قصيدة "توريث" للشاعر أديب كمال الدين: جدلية الموت والمنجز

 

 

Image result for ‫أحمد الشيخاوي‬‎

أحمد الشيخاوي

 شاعر وناقد مغربي

 

 

 

نحن إزاء نص غني بدواله الجمالية برغم الإفراط في توظيف الرمز أو الموروث الإنساني كلازمة لخدمة الغرض المعرفي عبر جسد سردي صافي المعجم سهل اللغة ممتنعها منذ المطلع حتى النهاية.

لعل الفضاءات الذي أراد شاعرنا إرشاد ذهنية التلقي إلى بعض أسرارها الدفينة والسفر في بحبوحة أبعادها ، فضاءات تُعنى بالموت الآخر كولادة ثانية، ذلكم الموت المقتبسة بعض صوره أو مظاهره من محطات تاريخية مختلفة هنا وهناك تُكسب المنايا معنى مغايرا للسائد ، وتنأى بجيل الشاعر عن السقوط العشوائي بين مخالب تيارات رجعية تهتف بمجانية الموت وتفبركه وتُشرعنه حدّ منحه طابع القداسة المخول له هذا الاستحواذ المقلق والسلطة على حيز هام جدا من الراهن والوعي والخصوصية العربية لاعتبارات غرائبية من خلالها يتداخل ويتزاحم السياسي والاقتصادي والديني .

فماهية رسائل الحروفيّ أديب كمال الدين كمدمن للبساطة النابضة بالقول البليغ ، هي ماهية لتقويم المعوجّ من المفاهيم والدفع به باتجاه قياس الحياة بالتجارب لا بالأعمار، خارج حدود المعيارية التي من شانها خنق الذات والتضييق على الفكر وتقييد شروط المغامرة التعبيرية.

هي ماهية خلّاقة تحتفي بالاستقلال المطلق للذات، وتكرّس لثقافة عبرها تتفق الحياة مع الموت حول التبنّي الواعي للقناعة الراسخة المتجذرة والأهداف الإنسانية النبيلة كأنفس وأقدس ما يمكن أن نورّثه على نحو ما قد يفوّت على عوامل التعرية أو غيرها خدش بصمتنا كجنس مُستخلف في الأرض ومكرّم بميزة العقل.

1.

حينَ ماتَ تَد هيوز

أورثني غرابَه مَحبوساً في قفص.

ولأنَّ غرابه لا يجيدُ سوى الهرطقة والتجديف

لذا أطلقتُ سراحَه فوراً.

لكنَّ الغراب لم يُحلّقْ بعيداً

كما توقّعتُ

بل حطَّ على عمودِ الكهرباءِ المُجاورِ لشرفتي

لينظرَ إليَّ بعينين حاقدتين

وقلبٍ أسْوَد.

بهذا الخطاب التهكمي الصارخ المطعم بتقنية توظيف الرمز وفق ما يفيض عن الحاجة في إدانة زمن حجم الحرية المتاحة بلا حدود فيما يجعل الفوضى للفوضى والفتك للفتك والمثلب لمرآته عموما، وحكرا على من يُهدي أو يُعير أو يبيع الساحات لأصوات الهرطقة والخمول الفكري والعجز عن تقديم جملة مفيدة ، بهذا الخطاب الحماسي إذن... يتم الانتصار للمفردة كما ينسج ملامحها الصوت الحر الأبي لا تشوكه سموم سجن أو منفى أو مكيدة حاقدة.

وفي حضور هذا النوع من الطيور تحديدا، هنا ، كناية عن المقدس في احتفائه بالموت وطقوسه كما في قصة قابيل وهابيل لما يتحول الغراب إلى معلم ينهل منه الإنسان ويتلقّن عنه العبر و الدروس في مواراة الجريمة وإكرام الضحية بدفنها.

2.

 

حينَ انتحرتْ سيلفيا بلاث

أورثتني مرآتَها الصغيرةَ الحمراء.

ولأنّي لا أحبُّ مرايا النساء

فقد رميتُها في النهرِ المُجاور.

