قراءة في (رقصة الحرف الأخيرة) للشاعر أديب كمال الدين

قصائد ومضة تبشّر بحياة أفضل

 

فيصل عبدالحسن

 

 

 

 


الديوان الأخير للشاعر أديب كمال الدين (رقصة الحرف الأخيرة) نقلنا لتجربة الشاعر في كتابة قصيدة التفعيلة، وإلى جذوره الأولى وحبه للوزن الشعري، وللشاعر تجربة عميقة مع قصيدة التفعيلة، وكان مجيداً فيها، وأتذكّر أنه في السبعينيات نشر ديوانه الأول بعنوان (ديوان عربي)  بَشّرَ محبّي الشعر آنذاك بولادة شاعر.

 
 
اختار كمال الدين كتابة قصيدة النثر بعد أن اختار أبناء جيله كتابة قصيدة النثر تأثراً بالقصائد المترجمة عن لغات أخرى أو عجزاً عن النظم بالوزن الشعري، الذي تتطلبه القصيدة الموزونة، وما يحتاجه النظم بها من معرفة بأوزان الشعر العربي، وما تحتاجه من ثقافة شعرية عميقة يكون خلالها الشاعر قد هضم التراث الشعري العربي، وقرأ تجربة من سبقه من الشعراء أو لكلا السببين.


وللحديث عن قصيدة النثر، وكتابها، لنا أن نستشهد بعرب الجاهلية، الذين نعتوا آيات القرآن الكريم بالشعر حين سمعوه أول مرة والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يتلو آياته عليهم، فوجدوا فيها من الإيحائية والصور المعبرة، والخيال الوثاب، والألفاظ المُعجزة، ما ليس له مثيل له أو قريب في نثرهم


 
وهكذا زعموا، ووقتها لم تكن أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي قد عُرفت بعد، لأنه لم يلد بعد، ولم يضع موازينه إلا بعد أكثر من مئة وأربعين عاماً على نزول القرآن الكريم، لتحدد تلك الأوزان إن كان ذاك المقول المعجز شعراً أو نثراً.


 
فما الشعر وما النثر؟ وهل يتساوى الشعر والنثر؟ وهل إذا قبلنا أن نساوى النثر بالشعر صار حكمنا باطلا؟  كل هذه الأسئلة، وغيرها تراودنا حالما نقرأ ما يكتبه شعراء قصيدة النثر اليوم، وخصوصاً من الشعراء المجيدين كأديب كمال الدين.

 يبدأ ديوانه بعتبة قرآنية يقول فيها الله تعالى: (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى *  وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا)  النجم 43 و44. والعتبة وضعتنا على الإشكالية النصيّة لهذا الديوان.


 
السعادة والتعاسة في دنيانا والموت والحياة، يقول في أحد المقاطع:

 

ما دمتَ قد متَّ منذ زمنٍ طويل

واسترحتَ في موتِكَ الأسطوريّ،

فلماذا تحاولُ أنْ تخرجَ أصابعكَ

مِن القبر

كلّما مَطَرَت السماء؟

ص19

 

 وجاءت معظم قصائد الديوان تحكي عن السعادة النادرة في الحياة، وحكايات الموتى الأحياء، أجسادهم في القصائد تمشي وتطعم، وتمارس حيواتها وأرواحهم ميتة.

  يقول في إحدى قصائده:

 

حينَ صُلِبَ الحَلّاجُ وأُحرِقَ

أورثني رمادَ جُثّته.

فاحترتُ بأمرِ هذا الرماد.

لكنني ذات غروبٍ

وضعتُه في أكياسٍ صغيرة

وذرّيتُه في دجلة.

ذرّيتُ كلّ سنةٍ كيساً

ولم أزلْ على هذا الحال:

لا أنا أموت

ولا الأكياس تنتهي.

ص 29

 

 

قصائد ومضة



 
استعاض الشاعر عن الوزن بالإيقاع الشعري، وموسيقية الكلمة والعبارة، وإيقاع كل نص خاص به، وله ارتباط وثيق بالواقع النفسي للشاعر، حاول ذلك من خلال:  التكرار في الصوت/ الكلمات/ الجمل/ تكرارالمقطع/ والتوازي الصوتي» واستخدم في صوره الشعرية:  التشبيه، الطباق، الاستعارة، المجاز، الكناية، الانزياح، الأسطورة، والتكرار في العبارة، لشد الانتباه إلى غائية القصيدة.


 
ومن التقنيات المحببة لكمال الدين استخدامه «الصور الشعرية المميزة، التي تبقى في الذاكرة واعطاها وظائف تعبيرية وجمالية وإيحائية، يقول في المجتزأ التالي:

 

حينَ رآني البحرُ مُنهاراً

قرّرَ أنْ يحكي لي عدداً من النكات.

كانت النكاتُ مُضحكةً حقّاً:

كنتُ كلّما أزدادُ ضحكاً

أزدادُ غرقاً.

ص56.


المعجم اللغوي للكثير من القصائد استخدامه أسماء، أفعال، ضمائر، وكلمات:  الحرف، المرآة، الموت، الحياة، البحر، الصلاة، الحرب، الدموع، أنا، هو، هي، ضمير « نا» وكلها فرضت حضورها، وأشارت إلى لوعة الشاعر وبحثه عن أجوبة لأسئلة كونية طرحها في مضامينه عن:  الموت والحياة، العدل والظلم، الربح والخسارة في معركة الحياة، وهي أيضاً تشير إلى إيمان مطلق بأن الحياة ليست نهاية المطاف، وأن الله تعالى العادل، مالك الملك، وكل شيء بيده، قد ادخر للمظلومين في هذه الدنيا مكاناً أفضل وأكثر سعادة.


 
ضمّ الديوان الجديد للشاعر عشرين قصيدة قطعها إلى مقاطع قصيرة، واعتمد فيها على النص البرقي، الذي يقول كل شيء بمجموعة صغيرة من الجمل والعبارات المؤدية، وهي قصائد ومضة تبَشر بحياة أفضل مقبلة.

************************

رقصة الحرف الأخيرة : شعر: أديب كمال الدين، منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015

 

 

الصفحة الرئيسية

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

Home