شجرة الحروف

شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 

(1)

ليس هناك من شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى

ولذا أنبتّ هيكلي العظمي في الصحراء

وألبسته ُقبّعةَ الحلم

وحذاءَ طفولتي الأحمر

وعلّقتُ عليه

طيوراً ملوّنةً اتخذتْ شكلَ النون

ثم وضعتُ عليه

بيضةً صفراء كبيرة

اسمها النقطة!

 

(2)

ليس هناك من شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى

حين هبطتُ من المركبِ الأسودِ الطويل

رأيتُ الناس يحملون أشجاراً:

بعضهم يحملُ شجرةَ الذهب

أو شجرةَ اللذة

أو شجرةَ الدم

والآخر يحملُ شجرةَ النسيان

أو شجرةَ الكحول

أو شجرةَ النار

فمددتُ يدي في قلبي مرتبكاً

وأخرجتُ شجرةً صغيرةً جداً

مليئةً بالشمس

سمّيتها شجرةَ الحروف!

 

(3)

ليس هناك من شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى

لكنْ حدث أن سُجِنتُ مدى الحياة

ولكي أبدد الوقتَ في سجني الأبديّ

زرعتُ شجرةً صغيرةً جداً

في الصحنِ المعدني العتيقِ الذي يضع

فيه السجّانون طعامي

فَنَمت الشجرةُ عاماً فعاماً

حتى أثمرتْ جيماً مليئةً بالطلاسم

وصيحاتِ الدمِ والحروب

ونوناً مليئةً بآهاتِ العشق

وريشِ المحبّة

ونقطةً قيل إنها نقطة العارفين.

 

(4)

ليس هناك من شجرةٍ بهذا الاسم

أو بهذا المعنى

في المركبِ العجيب

أبحرَ جمع من الغرباءِ المنفيين

من المتوحّشين والمجانين وأشباه المجانين

ليتيهوا وسط البحر

فقالَ الأولُ: سنصل إلى الشاطئ

حين نرى شجرةَ التفّاح.

وقالَ الثاني: حين نرى شجرةَ الدنانير.

وقالَ الثالثُ: حين نرى شجرةَ الطيور.

وقالَ الرابعُ: حين نرى شجرةَ النساء.

ثم وصلَ الدورُ إليّ

فقلتُ: سنصل إلى الشاطئ

حين نرى شجرةَ الحروف.

 

*

حين وصلنا إلى الشاطئ

استقبلنا ملك ضخمُ الجثّة

حاد النظراتِ، مخيفٌ كاللعنة

فأعطى الغريبَ الأولَ تفّاحة

وأعطى الثاني ديناراً

وأعطى الثالثَ طيراً

وأعطى الرابعَ امرأة

 ثم وصلَ الدورُ إليّ

فتجهّم وجه ُالملكِ وصاح:

يا سيّاف اقطعْ عنقه!

 

*

حين تدحرجَ رأسي على الشاطئ

وسط صهيلِ الغرباءِ المنفيين

بزغتْ من دمي المتناثرِ على الأرض

شجرةٌ مليئةٌ بالنورِ والسرور.

أتراها شجرة الحروف؟

 

 

الصفحة الرئيسية