لكنَّ المرآة لم تغرقْ سريعاً

كما توقّعتُ

بل صارتْ تنتقلُ مِن نهرٍ إلى نهر

حتّى وصلتْ إلى البحر

فتحوّلتْ إلى مركبٍ عظيمٍ مِن المرايا.

ما يمكنّ للذات الشاعرة ويمنحها امتياز الفوقية والنجاة من الغرق ، هو حيازتها لمنظومة توريثات تكتسي أهميتها من تنوع المصادر حسب تفاوت منطقي في عمق بصمات هذه الرموز بحد ذاتها.

بل إنها ذات ترتقي سلّما استثنائيا يقترح طرائق هزيمة تحدّ حياتي ماثل في الغرق بشتى تجلياته بما فيها جبروت الماء.

3.

 

حينَ ماتَ شارلي شابلن

أورثني ضحكتَه الساخرة

وقبّعتَه وعصاه.

لم أستفدْ مِن ضحكته الساخرة

لأنّي لا أجيدُ فنَّ التمثيلِ على الإطلاق.

ولم أستفدْ مِن قبّعتِه

فحينَ وضعتُها على رأسي بكيتُ.

ولم أستفدْ مِن عصاه

فحينَ توكّأتُ عليها

تدحرجتُ على الأرضِ طويلاً

طويلاً.

ضمنيا يفيد هذا المقطع ما يوحي باستنطاق ومحاكمة رمزية للحظتنا. ما دوافع زهدنا في أسباب قد تتيح البهجة والاحتفالية والعرس المطلوب؟ عوضا عن جنوحنا المحموم إلى ما يلوّن هذه اللحظة بموجبات المأساة المعذبة للروح والملونة للمشهد برائحة ونكهة الدم.

دائما هناك خيارات معينة متاحة وإن على سبيل التمثيل والحياة المُمسرحة.

4.

حينَ ماتَ دانتي

أورثني كتابَه: الجحيم.

ولأنّي أعيشُ في الجحيم حقّاً وصدقاً

فلم أجد الكتابَ مُمتعاً

رغمَ لغته الهائلة

وصوره السحريّة.

ولذا تبرّعتُ بهِ إلى جمعيةِ الشعراءِ المَلاحدة

فقبلوه مِنّي على مَضَض.

نجد هذا الموت المادي وقد حفّز الذاكرة على ولوج زمن استعادة تفاصيل تجربة دانتي عبر إرث أدبي أبدي له قواسمه المشتركة مع آني صاحب النص .

ذلكم الانطباع الجحيمي المقلق والباعث على مزيد من الشك الفلسفي وتوجيه أصابع الاتهام إلى المتورطين بتشويه ملامح اللحظة وانتهاج السلوك المتنكر للكرامة الإنسانية لبث سموم النفس المقيدة بتوجيهات أنانيتها وشيطنتها حدّ تخليق اضطرابات وجدانية ووجودية.

5.

حينَ ماتَ ديكُ الجنّ

أورثني ديوانَ مراثيه الخطيرة

لحبيبته التي قتلَها في لحظةِ شكٍّ وجنون.

ولأنّي أكرهُ المراثي كلّها

فقد أهديتُه

إلى أمينِ مكتبةِ المدينة،

فتصوّرهُ كتاباً عن الجنّ،

فرماهُ بوجهي وهو يصرخ:

خذْ كتابَكَ واخرجْ أيّها المجنون!

شخوص النص في كلّيتها أعمق بكثير من نعتها رموزا استطاعت أو أخفقت كلّيا في بناء واقعها وقفا على مخيال متجدّد يعارض المألوف ويتجاوزه داخل إطار زمني أشبه من حيث الطقوس العامة ، بالمهيمن على روح ألفية العولمة والجنون وزعزعة المفاهيم والنواميس الكونية،على حساب الروح .

إنها شخوص مستحوذة على الحس والذاكرة ،لصتها القوية والمباشرة مع كل ما في مقدوره تغذية جوانب الانتصار للجذر الإنساني. وكنتيجة طبيعية لهذا، تكوّن الأرضية المتيحة لخلود الاسم و المنجز.

