بسم الله الرحمن الرحيم

جيم

 

شعر: أديب كمال الدين

 

 

 

 دار الشؤون الثقافية العامة ، ط 1، بغداد - 1989 

 

 

الأعمال الشعرية الكاملة : المجلّد الأول

منشورات ضفاف، بيروت، لبنان 2015

الترقيم حسب الطبعة الثانية

 

 

غلاف ط 1 تصمصم فلاح الخطاط 

 

جيم                                 195                                   

 

    - إشارات التوحيديّ                           197                      

    - الشهيد                                      207                    

    - العقاب والبلبل والعصفور والهدهد            208         

    - مأدبة السيّدة                                219                                   

    - أبجديّة البحر                               221          

    - المعرّي في التيه                            228   

    - أرق                                       234    

    - الرجل                                     236      

    - الأربعاء: الخميس                       238      

    - برقيتان                                 242                    

   - أساطير                                  243                                        

   - جيم                                     249                     

   - الثعالب                                  252   

   - طيور                                    254                     

   - كهيعص                                 256 

   - طلسم                                   259      

 

 

 

 

 

 

 

إشارات التوحيديّ*

 

 

إشارة الفجر

*******

لو أنزلنا هذا الفجرَ المحمومَ على جبلٍ للغيرةِ والشمسِ

لرأيتَ الماءَ سعيداً والطيرَ يغنّي شيئاً

عن ذاكرةِ العشب.

لو أنزلنا هذا الفجرَ الأسْوَد

وعلى وطنٍ للحُبّ

لرأيتَ الزهرَ الدافئ ينمو، يلتفُّ على الجسدين وحيداً

ويمشّط ُ شَعْرَ القلبْ

بأصابع من ندمٍ أخضر

ويمشّطُ شَعْرَ القُبُلات

بأصابع من بلّورٍ أزرق.

لو أنزلنا هذا الفجرَ المسجونَ على أرضٍ

لا تنمو فيها الخيبةُ والصحراءْ

لرأيتَ الحرفَ عجيباً يحكي برنينِ الماء

عن خفْقِ الحُبِّ وفاكهةِ الله.

 

إشارة الشكوى

********

ليسَ كَمِثلي إنْ أرادَ البكاءْ

أنهارُ بحرٍ أُطفِئتْ في رمادْ

أو شجرٌ ممتلئٌ بالثمرِ الناضجِ قد

ضُيّع وَسْطَ الوهادْ

أو وردةٌ موعودةٌ بالحُبّ قد أُحْرِقَتْ

أو قُبْلةٌ قد حُوصرتْ

مثل بريءٍ يُقادْ

بين صهيلِ الحرابْ.

ليسَ كَمِثلي إنْ أرادَ الرّحيلْ

كثبانُ رملٍ تختفي في رياحْ.

 

إشارة المدن

*******

مُدُنٌ: مأوى لرغيفٍ مُحْتضرٍ

ورغيفٍ مغموسٍ بالشهدْ،

مأوى للكوخِ المهدومِ، القصرِ الملآنْ

بالمرمرِ والغلمانْ،

مأوى لشوارع قد سُقِيتْ بالرغبةْ،

لسيوفٍ تخفي جسدَ امرأةٍ من دُرٍّ مُلتهبٍ..

تترجلُّ من هودجها الأسْوَد. 

مُدُنٌ: مأوى للسّراقِ، الشرطةْ

للشحّاذين، الخيلِ، البقّالينْ

مأوى لنساءٍ شَبِقاتٍ،

أطفالٍ ضاعوا، أرصفةٍ لا تحوي إلّا غُرباء.

 

إشارة التهويمات

**********

هَوّمتُ، إذنْ، في صحراءِ الله.

هَوّمتُ، معي خطوات دمي

وزُجاجات الفجرِ الثكْلى.

هَوّمتُ، أنا روحُ العشبِ

عنقُ العُصفورِ وذاكرةُ التُفّاحْ،

وجعُ الطين ِالأسْوَد

لأمنّي الروحَ بأرضٍ تُؤوي جذري المنفيّ..

لَعلّي أَلقى مَنْ سَمّاها

مَنْ قالَ لذاكرة ِالتُفّاحْ:

كوني... كانتْ شجراً مُحترقاً يلتفُّ على الماءْ. 

لا ماءْ!

 

إشارة السؤال

********

قَلبٌ يُدْهُشهُ الماءُ ويغريه العُشب

قلبٌ مِن ورقِ الرغبةْ

يتساءلُ عن جسدِ العمرِ المجنونْ

لِمَ يأتي أو يرحل؟

ولماذا تبدو الدنيا عند الحُرّاس

حُلماً يهمي كالماءِ الهادئ في ساقيةٍ مُعشبةٍ

ملأى باللؤلؤ والمرجانْ؟

... تبدو عند الناس

كدراهم تُلْقى في النهرِ الجارف،

ذكرى لكؤوسٍ قد مُلِئتْ بالريحْ؟

 

 إشارة الهزيمة

**********

 (الصوت):

 

أأبا حيّانْ

من بعدِ ليالٍ معدودةْ

ستفارقُ هذي المعمورةْ

فَتنـّبـهْ!

فالعمرُ بهِ شيء ظلّ.

أعطهْ

ما يسكنُ فيهْ:

جسداً يطربه أو ثوباً يلتفُّ عليهْ.

صفحاتٍ تكتبُها وتنادي فيها العُقبانْ

بعصافير الغدرانْ.

أأبا حيّانْ

كنْ

رجُلَ الذهبِ المتناثرِ والغلمان المسرورينْ!

 

 

(التوحيديّ):

 

آهٍ  يكفي

فأنا رجلٌ أدّبتُ لساني..

حتّى استخفى في الصمتِ

بقناعِ نبيّ.

 

إشارة الموت

********

المـوتْ!

ضيفٌ مهذارْ

ضيفٌ لم يدعَ إلى شيءٍ، لكنّي الليلةَ أدعوه

لبقايا جسدٍ معطوبٍ، أدعوهْ

لزمانٍ ما عَرفتْ أشجارُ الروح ِ به إلّا

أوراق دمٍ وزعانف مِن ألمٍ أزرق،

لزمانٍ ما عرفتْ عيناي بهِ ثوبَ الملكوتْ.

فأغمغمُ محموماً من كأسٍ..

تتحدّثُ عن أزهارٍ تطلعُ صابرةً من بين القضبانْ

ويعربدُ في قلبي الجوع.

  

 إشارة الحريق

**********

احترقي تهويمة الروح وفجر الكلماتْ. 

احترقي. ماذا جنيتُ من هوانا الضائعِ المضطربِ

إلّا دموعاً تغتدي كوردةٍ من لهبِ

أو حسرةً ما تنتهي؟

غادرة أنتِ إذنْ

بل هزأة: "مستفعلن" سيّدتي!

 

هيّا ارقصي يا نارُ يا بحرَ الشواظْ ،

أصابعي ومعصمي

في قلبكِ المقدّدِ.

هيّا ارقصي وهيّئي

مائدةً من جسدي المحترقِ.

 

إشارة الرؤيا

*******

1.

الرحمن

خَلَقَ الإنسانْ

علّمه ما لم يعلمْ..

علّمه ما كانَ يكون

ما لم يكُ في الحُسبانْ.

 

المأساةُ اتسعتْ، مَن لي يا ذاكرة خَرِبةْ

أنْ أقرأ أوجاعي

والشاطئ مهجوراً يهذي بأناشيد الهمِّ.

المأساةُ اتسعتْ، فبأيّ أقترحُ الليلةْ

فرحي الربّانيّ، أقودُ الليلَ أسيراً

والبحرَ صديقاً والصخرَ ودوداً

والمرأةَ كأساً قد مُلِئتْ بالفجرِ، غناءِ العشبْ،

ألقِ الأقمارْ.

 

 

الرحمن

خَلَقَ الأكوانَ وسلّمني مفتاحَ الأرضِ وبايعني.

لكنْ عذّبني الجندْ

إذ آلمني أرقُ الليلِ المطعون، فشرّدني السلطانْ.

فبأيّ أقترحُ الليلةَ معراجي..

وأقودُ مماليكي، شمسي وغيومي نحو الله؟

 

الرحمن

خَلَقَ الإنسانْ

آتاهُ الحكمةَ طيّعةً والبلبلَ والهدهدْ.

لكنّ الأرضَ انذهلتْ والمأساة اتسعتْ وتعرّتْ

والغربة قد كبرتْ.

فأشيري يا كلمات الرحمةِ..

إنّ الإنسانَ بحُسبانْ.

2.

كثرَ اللغطُ

وبدتْ صيحاتُ الآخر فاتنةً بعلاماتِ الإبهامْ!

فعجبتُ، دهشتُ، وقلتْ:

أوَ هذا جمركَ يا حرفي،

يا مَن تخفي ألقَ الأشياءِ وفاكهةَ الأيّامْ؟

وعجبتُ عجبتْ

حتّى أنكرني رأسي. لكنّي

في عمقِ الضجّةِ أبصرتُ طيورَ الله

تهبطُ في روحي وتذيعُ بقلبي الأثمارْ.

فنظرتُ إلى الضجّةْ

وصرختُ: سلاماً للهدأةِ إذ بزغتْ في روحي، مرحى.

وفرحتُ، بكيتْ

مثل العصفور العطشان

وَجَدَ الغدرانْ.

 

إشارة الختام

*********

قالَ: إليّ إليّ..

أشارَ إلى جبلِ الرؤيا فصعدتُ، إلى جذرِ الأفلاكِ قرأت

روحَ الطفلِ، عذابَ الأحفادْ

حتّى امتشقتْ كفّي السرَّ الأعظمْ،

كانت بيضاءْ.

وهبطتُ بجنحِ الطيرْ

ونسيمِ الفجرِ، رذاذِ الشطآن.

 

 

***************************************

 * (هو فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومُكْنة) هكذا يصف ياقوت الحموي في كتابه (إرشاد الأديب) علي بن محمد التوحيديّ البغداديّ المعروف بأبي حيّان التوحيديّ. وليست كلمات ياقوت هذه بجارية مجرى المبالغة أو آخذة بطريق المجاملة، البتة. فلقد كان التوحيديّ بحقٍّ واحداً من أولئك الكتّاب العظام الذين جالوا في النفس البشرية جولةً عميقةً وكشفوا عن طبقاتها الجوّانية بشجاعة نادرة وبطريقة العارف الخبير، المعذّب، الفصيح، المتفرّد. وكتابه (الإشارات الإلهية) أفضل دليل على ما نقول. لقد حمل التوحيديّ خلال رحلة حياته همّ الأديب المكافح الأصيل الذي يحافظ بقوّة، على كلمته ما استطاع من السقوط والابتذال. وقد دفع ثمن هذه الكلمة غالياً: عذاباً يوميّاً متصلاً وفقراً مدقعاً وشظفاً وتجاهلاً. حتّى  اضطر أواخر حياته إلى إحراق كتبه بعد أن رأى أن لا طائل من ورائها. وقد قال عـن هذا الحدث: (إني جمعتُ أكثرها للناس ولطلب المثالة بينهم، ولعقد الرياسة بينهم، ولمدّ الجاه عندهم، فحرمتُ ذلك كله. ولقد اضطررتُ في أوقاتٍ كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصّة والعامة وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق، وإلى ما لا يُحسن بالحرّ أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحُبّه الألم). أمّا أهمّ كتبه أو ما وصلت منها في الأدق، والتي أخرجها، أغلب الأمر، قبل أن يحرقها فهي: الإشارات الإلهية، البصائر والذخائر، الإمتاع والمؤانسة، الصداقة والصديق، مثالب الوزيرين، الهوامل والشوامل. توفي التوحيديّ عام 414 هجرية.

 

 

 

 

 

 

الشهيد

  

 

أورقتْ كلْمةُ اللهِ أسرارها

نبضةً نبضةً من دمي.

أورقتْ كلْمةُ الله

لحظةَ الموتِ كنتُ اكتشفتُ الألمْ

دولةً، والندمْ

طعنةً، والندى صرخةً والعدمْ.

لحظةَ الموتِ كنتُ اكتشفتُ النخيلْ

وتخيّلتُ أعذاقهُ لؤلؤاً في الظلام العتيّْ.

لحظةَ الموتِ أورقتُ حرفاً أليفاً 

من كتابِ الودادْ

وتنشّقتُ عطرَ الطفولة

وامتطيتُ حصانَ الزمانِ الفتيّْ.

لحظةَ الموتِ أعلنتُ حُبّي

ما تيسّرَ من فرحةِ الأنبياءْ

ثُمَّ هيّأتُ مائدةً من دمي:

كأسها، خبزها، ليلها البربريّْ.

  

  

  

 

 

 

العقاب والبلبل والعصفور والهدهد

 

 

 

1. العقاب

*******

 

* مُختَصر

 

يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تفهمينْ:

أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ بالغتْ في المحبّة

أُحرِقَتْ جيّداً

ثُمَّ ذُرّتْ رماداً صموتاً على وردةٍ عانسة،

وردة تاجها البحرُ أغصانها قُبْلةٌ

روحُها الليلُ: ليل النجوم التي تشتكي همّها للقبورِ الوحيدة.

أنتِ مرثيةٌ وأنا كلْمةٌ من يقينْ.

 

 

يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تعرفينْ:

أنتِ مرثيةٌ طائشةْ

كلّما سارعتْ شفتي بالكلامْ

أبدلتْ حزنَها، لونَ أقراطِها ومواعيدها،

أبدلتْ قلبَها والقناعْ،

غادرتْ أرضَ حُبّي البريئة

قُمقماً مُدهشاً في المياهِ التي تحتويهْ

وهي مجنونة بالعناقْ.

أنتِ مرثيةٌ طائشةْ

وأنا قاتلٌ غرّرته الليالي التي لا تمرّْ

دونما طعنة أو ضحيّة.

 

 

يبدأُ الشِعْرُ مِن حيث لا تشتهينْ:

أنتِ مرثيةٌ ماجنةْ

أو قصائد ملعونةٌ تحتوي صوتَها البربريّْ

كلّما مزّقتْ ميسماً فاتناً.

كيفَ لي أن أغنّيكِ يا سيّدة

باسمي الصامتِ

أو أغنّيك يا سيّدة

باسمكِ الصاخبِ؟

أنتِ مرثيةٌ ماجنةْ

وأنا المُبتلى بالعناقِ، الصبا.

