جسور

 

 

شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 

(1)

قالت النقطةُ للحرف:

لم يكن قلبكَ مولوداً في برج الحمل

بل في برج العذاب

كان قلبكَ وميضاً من القُبْلةِ والخطيئة

من الرغبةَِ والطيور التي تحلّق من قارّةٍ إلى قارّة

كان وميضاً من الكلمة التي مزّقتها السكاكين

والكلمةِ التي طُِلبَ من الممثلِ الأخرسِ الأعمى

أن يطلقها في نهاية المسرحية البلهاء

ليلعن نهاية العالم!

 

(2)

قال الحرفُ للنقطة:

هل تتذكرين الجسور التي عبرناها؟

كانت جسوراً

مليئةً بالفراتِ والسمكِ اللابطِ تحت أشعة الشمس

كانت جسوراً مليئةً بالدوّي والدخان

مليئة بالعيون التي كادت أن تفترسَ جمالك

وكانت مليئة، بعدئذ،

بالخناجرالتي مزّقتْْ جسدكِ البضّ

وحلمكِ العظيم.

ياه..

هي ذي جسور علي بن الجهم

حيث لا رصافة

وجسور الرصافة

حيث الكرخ يحترق كلّ يوم

ويغرق.

 

 (3)

وقال الحرف:

هل تتذكرينني بعد هذا الفراق؟

هل تتذكرين ذلك الأعمى الذي غسل قدميك بالحليب

أربعين عاماً

ذلك الصبي الذي كان يغرق كلّ يوم

في فراتكِ العالي ونهدكِ الناري

ذلك المهووس إذ افترشَ الصوفَ النتن

وارتجفَ تحت ذيل الكلب

كي يرى نورك الأسود؟

وهل تعرفين مغزى أن أطير

من أجل عريكِ العجيب

من كلمةٍ عجيبةٍ إلى كلمةٍ أعجب

ومن قصيدةٍ مُلغَّزةٍ إلى قصيدةٍ أكثر تلغيزاً وارتباكاً

ومن بحرٍ أحمر إلى بحرٍ أكثر أحمراراً

ومن قارّةِ الطغاةِ والجياعِ والملعونين

إلى قارّةٍ أشدّ شراسة من النمر

وأجمل من قفزةِ الكنغرِ الوديع؟

 

 (4)

وقال الحرف:

هل تتذكرين كم أرادوا أن يكشفوا سّرك

كانوا يطرقون البابَ كالمجوسِ يحملون ناراً مزّيفة

ليبادلوها بوهجكِ الأسود

أو يحملون ريشاً مُنهـَكاً وقطناً مبللاً بروائح زنخة

أو أطرافاً آدمية وُضِعَ عليها الجبس

ويصرخون:

أيها الحرف

لِمَ لا تنزل نقطتكَ من الأعالي؟

ألا تعجبكَ هدايانا: الريش والقطن والجبس؟

أما تعبتَ من الجلوس فوق الجبل

وكتابة القصائد فوق سطح البيت

حيث الصيف المقمر والعذاب المزدهر؟

وقالوا،

أو قال بعضُهم:

يا لسّركَ

يا لإعجوبتكَ الماثلة أيها الحرف

لقد أُعْطِيتَ نقطة ففرحت

وأُعْطِينا لغة كاملة فلم نفرح.

 

 

ياه،

أيتها النقطة،

لم يعرفوا أنّكِ أعظم

من لغةٍ كاملة

لأمّةٍ مُعذَّبة تنامُ فوق سطح البيت

حيث الصيف المقمر

والأشباح التي تقفزعاريةً كعري السكاكين.

 

 

 

الصفحة الرئيسية