هكذا تتلاحق وتنساب التّرقيمات، محترمة لحمة النسق من خمسة إلى خمسة عشر وعلى إيقاع الشعرية ذاتها، في انسيابية تتحاشى التعقيد وتروم التكثيف والإيجاز في بث المعلومة الهامسة بزخّات الجمالي وهو يداعب الذائقة ويدهش حدّ إقحام المتلقي في غيبوبة تصنعها ذروة السؤال القائم على جدلية الموت وبصمة المبدع عموما.

16.

 

حينَ ماتَ أبي

لم يورثني شيئاً سوى دمعته.

فاحترتُ بها

لكنني ذات فجرٍ

وضعتُ الدمعةَ في كفّي

ومددتُ كفّي إلى الله،

إلى ما شاءَ الله.

فعادتْ إليَّ بعشراتِ الحروف

ومئاتِ القصائد.

بدورها تتمحور هذه الوحدة حول ثيمة الموت في انتحائها بعدا يعزز التغلغل في الذات ويلامس جوهر المعاناة المتجسدة في فقدان الأب الذي لم يترك سوى دمعة ستتحول فيما بعد إلى حروف وقصائد دالة على النبوغ والاستثمار الجيد للحظة الفاجعة وتولّد النواة الأولى لتجربة امتصاص الصدمة النفسية وبلورتها إلى ثمرات إيجابية أخيرا.

17.

حينَ ماتَ الألفُ أورثني همزتَه.

فاحترتُ بأمرِها.

وحين وجدتُ جَسَدي

جُثّةً مُلقاةً في الشارع،

تعمَّمَتُ بالهمزة بعد جهدٍ جهيد.

فأفقتُ مِن مَوتي،

وبدأتُ أكتبُ نَفْسي بنَفْسي

وأغنّي نَفْسي لنَفْسي.

18.

حينَ ماتت الحاء

أورثتني مَوتاً مُضافاً إلى مَوتي.

ولأنني قد اعتدتُ على مشهدِ الموت

منذ الطفولة،

لذا لم أحترْ كثيراً

وقرّرتُ أنْ أجمّده في ثلّاجةِ الذاكرة

بدلاً مِن ثلّاجةِ الموتى.

19.

وأخيراً حينَ ماتت النقطة

أورثتني سرَّها الخطير،

فاحترتُ ماذا أفعلُ به.

ثُمَّ قرّرتُ أنْ أتبرعَ به إلى روحي.

لكنني لم أجدْ روحي

لأنّها، كما أخبرتني الملائكة،

ماتتْ منذ زمنٍ طويل

وتحوّلتْ إلى حرفٍ مِن تُراب.

تسترسل في انتشارها وتفشّيها حمى تلبّس الذات ومساءلة قرينها رويدا رويدا . تتحقّق فضيحة المكنون . إنها الوشاية بعمق العلاقة وحميميتها المشتعلة بين كهذه ذوات وأحرف كما نقاط تنال شرف أنسنتها .

الحرف الذي لا يقلّ موته ــ حسب شاعرنا ــ مرارة عن بقية المكونات الأخرى. يشكّل ذلك مكسبا إضافيا بالتزامن مع الولادة الثانية المحيلة على صوفية المعرفة الذات والوجود بشتى عناصره.

 ********************************

*هذه المادة المنقودة تناولت قصيدة (توريث) وهي مأخوذة من المجموعة الشعرية "رقصة الحرف الأخيرة" للشاعر المتألق أديب كمال الدين الصادرة ببيروت عن منشورات ضفاف 2015

 ***********************************

أحمد الشيخاوي/ شاعر وناقد مغربي

 

















نصّ القصيدة

 

توريث

شعر: أديب كمال الدين

 

1.

حينَ ماتَ تَد هيوز

أورثني غرابَه مَحبوساً في قفص.

ولأنَّ غرابه لا يجيدُ سوى الهرطقة والتجديف

لذا أطلقتُ سراحَه فوراً.

لكنَّ الغراب لم يُحلّقْ بعيداً

كما توقّعتُ

بل حطَّ على عمودِ الكهرباءِ المُجاورِ لشرفتي

لينظرَ إليَّ بعينين حاقدتين

وقلبٍ أسْوَد.

2.