 

 

 هكذا يبدأُ الشِعْرُ يا سيّدة:

أنتِ مرثيتي وأنا حارسُ المقبرة.

 

 

* ضيوف

 

لم أتقنْ كيفَ أقود عصافيركِ للماءْ

في وحشةِ ليلٍ ناءْ

وأقود طيوركِ صوبَ الأزهار العبقةْ

في وحشةِ ليلٍ مجدوع ِالأنف.

كانتْ لي ذاكرة خَرِبةْ

وسماء مُرتَجلةْ.

لكنْ إذ غادرتِ

كيفَ تركتِ

بابَ الكوخِ الحجريّْ

مفتوحاً للنمرِ الرعديدِ، القبّرةِ السكرى

والبومةِ والأسدِ المقطوعِ الرأسْ؟

 

 

* الوحوش

 

مالنا كلّما أطلقَ البحرُ شطآنهُ

عانقتْنا دفوفُ الوحوشْ؟

 

 

* ريشة العقاب

 

الكلْمةُ العنيدةْ

تصرخُ في أحلامِها

في برجها العتيدِ.

أجلدُها بالسوطِ كي تنامْ.

 

 

 

2. البلبل

******

 

* خلْق

 

سَيتمُّ الخلْقْ!

شَعْرٌ أسْوَد يخطو في الريحِ البيضاء

وعيون من أرقٍ ونعاسْ.

أنفٌ بلّوطْ

وفمٌ: أرقُ القدّاحْ.

سيتمُّ الخلْقْ.

أكملتُ الوجهْ

وإليَّ، إذنْ، برنين اللحمِ الحيّ.

سيتمّ الخلقُ: هنا أطرافُ الروحْ

وهنا تفّاح القلبين الغضُّ

وهنا تفّاح الخطوات.

لحظات...

ثُمَّ امتلأتْ أرجاءُ البيتْ

بضياء أبيض كالفضّةْ

وحنينٍ أبيض كالفضّةْ

وحياةٍ ملأى بالفضّةْ.

سيتمّ الخلقْ

وأتتْ فاتحةً معطفها الذهبيّْ

أسماءُ فصولِ الله.

 

 

تمَّ الخلقُ!

كانَ الطفلُ الساحر

مُنتشياً ببخورِ الحلمِ

وعظامِ الطيرِ الوحشيّ،

أسماءِ الجنِّ القائظةِ السوداءْ.

 

 

* أنتِ

 

أنتِ أفشيتِ فيَّ المحبّةْ

واقترحتِ الفراقْ.

   

* الفرات 

 

كلّما هَمَّ قلبي بتقبيلِها

اكتشفتُ الفراتْ!

  

 

* حياة

 

يا لها طفلتي

كلّ يومٍ لها نزوةٌ غامضةْ،

كلّ يومٍ لها ما تشاءْ!

 

 

* ريشة البلبل

 

أنتِ أورقتِ فيَّ الهوى والصبا والغصونْ.

أنتِ بادهتِني بالعلامة

ثُمَّ قبّلتِني، فجأةً، في العيونْ

لحظةً فاكتفيتِ

ثُمَّ أورقتِ فيَّ الخصامَ وتوجّتِني

ملكاً للجنونْ.

  

 

 

3. العصفور

********

 

* الغرفة واللوحة

 

الغرفةُ كانتْ مقفلةً

وأنا مثل الزيت الموضوع حديثاً قرب قماش اللوحة

قلقاً أهتزُّ بقلبي.

كانَ اللونُ الأبيض

لقماشِ اللوحةِ أهدأ من وجهٍ مُثْلجْ

والوردُ الطالعُ من قلبي

- يا مَنْ تحوي كلَّ الأسماءْ-

منتظراً مطراً يخرجهُ بخطى أطفالٍ من مرحٍ

من غيمِ قرونِ الوحشة.

 

الثلجُ على الأكتافْ.

اللونُ الأبيضُ يشرقُ هذي المَرّة مُنحنياً كالصبّير الرائع.

الغرفةُ قانعةٌ بالصمتْ

وأنا أخفي أنفاسي..

مسحوراً مِن خفْقِ الحلمِ الأسْوَدِ..

لا أقدر- يا مَنْ تحوي كلَّ الأسوارْ-

أنْ أمسك شيئاً.. ألبتّةْ.

 

ما يحدثُ لو قنعتْ هذي الغرفة

باللحظةِ صاخبة كالينبوعِ المتدفّقِ وسط الصحراء؟

فبأيّ رموزٍ للفرحِ المجنونِ ستحكيها عينايْ؟

وبأيّ قواميس للفتنةِ أخلقها

حتّى أصفَ النومَ الممتلئَ الأردافِ وأيّة أكوانٍ رائعةٍ

ستجيء إلى شفتّي تعانقني وتعانق مصيدةَ البهجة؟

 

يا مملكةَ الصمتِ لقد أثقلني الصمت.

أثقلني مَن يخفي دائرةَ الزغبِ الرمليّ السوداءْ،

أثقلني الثلجُ المتساقطُ فوق الأكتافْ،

أثقلني قلبٌ كالزيت

يعدو بخطى غزلانٍ من مرحٍ.

لكنَّ الغرفةَ مقفلةٌ

الغرفة راضية بالصمتِ، الثلجْ.

واللوحةُ - يا مَن تحوي كلّ الأسماء-

ببياضِ الثلجِ الأسْوَد تكبرُ تكبرُ تكبرْ.

 

 

* الجسد

 

يفيضُ هذا الجسدُ المجنونْ

بالحُبّ والمجونْ!

 

  

* هي تقول، أنا أقول

 

كلْمةً إذ تقولْ

تجعلُ النبعَ نهراً

والصحارى لقاءْ.

كلْمةً إذ أقولْ

يقتفي الجرحُ أسماءَهُ

وتضيعُ السماءْ!

 

 

 

* الغرفة المظلمة

 

طفلتي هربتْ بعد أنْ أتعبتها الليالي..

المواعيدُ والغرفةُ المُظلمةْ.

 

 

* ريشة العصفور

 

مرّاتٍ أُخرى نتلاقى يا حُبّي ونغنّي

أو نبحثُ عن معنى

في كلماتٍ لم تُدهَسْ أو تُرفَشْ

في وحشةِ هذي الأيّام.

  

 

4. الهدهد

*******

 

* العش والدخان

 

أنتِ في عشّكِ الدافئ

وأنا في عذابي المُقيمْ.

أنتِ في عشّكِ الغامضِ

بين أطفالكِ البيض والسمرِ،

بين أزهاركِ العاريات وأحلامكِ اللاهثة

وأنا بين أوراقي الغامضة،

بين أقنعتي وفراتي المُريبْ.

 

 

* ريشة الهدهد

 

كيفَ ألّهَتني

يا نبيَّ الندمْ؟

 

 

  

 

 

 

مأدبة السيّدة

 

   

نَهَضتْ فانشقَّ الفجرُ وبانَ عمودُ الروحِ مُضيئاً..

نَهَضتْ فاهتزَّ دمي..

واهتزَّ السورُ. يتامى انهارَ الحُرّاسْ.

ألقى الساحرُ مديتهُ في التنّورْ.

