البحث عن مقهى

 

جمال حافظ واعي

 

 

الى أديب كمال الدين وعبد الخالق كَيطان

 

1

 

هل بوسعنا ان نختار وقد تناهبت ايامنا خيارات ملزمة وقائمة طويلة من الإكراهات التي تطوقنا ؟ وكيف نتحرر من سطوة تتنازعنا وتجعل لحظة الاختيار بلا أهلية ؟ وهل نفرّ من اطواقنا الى الخيار الذي لاخيار سواه ؟

كنا في نزهة عابرة تتنافس فيها الخيارات لكن هناك من يدفعنا دفعا الى اللاإختيار !

الجمال يُلقي الينا برسله في تلك المرتسمات ونحن نعقب على خذلاننا ، فثمة ما يدعونا الى المقارنة دوما ، فأيامنا الماضية القاسية بوحشيتها تسخر منا فقد ختمت على وجودنا اللاحق .

كلما توغلنا في جمال المُعطى شعرنا بأن ثمة حصة للوحشة فيه ؟!

انت لا تعرف كيف تمشي وسط غابة الجمال هذه وانما تتدافع مع الايام وغالبا ما تدفعك عن مقاعدها لتقول لك لقد ذهبت فرصتك في الاختيار وانت الآن فرصة مضاعة فلا  تتوسل حقا ليس لك ولا تستعيد ذكرى فرصة خذلتها حين فتحت ذراعيها لك وتركتَ الآخرين يسرقونها !

الندم ليس ذكرى مؤلمة فحسب انه حبال تزداد إنفتالا مع الايام لتخنقك وهو الذي يكتب شيخوختك في طفولته المتجددة ويستحيل احجارا تتساقط عليك من جميع الإتجاهات وشجرة مسمومة تلقمك ثمرها كل حين ، فليس هناك شخص اكثر موتا من ذلك الذي استبدّ به الندم ؟!

 

2

 

كنا نبحث عن مقهى نجلس فيها ، مقهى مؤقتة تجاور زحف الوجوه من حولنا ، فهل كنا نبحث عنها حقا ام نواسي انفسنا ونحن نستعيد رائحة تخت قديم ينادينا من الأقاصي البعيدة ونستعرض المقاهي التي تلقفتنا وكأن حياتنا احتشدت هناك ولا تريد المغادرة ؟

نتشيأ في الأمكنة وتلملمنا الذكرى لتعاقبنا .

وحين عثرنا على هذه المقهى اكتشفنا انها لا تتسع لأجسادنا المتهالكة ، فهل تصر تلك الأماكن على طردنا من وجودنا الطارئ عليها ؟

كل شيء في هذا الوجود ينطق سواء بلسان او بدونه وماقالته لنا هذه الأمكنة انكم غير قادرين على منح  المكان نشوة عابرة ، فبقايا المجزرة تتقدم وجوهكم !

من اين جئتم وما هذه الكوابيس التي تنزّ من اجسادكم ؟

 

3

 

في أيامنا القديمة المشوبة بالحذر ، كنا نرى الوجوه من حولنا وقد استذئبتْ واصبحت اكثر خسة من الذئب ولا اقول شراسة . كانت المقهى عندنا من ملحقات الذئب الذي اوكل لصاحبها بشكل او آخر متابعة القطيع الداخل والخارج .

المقهى هناك تتمة للإذعان وشاهد على الرعب .

لكن المقهى المواجهة للريح والأمواج الهائجة ليست كالمواجهة للثكنة والنادل الذي يقدم لك الشاي هناك بيده الممدودة التي تمنى لو صفعك بها ، ليست ذاتها هنا ، لكنك مسطول بتاريخك المدون ودخان الكائنات الذي مرّ عبر زجاج المقاهي !

كان حديثنا مزيجا من الإستعادة وردّ الفعل الفطري تجاه هذه الأماكن ونزيف لاينقطع من الخيبة والذكريات ، ولكن ذئب المقهى القديم يخرج من ثيابي ليقول لي :

انت حاضنة للعثمتك ، تركتَ تاريخا من اللغة هناك واكتفيت هنا بما يقودك الى سطوح الاشياء مثل عصا الأعمى .

الحلقات البشرية التي تراها تحتفل بالحياة ليست من سلالاتك التي تحتفل بالموت . انت هنا اشبه بشاخص عند سواحل المحيط الهادئ تتبادل الرسائل المشفرة مع ذاتك لتقنعها بجدوى ما انت عليه !

 

استراليا

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home