حينَ انتحرتْ سيلفيا بلاث

أورثتني مرآتَها الصغيرةَ الحمراء.

ولأنّي لا أحبُّ مرايا النساء

فقد رميتُها في النهرِ المُجاور.

لكنَّ المرآة لم تغرقْ سريعاً

كما توقّعتُ

بل صارتْ تنتقلُ مِن نهرٍ إلى نهر

حتّى وصلتْ إلى البحر

فتحوّلتْ إلى مركبٍ عظيمٍ مِن المرايا.

3.

حينَ ماتَ شارلي شابلن

أورثني ضحكتَه الساخرة

وقبّعتَه وعصاه.

لم أستفدْ مِن ضحكته الساخرة

لأنّي لا أجيدُ فنَّ التمثيلِ على الإطلاق.

ولم أستفدْ مِن قبّعتِه

فحينَ وضعتُها على رأسي بكيتُ.

ولم أستفدْ مِن عصاه

فحينَ توكّأتُ عليها

تدحرجتُ على الأرضِ طويلاً

طويلاً.

4.

حينَ ماتَ دانتي

أورثني كتابَه: الجحيم.

ولأنّي أعيشُ في الجحيم حقّاً وصدقاً

فلم أجد الكتابَ مُمتعاً

رغمَ لغته الهائلة

وصوره السحريّة.

ولذا تبرّعتُ بهِ إلى جمعيةِ الشعراءِ المَلاحدة

فقبلوه مِنّي على مَضَض.

5.

حينَ ماتَ ديكُ الجنّ

أورثني ديوانَ مراثيه الخطيرة

لحبيبته التي قتلَها في لحظةِ شكٍّ وجنون.

ولأنّي أكرهُ المراثي كلّها

فقد أهديتُه

إلى أمينِ مكتبةِ المدينة،

فتصوّرهُ كتاباً عن الجنّ،

فرماهُ بوجهي وهو يصرخ:

خذْ كتابَكَ واخرجْ أيّها المجنون!

6.

حينَ ماتَ طاغور

أورثني لحيتَه البيضاءَ الطويلة.

ولأنّي لا أستطيع

أنْ أرتدي لحيتَه العظيمةَ أبداً

ولا أستطيع بيعَها إلى أحدٍ أبداً،

لذا أعطيتُها

إلى صاحبِ محلٍّ لبيعِ الإكسسوارات

فأخذها منّي بوقارٍ شديد

ورماها، أمامي، في سَلّةِ المُهملات!

7.

حينَ قُتِلَ لوركا

أورثني الرصاصاتِ التي قتلته.

فاحترتُ ماذا أفعلُ بها.

ثُمَّ خطرَ ببالي

أنْ أهديها إلى مديرِ متحفِ الشعراءِ في العالم،

فَذُهِلَ بالرصاصات

وذُهِلَ أكثر حينَ رأى دمَ لوركا عليها.

لكنّه بقي صامتاً كصمتِ القبور.

هكذا غادرتُ مكتبَه الزجاجيّ الأنيق

وتركتُه مَذهولاً بعينيه الحجريتين

وقلبه الأخرس.

8.

حينَ ماتَ السندباد

أورثني كتابَ حكاياته الساحرة

عن الذهبِ والفضّةِ والنساء.

فقرّرتُ أنْ أركبَ البحر

إلى حيث أبحر السندباد.

لكنني لم أجد الذهبَ والفضّةَ والنساء

بل وجدتُ كتاباً عَتيقاً

كتبهُ مؤرّخُ أهلِ البلادِ يقول:

هنا وصلَ السندباد.

ولكثرةِ أكاذيبه وخزعبلاته ونزواته

أقمنا له حفلةً وشويناه.

9.

حينَ ماتَ بيكيت

أورثني مسرحيتَه العُظمى

ومُهرّجيه المَساكين وهذيانهم المُركّز.

فاحترتُ ماذا أفعلُ بكلِّ ذلك.

لكنني ذات حياةٍ

كتبتُ مسرحيةً حُروفيّةً كبرى

عن الانتظارِ العبثيّ،

مسرحية لم يشاهدها أحد

لأنّه لم يمثّلها أحد.

10.