ضحكَ النمرُ

وبكى القنفذْ

وابتسمتْ سبعُ خطايا في الروح.

فبكيتُ، بكتْ ألوانُ الطيفْ

وبكى الثوبُ.

نَهَضتْ

كي تطبقَ سبعَ سمواتٍ باذخة فوقَ الأرضْ

وتعيد الفجرَ بَهيّاً والصبحَ نبيّاً

والليلَ طفوليّاً يتراقص حولَ النارْ.

نَهَضتْ كي تمنحَ للساعة

ما تمنحه الساعة للماءْ،

للطاعةِ صهوتها المرّةْ،

للدغةِ لذّتها،

لتعيدَ الوادي الأسْوَد للصيفِ المقرورْ.

نَهَضتْ، فمددتُ يدي

لبراعمها الغضّة،

للكمّثرى البضّة

وتفرّقَ كفّي حين استلقى التفّاح.

نَهَضتْ. والنورُ يشعُّ، يشعْ

قلبي أعمى.

عيني تتغلغلُ في الوادي كالسكّين

ودمي أقعى،

وَدَمي يهتزُّ، يهرُّ كذئبٍ مجروحٍ.

فنظرتُ إلى وادي الحُبِّ الأسْوَد

مُشتعلاً من قدمي حتّى رأسي.

قام َالمطرُ الوحشيُّ وأبرقت الأرضُ، اهتزّتْ

كثيابٍ في الريح.

فارَ التنّورْ.

لكنّي لم أصلِ الوادي

لم أكشفْ عن بئرِ اللعنة،

عن أعناقِ الروح.

قامَ المطرُ الوحشيُّ وزلزلني

صاعقةً من موتٍ وجنونْ.

 

 

 

  

 

 

أبجديّة البحر

          

 

  إلى: جواد الحطاب

      

  

* تغريدة

 

البحرُ غرّدَ في دَمي والبحرُ يقتاتُ الحنينْ.

مالي أراكَ مُعَذَّباً والموجُ سيّدُنا الدفينْ؟      

  

 

* المُغنّي

 

البحرُ أشرقَ ثُمَّ أرعدَ في دَمي

وأنا المُغنّي قد أفوقُ الدهرَ في حلمي العتيّْ

حيناً، وحيناً اشتكي نفْسي لنفْسي

شجراً يهزُّ العاصفةْ

مِن جِذعِها حتّى أظنّ بأنَّ ليليَ ينحني!

 

* جريمة

 

مِن أيّ إناءٍ أسطوريّ وُلِدَتْ ذاكرةُ الموجة؟

مِن أيّ بلادٍ قد قَدمتْ؟ في أيّ زمانْ؟

ولماذا تختارُ الليلَ مكاناً

كي تطلقَ فيهِ النارَ على الأغصانِ وتتركني

أتلوّى بدمي وأدمدم مصروعاً في لوحِ السَّـفرِ؟

  

* الساعة

 

الماءُ يعلو ثُمَّ يعلو

والموجُ مُختالٌ فخورْ

والبحرُ أخرجَ رأسَه حتّى يرى ما قد جرى.

لا تبتئسْ يا قلب هذي ساعة بَطُلتْ، أسنّتُها البعادْ.

لا تبتئسْ يا قلب واشعلْ في غياهبها البخورْ.

 

  

* أكاذيب

   

1.

البحرُ يكتبُ قصةَ الأفعى ويغتالُ الغزالْ.

البحرُ جرحٌ غامضٌ ودمٌ ينزُّ.

البحرُ جرحٌ هائلٌ، قبرٌ عظيمْ.

2.

البحرُ لم يرسلْ لنا نجماً صغيراً كانَ أوعدنا بهِ.

البحرُ أوعدنا كثيراً لم يفِ.

البحرُ لم يرسلْ لنا طوقَ النجاةْ.

البحرُ ضيّعنا وضاعْ.

 

 

* السفن البعيدة

 

لكنّما السفن البعيدة

عادتْ محمّلةً بويلاتِ الصدى.

والموجُ يذهبُ حيثُ يأتي،

يأتي ليذهب والطيورْ

أَلَقٌ خرافيٌّ يدورْ.

 

  

* حقيقة

 

البحرُ فرَّخَ في دمي سِرْباً من الموتى!

 

 

* امرأة

 

البحرُ قد يبكي وقد تبكي النجوم

لكنّما لا شيء يبقى للتذكّرِ أو يدوم.

في موتيَ المقتولِ أبحثُ عنكِ يا امرأةً

تفرُّ من الغزاة

ومن الأفاعي والجنونْ.

وأظلُّ أبحثُ أو أغنّي جائعاً عُريانَ

ما بين المفازات البعيدة

وأظلُّ أقتلُ ساعةً في إثْرِها أُخرى تخونْ.

 

 

* لحظة حُبّ

 

البحرُ يخضرُّ ويصفرُّ ويحمرُّ ويقعي

وأنا أقذفُ في كلِّ خلاياه الجواهر.

 

 

  

* الشمس تغوص

 

1.

الشمسُ ترسمُ فوقَ غصنِ البحر حرْفاً من حروف البرتقالْ.

الشمسُ أُنثى لا تُطالْ

ودمٌ يضيع

وفمٌ يئنُّ إلى ابتهالْ.

2.

الشمسُ تهبطُ والغروب

ألَقٌ يذوب.

مَالي أراكَ مُهَيَّأً للنفي والسفرِ البعيدْ؟

مَالي أراكَ مُهَيَّأً كدمِ الشموسْ؟

3.

الشمسُ قد رحلتْ تماماً..

مثلما امرأة مُطلّقة تودّعها ليالي البيت، والأطفالُ، جارتُها الكذوبْ.

الشمسُ قد غربتْ فحانَ دمُ المُغنّي للوثوبْ.

  

 

* أبوّة

 

1.

البحرُ أبٌ قاسٍ يتعمّدُ تخويفي بالسكّين.

البحرُ مواعيد زائفةٌ وإشاراتٌ غامضةٌ من ألقٍ وأنين.

البحرُ حروبٌ مشتعلةْ

وأناسٌ قد هجروا الأوطانْ،

ناموا في الليل عرايا كالأسماكْ.

البحرُ قصائد باتتْ

تتقرّى كفّيها قربَ النارْ

لترى سرَّ شبابي.

البحرُ نساءٌ ينزعن الأغلالْ

يرقصنَ بفجرٍ أسطوريّ أغنيةَ السفنِ الغرقى

وأنين الربّان

ويقلنَ بهمسِ البلّور...

فأقومُ، أنا الطفل المسحورْ،

أتلمّسُ خاصرةَ الرملِ، تلالَ الطين.

2.

اهبطْ فالبحرُ خرافة.

سقطتْ أعذاقُ الروحِ بوسطِ الموجْ،

سقطتْ كلماتُ الحُبّ وطافَ العشبْ

وامّحتِ الساعات.

يا للعنةْ!

لم تأتِ إليَّ بماسِ البحرِ كما فعلَ الناس.

يا للخيبةْ!

وأتيتَ إليّ 

بعيونِ فقيرٍ وحنين شهيدٍ وكلامِ نبيّ

وبأغنيةٍ قالتْ:

"البحرُ دمٌ ينزفُ أبداً من جرحِ إلهْ".

