو
اتحاد
الكتّاب
الأستراليين،
ولاية
جنوب
أستراليا،
وعضو
جمعية
الشعراء
في
أديلايد.
* تُرجمت قصائده إلى الإنكليزية والإيطالية والفرنسية
والإسبانية والكردية والفارسية والأوردية.
* يقيم في أستراليا.
* موقعه الشخصي
www.adeebk.com
|
All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة