جاء نوح ومضى
شعر: أديب كمال الدين
ستموت الآن.
أعرفُ، يا صديقي الحرف،
أنّكَ ستموتُ الآن.
لم تعدْ نقطتُكَ الأنقى
من ندى الوردة
تتحمّل كلَّ هذا العذاب
السِّحريّ
والكمائن وسطَ الظلام
والوحدة ذات السياط
السبعة.
لم تعدْ، أيّها البسيط
مثلي
والضائع مثلي
والساذج مثلي،
تتحمل وحشةَ هذه الرحلة
التي لم نُهيّىءْ
لها أيَّ شيء
ولم يخبرنا أحد
عن مصائبها التي لا
تنتهي.
انتظرنا - أنا وأنتَ -
طويلاً سفينةَ نوح.
جاءَ نوح ومضى!
لوَّحنا له طويلاً
بأيدينا
وقمصاننا
وملابسنا
ودموعنا الحرّى.
لوَّحنا له بيُتمِنا
الأبديّ
وبضياعنا الأزليّ.
لوَّحنا له بطفولتِنا
العارية
وبشمسِنا الصغيرةِ التي
تغيّرَ طعمها
وأصبحتْ بحجمِ ليمونةٍ
ذابلة.
لوَّحنا له بكلّ شيء يُرى
وبكلّ شيء لا يُرى.
لم ينتبه الرجلُ إلينا
كانَ طيّباً ومُسالماً
ومهموماً بسفينته وابنه
وطيوره.
وكنّا لا نطلبُ شيئاً سوى
النجدة!
النجدة!
نعم، يا صديقي الحرف،
دعنا نصرخ الآن:
ال........ن............ج.............دة!
ربّما سيسمعنا ذلكَ
الرجلُ الطيّب
أو مَن أرسله في مهمّته
العجيبة.
دعنا نصرخ أيّها الحرفُ
الطيّب
ربّما سينتبهُ لنا.
لا تمت الآن أرجوك!
انظرْ هذا رغيف خبز لك
وهذه جرعة ماء أيضاً.
انظرْ هذه شمسنا لم تزلْ
تشرق
رغمَ أنّها بحجمِ حبّةِ
قمح.
لكنّها شمس على أيّةِ
حال!
لا تستسلمْ!
تمسّكْ بِحُلْمِكَ وإن
كانَ خفيفاً كالغُبار!
أرجوك
أنا لم أفقد الأملَ بعد!
أرجوك
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!
ال........ن............ج.............دة!
|