حينَ انتحرَ همنغواي

أورثني البندقيةَ التي انتحرَ بها.

فاحترتُ ماذا أفعلُ بها.

ثُمَّ خطرَ ببالي أنْ أجرّبَ إطلاقَ النار

على رأسي

كما فعلَ همنغواي قَبْلي.

لكنني حزنتُ

بل بكيتُ بُكاءً مُرّاً

حين وجدتُ البندقيةَ خاليةً مِن الطلقات.

11.

حينَ ماتَ جان دمّو غريباً

في بلادِ الكنغر

أورثني قنّينةَ الخمرِ الفارغة.

فتبرّعتُ بها على الفور

إلى جمعيةِ الكحوليين في العالم

ففرحوا بها ورقصوا بصخبٍ هائل

وهم يتبادلون الشتائم والسباب.

12.

حينَ قُتِلَ محمود البريكان

أورثني قصيدتَه: "حارس الفنار".

فاحترتُ ماذا أفعلُ بها.

لكنّه زارني، وهو الميّت،

في لحظتي الشعريّة

وأمسكَ بيدي

لأكتبَ عنه قصيدتي:

"حارس الفنار قتيلاً".

13.

حينَ ماتَ التوحيديّ

أورثني بقايا كتبه المُحترقة.

فلم أدرِ ما أفعلُ بها.

جلستُ قبالتها

وكتبتُ بعينين دامعتين

قصيدةً عن الدخانِ المُتصاعدِ منها.

وكلّما مرَّ قومٌ سخروا منّي

وقالوا: مجنونٌ أحرقَ كتبَه

وآخر يبكي عليها.

14.

حينَ صُلِبَ الحَلّاجُ وأُحرِقَ

أورثني رمادَ جُثّته.

فاحترتُ بأمرِ هذا الرماد.

لكنني ذات غروبٍ

وضعتُه في أكياسٍ صغيرة

وذرّيتُه في دجلة.

ذرّيتُ كلّ سنةٍ كيساً

ولم أزلْ على هذا الحال:

لا أنا أموت

ولا الأكياس تنتهي.

15.

حينَ ماتَ كلكامش

أورثني خيبتَه

وبحثَه العبثيّ عن سرِّ الخلود.

لم أستطعْ أنْ أفعلَ شيئاً لخيبته

لأنّها كانتْ أسطوريّة القلبِ والشفتين،

ولم أفكّر يوماً بسرِّ الخلود.

ففي زمنِ العَولَمَة،

الخلودُ ، فقط ، للدجّالين

والمُهرّجين والسفَلَة.

16.

حينَ ماتَ أبي

لم يورثني شيئاً سوى دمعته.

فاحترتُ بها

لكنني ذات فجرٍ

وضعتُ الدمعةَ في كفّي

ومددتُ كفّي إلى الله،

إلى ما شاءَ الله.

فعادتْ إليَّ بعشراتِ الحروف

ومئاتِ القصائد.

17.

حينَ ماتَ الألفُ أورثني همزتَه.

فاحترتُ بأمرِها.

وحين وجدتُ جَسَدي

جُثّةً مُلقاةً في الشارع،

تعمَّمَتُ بالهمزة بعد جهدٍ جهيد.

فأفقتُ مِن مَوتي،

وبدأتُ أكتبُ نَفْسي بنَفْسي

وأغنّي نَفْسي لنَفْسي.

18.

حينَ ماتت الحاء

أورثتني مَوتاً مُضافاً إلى مَوتي.

ولأنني قد اعتدتُ على مشهدِ الموت

منذ الطفولة،

لذا لم أحترْ كثيراً

وقرّرتُ أنْ أجمّده في ثلّاجةِ الذاكرة

بدلاً مِن ثلّاجةِ الموتى.

19.

وأخيراً حينَ ماتت النقطة

أورثتني سرَّها الخطير،

فاحترتُ ماذا أفعلُ به.

ثُمَّ قرّرتُ أنْ أتبرعَ به إلى روحي.

لكنني لم أجدْ روحي

لأنّها، كما أخبرتني الملائكة،

ماتتْ منذ زمنٍ طويل

وتحوّلتْ إلى حرفٍ مِن تُراب.

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home