3.

البحرُ أبٌ يذبحني الليلةَ بالسكّينْ!

 

 

 

  

المعرّي في التيه

 

 

1.

إذ يَعْوي الليلُ، يقومُ دمي يَتشبّثُ بي:

ماذا حلَّ بتلك الأرض؟

قتلتْ أحداً؟

سرقتْ فاكهةَ الأغرابْ؟

ضاعتْ في البرّية؟

وقعتْ في المستنقع

وتعرّتْ من برقِعها؟..

هل أوجعها صوتُ السيفِ على الرقبةْ؟

يا الله   

لطفكَ، لطفك

فحدائقُ موتي ذي تمتدّْ

وزفيفُ دمي يشتدّْ

والأرضُ... مددْ.

2. 

باسمكَ قد خَرَجَ الرجلُ: الطفلْ

من قمقمهِ المعجِز

ومضى يصطاد فراشات الماء.

ولأنّ الخبزَ عنيفٌ في زمنِ الطحلب

باعدتِ الأرضُ خطاها وَمَضتْ للعتبةْ

آكلةً سمّاً مكتئبةْ.

عادَ الرجلُ: الطفلُ ليوقدَ شمعتَهُ فرأتها الأرضُ.

صرختْ وطوتها تحتَ جناحيها،

شربتْ ماءً آسنْ

وعواءً للفجرِ الآثمْ.

3.

باسمكَ قُدّرتِ الأقمارُ منازلَ والأيّامُ سنينْ

ومضتْ من خلفي مئذنةٌ

لم أرقبها والكأسُ تمزّقني إرباً إرباً.

ألأِنّ الشمعة قد سقطتْ

في الماءِ الآسنِ، أولدُ من موتي

لأُعَذَّب منفيّاً في كلِّ صباحْ؟

4.

ها أنتَ معي فَتَقدّمْ!..

سأريكَ عذابي فَتَقدّمْ!..

لا تقنطْ وانحدر الآنَ إلى البُركةْ.

سقطتْ شمعةُ روحي

فبكيتُ دمي وشبابي..

وصرختُ بوسْطِ البرّيّةِ: مَن ينقذني؟ مَن؟

صهَلتْ في وجهي الريحُ. وجِعْتْ

فأكلتُ عيوني. كانَ المسرحُ مُمتلئاً بالناسْ.

فصرختُ: أنا الطفلُ

لا أفهم هذي المحنة. أُوعِدْنا بالماءِ، رغيفِ اللهْ.

لِمَ يفقأُ هذا الدهرُ الجبّارُ

عينيه، يسوطُ الناسْ؟

ما مِن رحمةْ؟

في اللحظةِ، في اللحظةْ

اشتعلَ النورُ فقامَ الناسُ لطقسِ النومْ

مبتهجينْ

وأنا وحدي كنتُ اليقظانْ

وأنا الأعمى المنحوسُ المُكتملُ العينينْ.

5.

وتَقدّمْ!..

سأريكَ جهنّم في الأرضْ

وأريكَ اللعبةَ كاملةً، فَتقدمْ!..

فَهَمَستُ بصوتٍ مخذولٍ: "أنا أعمى".

- (لا بأس عليكَ سأجعلُ من دمِكَ البشريّ يرى

ويحسّ، يتيهْ).

فأراني كيف تُباعُ الأرضُ وتُجتثُّ الأشجارْ.

وأراني كيفَ تُلاكُ الكلماتُ، يُباعُ الأطفالْ.

وأراني دائرةَ الأفلاكِ. صَرختْ:

باسمك

لا شأنَ لديّْ

أشعلتُ الشمعةَ في الريح

سرقتْها الأرضْ.

حرقتْ كفّي أشلاءُ النارْ.

ماذا أفعل؟

قد سلَّ الدهرُ الخيطْ

فَبقيتُ وريداً من غير دمٍ..

ولقيطاً من غير قناعْ.

6.

باسمكَ قد دارتْ دائرةُ النقمةْ

وأنا أدخلُ في دارِكَ عُرياناً أنتَ غطائي،

محزوناً أنتَ هنائي، مأكولاً أنتَ سِناني،

فَتَرفّقْ!..

عاشرتُ جحيمَ الناس

وخطوتُ بقلبِ جهنّم..

هذي سَقَرٌ مَرّتْ، فَتَرفّقْ!

7.

أعطاني قلباً آخرَ. أوردني نهرَ الحكمةْ.

فسترتُ عرائي وحملتُ سناني ومَضيتْ.

8.

لكنّ الأرضَ، الليلةَ، قد ذُهِلَتْ.

الأرض، الليلةَ، تأكلُها صرخاتُ دمي.

سَرقتْ؟

قتلتْ أحداً؟

جَلَستْ فوقَ العَتبةْ؟

أنا أعرفها تجلسُ فوقَ العَتبةْ

لكنَّ حنانكَ أوسع، ربّي، فَتَرفّقْ!

لا تتركْني للريحِ لتنبش أيامي

لا تتركْني للحوتِ ليلقمَني الوحشةَ والبحر ورائي..

لا تتركْني ليهوذا يصلبني..

لا تتركْني أتساقط في الوادي بحثاً عن جبلٍ تتجلّى فيهْ

لا تتركْني للّاتِ. وما مِن لاتٍ أو هُبلٍ أو عزّى..

لا تتركْني للطوفانْ

ودمي قد أبصرَ خفْقَ حماماتٍ عادتْ

برحيقِ النورْ.

 

 

 

 

  

 

أرق

 

 

إلى: بدر شاكر السيّاب

 

 

نمْ..

فالوردةُ قد سقطتْ في البئر

وانفضَّ الأولاد

يا عيني. أضحتْ عينُكَ مئذنةً ورمادْ.

نمْ..

الساعة قاربتِ الفجرَ ولا أحد يؤويكَ: فَمَنْ يؤوينا؟

كفّكَ فارغة إلّا مِن رائحةِ الآسْ،

إلّا مِن حلمٍ يمتدُّ ليصهر دائرةَ الناسْ

ورداً وفراتاً ونخيلاً. 

أتعبنا الجري وراء السنوات.

قد أتعبنا حرفٌ كالثورِ الهائجِ: كيفَ نروّضهُ

بأظافرنا، وأظافرنا مُلِئتْ بأنينِ الدمِ وأنينِ الراسْ؟

نمْ..

يا مَن أسقطتَ الوردةَ في البئرْ،

يا مَن اسقطتَ الوردةَ في بئرِ الحُرّاسْ

وبقيتَ، الساعةَ، درويشاً أعمى

يبكي في الظلمةِ شمسَ الله.

نمْ..

لا عاصمَ، هذي اللحظة، مِن أمرِ الناسْ.

والناسُ نيامُ....... الناسْ.

 

 

 

الرجل

 

 

1.

لاسمِكَ نورُ الشمسِ إذا طلعتْ..

فجراً في أكوانِ الظلمةِ أو ألقُ الشاطئ

إذ يبزغُ في صرخاتِ البحّارةْ

وسْط بحارِ الظلمةْ.

2.

أتوجّسُ في الريبةْ

أشلاءً تبحثُ عن أشلاء..

وأنادي باسمك.

3.

تتشرّبني الظلمةْ

والبحرُ بصدري يطغى..

لم أضربْ بعد البحر

بعصايَ ولم أشربْ مِن ينبوعِ الحكمةْ.

صرخَ البحّارةُ في جَوفي: أينَ الربّانْ؟

فبكيتُ رأيتُ الناس عرايا حولي يبتسمونْ.

4.

أقمِ الساعةْ

سورَكَ مِن حولي..

يا مَن باسمكَ يهتزُّ القاع

وتغوصُ الطعنةُ في الأعماقْ

وتشيحُ بنابيها اللعنةْ.

امنحني رأساً آخر لا يرتابُ ولا

يشكو مِن هولِ الموجِ الوحشيّ.

امنحني عينين،

شفةً ويدينْ

وانزعْ ما في صدري مِن غلٍّ وعذاب.

أقمِ الساعةْ

سورَكَ مِن حَولي..

يا مَن يتركني في الريبةِ..

أحيا وأموتُ وأُبْعَثُ كي أُقْبَرَ وسْط نباح الأموات.

 

 

 

  

 

الأربعاء: الخميس

  

 

الأربعاءُ تفتّحتْ حلماً ولكنَّ الخميسْ

أثنى على صوتِ المغنّي والليالي الآفلةْ.

*

أقتفي اليومَ موتي: الجنون الذي بيته الشِعْر..

عنوانهُ الريحُ والبحرُ والسيّدةْ.

قلتُ للريح: يا سيّدةْ

فليكنْ حُبّنا قشّةً تمسكُ الروح

وهي تنهارُ مقبرةً زُلْزِلتْ.

*

الأربعاءُ تشرنقتْ بالحُبّ والتهبتْ فأعطتْ للخميسْ

غاباتها السوداءَ فجراً مزّقتْه العاصفةْ.

*

قلتُ للمرأةِ: الفجر

كم تغيّرتِ يا سيّدةْ!

كنتِ بيتي الصغير وشمسي التي قد رَسمْتْ

فوقَ حيطان ليلي الطويلْ،

كنتِ إنشودة القلب إذ يشرئبُّ بأعضائها للسماءْ

ويجالسُ في فرح ٍغيمَها.

*

الأربعاءُ تدحرجتْ في الريحِ عاريةً ولكنّ الخميسْ

أقعى على جرح ِالمغنّي والليالي المقصلةْ.

* 

أخرجُ اليوم منكِ: اسمعي

كيفَ لي أنْ أبادل عصفورةً بالبوَمْ؟

يخرجُ البحرُ من ثدي حزني البليغْ،

أرتقي في الصباحْ

سُلّماً مِن ذئابْ.

ينبغي أن أعلّمَ موتي أوصافها كلّ حينْ.

وأناورُ: كم قد خسرتُ وما دلّني الشِعْرُ إلّا لدربِ الخسارة.

والخسارةُ أفعى تلاطفني تارةً أو تمزّقني في هدوءْ

فأقومُ من النومِ مُنتشياً وأبادلُها محنتي بالقصائد.

والقصائد مرفوضة. دندني ما الذي يُسْمعُ الليلَ ألوانهُ

غير قلبي المقفّى؟ اشربي من دمي

وادخلي حيثُ لا يدخلُ الناسُ، لا يدخلُ الشِعْرُ ثوبَ الخديعة.

*

الأربعاءُ تناسلتْ في السرّ..

والغرباءُ قد فرحوا بثدييها اللذين تباركا بالفجرِ: يا بؤس الخميسْ!

 *

يخرجُ البحرُ أو ينتهي في حروف الكتابة

ويبادلُ أطفالهُ بالدنانير كي لا يجفّ ولا تختفي جذوةُ الريح

بين أعضائه: فاقترحتُ عليه "النساء". بكى.

* قال: (إنّ النساء شبيهاتُ بعضٍ ببعضْ).

- تكتبُ الآنَ عن فجر ِهذي الشموسْ؟

* فانثنى قال: (ما أجمل الفجر لو

أنّ شمساً به لا تدمدمُ في سرّها).

وتمثلَّ لي بالفراقْ.

*

الأربعاءُ تناسلتْ قططاً ولكنّ الخميسْ

مِن حزنه البريّ عادَ مُحمّلاً

بالخوفِ محمولاً على رأسِ الرماحْ.

*

ما الذي يفعلُ البحر!

* قالَ للصحفي الذي يختفي خلفَ طاولةٍ ضخمةٍ:

"إنّ أسماكَهُ مُتْعَبةْ

وأفاعيه مفتونة بالشكوكْ.

هكذا فالقصائد مُصفرَّةٌ قاحلةْ".

قلتُ لامرأتي حينما عضّني الفقر:

"أنتِ أرجوحتي". فمضتْ نحو حضنٍ جميل لغيري، مضتْ

حلْمةُ الحُبِّ أنشودةً للبكاء على كلّ شيء مَضى وانقضى،

للبكاء على لذّةِ البارحةْ.

 *

الأربعاءُ تناسلتْ وتمزّقتْ قطعاً ولكنّ الخميسْ

من موتهِ يختارُ موضوعاً لأرسم طعنةً في الخاصرةْ.

 

^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^

المقاطع التي تبدأ بكلمة الأربعاء والموضوعة  بين الفواصل * * من (الكامل) وباقي القصيدة من (المتدارك). 

 

 

 

 

 

 

برقيتان

 

 

* برقية أولى

*********

  إلى نفْسي

 

البحرُ عنيفْ

والموجةُ ساحرة ٌ

تتبرّجُ في سَمَكِ الأيّامْ.

 

 

* برقية ثانية

*********

 

إلى: صاحب الشاهر 

 

أقفلتُ عليكَ الليلةَ أبوابَ القبر

فرأيتُ القبرَ كبيراً كالفجر.

 

 

 

 

 

 

 

أساطير

 

 

1ـ الأفاعي

 

في قلبي خمسُ أفاعٍ: واحدةٌ للأشجار

تزهرُ فوقَ الجبلِ العملاقْ.

أفعى للسنوات

تُرمى خلفي في البحرْ.

أفعى للعاشقِ إذ يبكي

بئرَ اللهِ وبئرَ الأيّامْ.

أفعى لا اسم لها

لكنْ تخضرُّ إذا اختصرَ الفجرُ الصحراءْ

وأقامَ الماءْ.

أُخرى للموتْ.

انظرْ فهنا أفعى للنزهةِ يا قلبي!

 

 

2ـ  الحصار

 

أتقدّمُ نحوكَ يا قلبي

بأساطيلي وملائكتي وجنودي.

أتقدّمُ أحملُ سرَّ الماءْ

وعذابَ الشمسْ

إذ تُجلَدُ ظهراً

وحفيف الأشجار.

أرميكَ وأحرقكَ الآن

وأسوّرُ أطلالكَ، يا قلبي، وضحاياكْ

فرحاً أحملُ رأسي في كفّي..

برهاناً عن حُبّي..

في بابِكَ أكتبُ: يا سرَّ الأسرارْ

يا فاتحتي ورموزي، يا جرحي وأسايْ

في عرشِكَ أكتبُ: حاصرني النمرُ الكاسر

والليلُ الناريُّ وحطّمني الزلزال،

حاصرني الفرحُ البريُّ وأنطقني فرخُ البطّْ

وبياضُ الثلجِ، رحيقُ السيقان.

في تاجِكَ أكتبُ: نحوكَ يا عشَّ النملِ، دبيبَ الموت.

في كأسِكَ: نحوكَ نحوكَ فالكلُّ هباء.

في كأسِكَ: نحوكَ نحوكَ لا شيء سواكْ!

 

 

3ـ الجبليّ والهنديّ

 

يا قلبي طفلٌ أنتْ.

أقلامُكَ ضاعتْ

وحقيبتُك الخضراءْ

سقطتْ في الطينْ.

جَبَليٌّ أنتْ

تستوحشُ حتّى من نبضك،

هنديٌّ أحمرُ لا تعرفُ غير الحُبّ وماء الأنهارْ.

وإذنْ: تتحمّل أنْ تُطعَن في أقطارِ الهجر

من دونِ أنين والجبليُّ المتوحّش

يتوعّدُ والهنديُّ الأحمرُ يقفزُ من بين الأحراشْ؟

 

 

4 . الرواية

 

وأخذتُكَ حيث البرّيّة: جاءَ البدو

خلعوا قلبينا، ضربوا بالسوطِ الجرحَ الفاغرَ في جذعِ القلبْ

وطواهم ليلٌ أدهمُ. جاءَ الذئبُ الأعجفُ والنمرُ الكاسر

صنعا من قلبينا مائدةً عامرةً بدماءِ الفجرْ

حتّى هبط الليلُ الأسْوَدُ ملآنْ.

وأخذتُكَ حيث جبال الله.

هجمَ الزمنُ المرُّ

تهنا، خرجتْ أزهارُ جبالِ الله

أكلتْ في الوادي قلبينا

وبكينا في الغربةْ.

قلبي يا قلبي. كانَ الزهرُ الوحشيّ

يمحو شفتينا بالوحشةْ

لكنَّ الليلْ

هبطَ الساعةْ

فامتشقَ العمرُ بقايا رئتيه وقام.

*

وخرجنا حيث المدن

تستلقي قربَ الأنهار.

وبحثنا عن أبوينا. قالوا: "رحلا للقبرِ".

افرحْ يا قلبي!..

وبحثنا عن مأوى. قالوا: "لا مأوى".

اضحكْ يا قلبي!

وجلسنا كي نشربَ ماءً

فأتانا يحملُ خنجرَهُ المسمومَ الإنسانُ الذئبيّْ

والإنسانُ الأفعى والإنسانُ الفهد

والإنسانُ الإنسانْ.

وبكينا. "لم نفعلْ ما يؤذي أحداً- قالَ القلبْ-

فلماذا قتلونا قربَ النهرِ؟" أجبتُ القلبَ الخائب:

كم مِن مَرّةْ

أخبرتُكَ ألّا تسأل؟ انتظرِ الليلَ الوحشيّ فليسَ هنالكَ مَن

هو أرحم منهْ.

وافرحْ يا قلبي!

*

ورحلنا في الدربِ. السيفُ الذهبيُّ علينا..

لم نفعلْ شيئاً.

كنّا نتحدّثُ عن خبزٍ طيّبْ

في دربٍ معزولٍ.

أُسقِطَ في يدِ قلبي،

قطعوا رأسي، حملوه على رمحٍ أسْوَد

فبكيتُ عمودَ الروحِ المشروخ، انكسرتْ كلماتي، قلتْ

في صوتٍ مبحوحٍ: "إنّا أيتامٌ". لم يسمعْ أحدٌ كلماتي..

وطواهم زمنٌ هيمانْ.

*

ورحلنا

هي ذي الغابة:

أجسادُ نساءٍ بضّاتٍ، أثداء تدلّى

أثداء مثل الكمّثرى فرحاتْ.

وضحكنَ لنا

فهبطنا في حممِ القُبْلة

لكنَّ الأفعى خرجتْ من أثداءِ النسوة

شَنقتْني، شربتْ نبضَ القلبِ الطفلْ.

قالَ الطفلُ:

"لِمَ؟ لمْ نفعلْ شيئاً. كنّا نحلم

لا شيء سوى الحلمِ!"

وخرجنا نصفَ مجانين.

اضحكْ، مِن أعماقِكَ، قلبي.

قالَ الطفلُ المقتولْ:

"أعطوني كسرةَ خُبزٍ، جُرعةَ ماءْ".

فأجبتُ ورأسي فوقَ الرمحْ:

"خذْ..

ذكرى طعناتِ النمرِ الكاسر،

طعناتِ الوحشِ، الإنسان".

وخرجنا نصفَ عرايا نبكي في عيدِ الأرض.

وخرجنا

ورآنا الله.

 

 

 

 

  

 

جيم

 

 

1.

ما بين حصاة هائلة ورمالْ

بزغتْ في جذعِ القلبْ

أزهارُ الليلْ

فَنمتْ، كبرتْ، أضحتْ أشعاراً رائعة العينينْ

ملأى بالأوراق الوحشيّةِ..

بالأثمارِ المرّةِ..

بالأشلاءْ.

2.

كنّا في الدارْ:

أنا

وعذابي النائم كالجُثّة

وسط الدار

(وكذلك شخص لا أعرفهُ)..

قالتْ أشجارُ الليلْ

بالأسرار.

فَصَمتْنا

وكأنَّ الهول تداركنا

والتفَّ على جذعِ الكلماتْ.

لكنَّ الجُثّةَ قامتْ،

صَرختْ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ الأبيض،

صارتْ تندبُ وسط الدار.

3.

ماذا قالتْ أشجارُ الليلِ هناكْ

وبأيّ نسيجٍ مقطوعِ الكفّينْ

باحتْ بالأسرار؟

أيّة أسرارْ؟

ولماذا قامتْ تلك الجُثّةُ، شقّتْ كتّانَ الجسدِ الأبيض،

نَدَبتْ وَعَوتْ؟

لم أفهم شيئاً.

حدّقتُ كمشدوهٍ في ذاكرةٍ بيضاءْ

وَنَبشتُ حصاتي والرملَ الأسْوَد

حتّى كدتُ

أن أخلعَ جذرَ الأشجار.

لم أفهمْ شيئاً..

وكأنّ قطاراً دهسَ الماضي: ثعبانَ الكلمات.

4.

من بعد ليالٍ عامرةٍ

حضرتْ للدارِ الجُثّةُ قالتْ:

قالتْ أشجارُ الليلْ:

"أنا عاريةٌ دثّرْني. وَدَمي ينزفُ لا تلمسْـني..

أنا برجُ الشاعر

هو ذا لا يبرح قلبي.

وأنا المأوى في اللامأوى..

فتعالَ لموتي كالطعناتْ

وأقمْ مِنْ حَولي سوراً للنسيانْ،

سوراً من أحجارٍ هائلةٍ، أسلاكٍ شائكةٍ وجماجم أطفال".

5.

الجُثّةُ قالتْ ذلك.

لكنَّ الجُثّة كانتْ نائمة في الدارِ وما نَطقَتْ أبداً!

 

 

 

 

 

الثعالب

 

 

أقفرتْ ليلةُ الحُبِّ

وَدَمي ثعلبٌ ميّتٌ

مُبحرٌ باتجاه التي لا تُسمّى،

لا يُقالُ بأسرارها أو يُباحْ.

مُبحرٌ باتجاه الرياحْ.

قرّبي من ثناياي شيئاً:

أيَّ شيء يكونْ.

فالثعالبُ تلتفُّ حَولي، الثعالبْ

تلعقُ الآنَ أعضاءَها في دَمَي الميّتِ.

قرّبي. فجرُكِ الآنَ ملآنْ.

مرَّ عشرون عاماً وشبّاككِ الآنَ ملآنْ

وبثديين من غضبٍ صامتٍ، من جنونْ.

أقفرتْ ليلةُ الحُبِّ

وَدَمي مُبحرٌ في الفراتْ.

فاستبحْ أيّها الليلُ سدّاً يُدمدمُ، قلتُ: استبحْ

لغةَ الفجرِ والعنفوانْ.

أترى في الشبابيكِ شيئاً؟

أترى امرأةً صيغَ ميسمها من حنانْ

ثُمَّ من رئةِ الكشتبانْ؟

هل أمدُّ يدي

أم أقطّعُ منها الأصابعَ كي أستريح؟

إنني مُثقلٌ بالغموضْ

وَدَمي ثعلبٌ قاتلٌ مُثقلٌ بالظلامْ.

  

 

طيور

 

  

* طائر الوهم

 

بهدوءٍ أعمى ينقرُ قلبي طيرُ الوهمْ

يوهمني أنْ لا معنى إلّا لفحيح الموتى.

 

* طائر المعنى

 

تاهَ الهدهدُ في المعنى..

(المعنى كانَ كبيراً مُتّسعاً كضياعِ البحرْ).

حدّقَ في الأفقِ سليمانُ العالِمُ، قال:

أينَ الهدهد؟

عرفَ الجنُّ، جميعاً، بمكانِ الهدهد.

لكنَّ الجنَّ، لأسبابٍ لا تُحصى، صمتوا..

فأحالَ سليمانُ الجنَّ إلى حجرٍ

وأحالَ الأحجارَ إلى قبرٍ مُتّسعٍ

وأحالَ القبرَ إلى بلّورٍ وقواريرْ.

 

* الطائر الأسْوَد

 

كانَ غرابُ الليلِ

يقرأُ أسماءَ الناسْ

في اليقظةْ

وغرابُ الفجرَ يداعبُ ألوانَ سماء مُنقرضةْ.

واذ احتدَّ غرابُ الليلِ، احتدَّ غرابُ الفجر

حتّى سقطَ الريشُ الأسْوَدُ والأبيضُ فوقَ الناسْ.

 

 

* طائر الموت

 

1.

عارٍ كالتفّاحةِ قلبي وعميقٌ كالتابوتْ.

2. 

في الفجرِ رأيتُ التفّاحة

تتعرّى في بطنِ التابوتْ.

في الليلِ رأيتُ التفّاحة

تقضمُ رأسَ التابوتْ.

3.

عارٍ كالتفّاحةِ موتي ولذيذٌ كالتابوتْ!

 

 

 

 

  

 

كهيعص

 

   

لأبي، منجم الوقتِ، خمسون اسماً عجيباً وقلباً نبيّاً..

ومرآة حُبّ كبيرةْ.

لأبي، سيّد الماء، أنفٌ وقورٌ، وعينان من أرقٍ

وامتحان، وتيجان غيمٍ ونورٍ، وكفّان قد (قُطّعا)

في الليالي إليّ (فجاءا) برأسي إليّْ.

فابتسمتُ وأوماتُ للريحِ أنْ أحضري اليومَ عرسي..

وقومي كما ينبغي للضيوفِ: الوحوشْ،

مثلما ينبغي الآن مثلي.

لأبي، سيّد الوقت، تيجان زهوٍ تحلّى بها نصف لحظةْ

ثُمَّ فارقها ميّتاً فارقَ الفجرَ ظلّهْ

وانبرى للملائكةِ الواقفينْ

سيّداً من يقينْ،

صارَ للجّنِ قاموسَ موتٍ مُضيء..

فأورقتُ في الليل ظلّاً..

وأورقتُ في النورِ فجراً..

على بابه المحتفي كنتُ في حرفه أنحني

أو أقاومُ في جسدي ما أرى من دمٍ نازفٍ

نخلةً في دهاليز غامضة ظلّلتْها السيوفْ:

جذعُها الكاف

جذرُها الهاءُ والياءُ والصاد

سعفُها العينُ. أورقتُ عينْ

وتجاوزتُ ما قاله الحقّ لي

عن ضرورةِ شقِّ الفراغِ إلى قطعتينْ

وقت تقسيم جرحي البليغ على بابهم كي يروا

في قرون ستأتي مرآةَ قلبي المُضيء.

من دمي أورقَ الياسمينْ.

الوحوشُ استداروا إليّ: اطعنوا يا ضيوفَ الجحيمْ!

من دمي أورقتْ سورةُ الرملِ والأنبياء:

ألفَ لامٍ وميمْ.

الوحوشُ استداروا إليّْ،

صارَ للربّ أسطورة، للعروشِ مفاصلها القاضمةْ،

للسنين الأكاذيب في مهدها لامعةْ.

فاهبطي يتها المعجزةْ

واسمعي إنني الدمدمةْ،

إنني عطشُ الجمجمةْ،

إنني...

نبشوا صيحةَ الروح،

حملوا صيحةَ الروحِ فوقَ الرماحْ.

صارَ للربّ أسطورة: نخلة من دهاليز غامضة ظلّلتْها الحتوفْ:

طلْعُها الكافُ والهاءُ والياءُ والعينُ والصاد،

طلْعُها الله.

 

 

 

 

طلسم

 

 

طاء

طارَ الطائر

واشتاقَ إلى تيجانِ النخلْ،

صبواتِ الزيتونِ وألحاظِ الماءْ.

كانَ الطائرُ مهووساً بجناحيه الطفلين

وبنظرته الخضراء لغصنِ اللذّةِ... لامْ.

حامَ الطائر،

حط َّعلى قلبي الميّتِ أحياه

من كبوته وخطاياه.

فبكيتُ كأفعى تُقسَمُ قسمين

ونظرتُ إلى جسدِ السرِّ: إلى سرِّ..

الطاءِ، إلى طاءِ اللامِ، إلى لامِ السينْ

وإلى سين الميمْ.

كانَ الساحرُ مُشتعلاً في أقصى أركان اللذّةِ كالتنّينْ

يحرقُ ذاكرةً لحروفٍ أربعة عمياء يراها الأبكم

ويراها الرائي مُبصرةً لزمان يتخثّرُ فوقَ كفوفِ الشيطانْ.

ضحكَ الساحرُ إذ أبصرَ حيرةَ هذا الطائر، قهقه كالمجنونْ

ورماه بتيّارٍ من لهبٍ من فمه الأدرد.

فاحترق الطائرُ فحماً حتّى وصل الأرضْ

فتلقّاه الساحر

بأعاجيب الميم.

حطَّ الساحرُ فوقَ الطائر.

ارتفعَ الطائرُ بالساحر،

حلّقَ في صيحاتِ الغيمة،

تيجانِ النخلْ،

صَبَواتِ الزيتونِ وألحاظِ الماءْ.

حلّقَ حتّى تاه.

 

 

انتهى

 

All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة

  

الصفحة الرئيسية